الأحد، 23 أبريل 2023

الجهاد الافغاني بين غلو التقديس وغلو التخوين

حقائق غائبة  


الفصل التاسع والعشرون

بداية النهاية

لقد انتهى العقد الأول من الحرب دون أية نتائج تستحق الذكر. وكما أسلفنا فقد وصل باراك أوباما إلى البيت الأبيض وبدأ رئاسته بإرسال تعزيزات جديدة من قواته إلى أفغانستان مع تكثيف العمليات العسكرية والاستخبارية هناك وهذا ما فسره البعض بأنه البداية لإنهاء الحرب مثلما فعله الأمريكيون في حرب فيتنام في ستينات وسبعينات القرن الماضي حيث كثفوا امن وحشيتهم في تلك الحرب عندما بدأوا التفاوض باريس مع فيتنام الشمالية وثوار الفيتكونغ الذين كانوا يقاتلون الأمريكيين وذلك في عام ١٩٦٨ أي قبل الانسحاب  بسبع سنوات وقد بدأ حلفاء الأمريكيين بالتململ من تلك الحرب والتي دخلوها بحماس شديد في البداية ولكن مع استمرار المعارك دون أية نتيجة تذكر بدأ حلفاء الأمريكيين يفكرون بالتفاوض مع طالبان وكان الألمان أول من  بدأ تلك المفاوضات والتي كانت غير مباشرة وذلك منذ منتصف العقد الأول من هذا القرن

وعلى أية حال فقد أصبح الأمريكيون مقتنعين باستحالة الحسم العسكري في تلك الحرب التي بدؤوها عام ٢٠٠١ ولا مفر من الانسحاب من المستنقع الأفغاني بعد أن أيقنوا أن تلك البلاد عصية على الاحتلال

بدأت المفاوضات بشكل رسمي عام ٢٠١١ والتي أفضت إلى تبادل الأسرى حيث كان لدى حركة طالبان جندي أمريكي أفرج عنه مقابل خمسة من قادة الحركة الذين كانوا في سجن غوانتانامو  وهنا حققت طالبان أول انتصار سياسي لها حيث أجبرت الأمريكيين على الاعتراف بها كما سمحوا للحركة بفتح مكتب لها في الدوحة حيث أن قطر كانت تلعب دور الوسيط في تلك المفاوضات وذلك ضمن الدور الوظيفي المناط بها والذي أشرنا إليه سابقا والذي يتلخص بالبقاء في المنطقة الرمادية لتؤدي أدوارا محددة لا تقدر على أدائها الأنظمة الأخرى التي تجاهر بعمالتها للأمريكيين

على أية حال استمرت المفاوضات بعد ذلك على فترات متقطعة وبدأ الأمريكيون بتخفيض وجودهم العسكري في أفغانستان في منتصف العقد لثاني من القرن وذلك بسبب التحديات الجديدة الناشئة عن ثورات الربيع العربي وظهور تيار الجهاد العالمي بقوة في الساحة الإسلامية ووصول دونالد  ترامب إلى سدة الحكم نهاية عام ٢٠١٦ وتعهد بإنهاء الحرب في أفغانستان وإعادة الجنود الأمريكيين إلى بلدهم لذلك تواصلت المفاوضات في الدوحة وفي باكستان وحتى في كابل حيث وقع غلب الدين حكمتيار  زعيم الحزب الإسلامي والذي كان متحالفا مع طالبان اتفاقا للسلام مع الحكومة العميلة عام ٢٠١٨ أما حركة طالبان فواصلت جهادها للأمريكيين وعملائهم حيث تم توقيع الاتفاق النهائي يوم ٢٩ شباط عام ٢٠٢٠ والذي ينص على انسحاب جميع القوات الأمريكية من أفغانستان خلال عام ونصف على ألا تتعرض طالبان للقوات المنسحبة والا تكون افغانستان منطلقا للتنظيمات الارهابية" مثل تنظيم القاعدة وولاية خراسان "داعش" 

وبالفعل واصل الأمريكيون انسحابهم بينما واصلت حركة طالبان توسعها داخل الجغرافية الأفغانية وسارعت للسيطرة على جميع الولايات الحدودية لتمنع وجود أية جيوب للحركات المناوئة لها والتي يمكن أن تجد دعما لها من دول الجوار خاصة إيران النفاق وجمهوريات آسيا الوسطى (طاجيكستان وأوزبكستان وتركمنستان)

حيث أن لهذه الدول امتدادات عرقية وطائفية داخل أفغانستان وسبق لها أن ساعدت الحركات المناوئة لطالبان في تسعينات القرن الماضي وخاصة إيران النفاق التي لا تخفي عداءها لكل ما يمت لأمة الإسلام بصلة

وفي يوم ١٥ آب من عام ٢٠٢١ دخلت طالبان إلى القصر الرئاسي في كابل مما أربك الأمريكيين الذين راحوا يعجلون بانسحابهم من كابل والذي أعاد للذاكرة انسحابهم المذل من مدينة سايغون (عاصمة فيتنام الجنوبية)ربيع عام١٩٧٥

فراحوا يدمرون معداتهم التي لم يستطيعوا نقلها كما حملوا جنودهم وكبار عملائهم وأبقوا على صغارهم والذين راح بعضهم يتعلق بالطائرات الأمريكية في منظر غاية في البؤس

وهكذا أتم الأمريكيون انسحابهم يوم ٣١ آب ٢٠٢١

لتفتح أفغانستان صفحة جديدة من تاريخها

أما عن الدروس المستفادة من هذه التجربة ومستقبلها فهذا ما سنتناوله في الحلقة القادمة إن شاء  الله تعالى


2023-04-23
كاتب من بيت المقدس

الخميس، 2 مارس 2023

الجهاد الافغاني بين غلو التقديس وغلو التخوين

حقائق غائبة  



الفصل الثامن والعشرون 

أوضاع العالم الإسلامي في العقد الأول من هذا القرن

لقد افتتح هذا القرن بأحداث الحادي عشر من أيلول التي تحدثنا عنها سابقا كما سبقها وتبعها أحداث أخرى لابد لنا من الإشارة إليها في هذه العجالة مع ربطها بموضوعنا الذي نحن بصدده

وسنبدأ ببيت المقدس وما حوله حيث اندلعت انتفاضة الأقصى عام ٢٠٠٠ والتي تميزت عن الانتفاضة الأولى في ثمانينات القرن الماضي بطابعها المسلح والتي انتهت باجتياح الكيان اليهودي للضفة الغربية وقتل ياسر عرفات بالسم بعد أن انتهى دوره ليحل مكانه محمود عباس" أو كرزاي فلسطين “حسب تعبير ياسر عرفات كما اغتال العدو اليهودي في غزة  الدكتور عبد العزيز الرنتيسي والشيخ أحمد ياسين وبعد ذلك انسحب  الكيان اليهودي من قطاع غزة في آب عام ٢٠٠٥ وفازت حركة حماس بالانتخابات بداية العام التالي لتسيطر على القطاع في صيف عام ٢٠٠٧ بعد أن طردت محمد دحلان وجماعته لتندلع المواجهات مع العدو اليهودي على فترات متقطعة منذ ذلك التاريخ

وفي بداية هذا العقد انسحب الكيان اليهودي من جنوب لبنان ليصبح بعد ذلك "حزب الله" الرافضي متحكما في دويلة الطوائف "لبنان" فتم اغتيال رفيق الحريري(رجل الأعمال  وأكبر سياسيي أهل السنة  في لبنان )بداية عام ٢٠٠٥ على يد النظام النصيري ورافضة لبنان وهذا بدوره أدى لإرغام نظام الحكم في دمشق على الإنسحاب من لبنان لتندلع ما سميت بحرب تموز بين الكيان اليهودي و"حزب الله" في صيف ٢٠٠٦والتي أظهرت سطحية وسذاجة الغالبية العظمى ممن يتصدر المشهد عند أهل السنة وذلك بتأييدهم لذلك الحزب اللقيط دون الالتفات لعقيدة الرافضة وماقاموا  به في تلك الأثناء وما قبلها وما بعدها من جرائم بحق مسلمي العراق(أعني إهل السنة لأن الرافضة ليسوا مسلمين).

كما أظهرت تلك المواجهة إضافة لما حصل من مواجهات مع الكيان اليهودي في غزة هشاشة الكيان اليهودي وخيانة أنظمة الحكم العربية في جميع حروبها معه

وفي بداية العقد وقع الهجوم على المدمرة الأمريكية كول في ميناء عدن حيث قتل وجرح العشرات من طاقمها مما أثبت عمالة الحكومة اليمنية للأمريكيين

وفي منتصف عام ٢٠٠٠ هلك طاغية الشام حافظ أسد بعد أن هيأ ابنه بشار خليفة له بمباركة أمريكا التي أرسلت وزيرة خارجيتها آنذاك (مادلين أولبرايت) إلى دمشق لهذا الغرض

وفي منتصف هذا العقد اغتيل المجرم غازي كنعان أحد أهم وأكبر رؤوس الإجرام في النظام النصيري في الشام على يد أبناء طائفته الذين أفنى حياته في خدمتهم

 وفي صيف عام ٢٠٠٥ توفي فهد بن عبد العزيز كما هلك بعده بيومين (٢ آب) الصليبي جون قرنق زعيم المتمردين في جنوب السودان والذي تحدثت عنه وسائل الإعلام الغربية أكثر بكثير من الملك فهد الذي عادت لتسليط الأضواء على مستقبل العمال الاسبان العاملين في قصوره هناك

وفي مصر تمكنت الكنيسة القبطية في مصر من اختطاف السيدة وفاء قسطنطين وكاميليا شحاتة بعد إسلامهما كما أختفى غيرهما لنفس الأسباب وكشفت هذه الحادثة أن النصارى هم من يحكم مصر فعليا كما كشفت أيضا ضعف وهشاشة الجماعات الإسلامية التي لم يكن لبعضها أي موقف من المسألة كما أن بعضهم (محمد سليم العوا) نفى إسلام واختطاف الأخوات المشار إليهن جملة وتفصيلا وهنا لابد من الإشارة للموقف المشرف للشيخ حافظ سلامة (رحمه الله) والشيخ أحمد المحلاوي حفظه الله من هذه القضية

ولعل أهم احداث هذا العقد هو الغزو الصليبي للعراق والذي حصل بعد عام ونيف من غزو أفغانستان

فانطلقت الجيوش الصليبية يوم ١٩ آذار عام ٢٠٠٣ من جزيرة محمد صلى الله عليه وسلم وبالتحديد من دويلة الكويت كما انطلقت الطائرات من قواعدها في بقية بلدان الجزيرة العربية لتلقي بحممها على عاصمة الرشيد ليتم احتلالها ثم تسليمها للرافضة بعد ذلك

وهنا لابد لنا من التوقف قليلا عند هذه النازلة لعلاقتها المباشرة بقضية أفغانستان حيث واجه الصليبيون مقاومة شرسة في السنوات الأولى لغزوهم كلفتهم خسائر مادية وبشرية فادحة مما أرغمهم على التركيز على العراق وتخفيف  الضغط عن أفغانستان وبعد منتصف العقد لجأ الأمريكيون إلى حيلة الصحوات  حيث انقلبت فصائل المقاومة العلمانية والمرتبطة بالحزب "الإسلامي العراقي" ضد بقية فصائل الجهاد والتي كانت الأكثر نكاية بالصليبيين كما ساهمت الحكومات العربية في هذه الخيانة مما أدى لاجهاض المشروع الجهادي في العراق حيث تمكن الأمريكيون من الخروج من المستنقع العراقي بعد أن مكنوا للرافضة في ذلك البلد

وتمكن الأمريكيون من اعتقال صدام حسين نهاية عام ٢٠٠٣ وسلموه للرافضة ليتم محاكمته صوريا وتم اعدامه صبيحة عيد الأضحى عام ١٤٢٧ الموافق ل ٣٠ كانون أول عام ٢٠٠٦ وهنا انقلب المزاج العام لأهل السنة الذين أيدوا حزب اللات منتصف ذلك العام مما يبين انعدام الوعي الاستباقي عند الغالبية العظمى ممن يتصدر المشهد الإسلامي حيث بات واضحا بصورة جلية أننا ندرك المخاطر بعد فوات الأوان 

ومن الإنصاف أن نذكر هنا أن الغزو الأمريكي للعراق قد عارضته جهات كثيرة فعلى المستوى الشعبي عمت المظاهرات العارمة أنحاء العالم بشكل غير مسبوق (أكثر من ٦٠٠ مدينة في العالم) وعلى صعيد الحكومات فقد منعت الحكومة التركية أمريكا من استخدام قاعدة أنجرليك الجوية في تلك الحرب كما وقفت العديد من دول الناتو ضد ذلك الغزو وعلى رأسهم فرنسا وألمانيا مما دعا وزير الدفاع الأمريكي آنذاك دونالد رامسفيلد لوصف أوروبا بالقارة العجوز

وقد دل ذلك على بداية النهاية للهيمنة الأمريكية وبداية التخلخل بحلف الناتو

وقد كشف الرئيس الفرنسي آنذاك جاك شيراك إنه تلقى مكالمة من الرئيس الأمريكي جورج بوش الأبن يقول فيها بأنه تلقى وحيا من السماء لإعلان الحرب على العراق لأن يأجوج ومأجوج قد انبعثتا في الشرق الأوسط للقضاء على الغرب المسيحي وقد ورد ذلك في كتاب بعنوان "أنشر تكذيبا لو كررتم الخبر" للصحفي الفرنسي جون كلود موريس رئيس تحرير جورنال دي ديما. وهذا ما ذكره قبل ذلك المفكر الإسلامي خالد غريب حيث قال في أحد محاضراته بأن أمريكا قد غزت العراق لسبب عقدي ولن يستطيعوا تعويض خسائرهم، حتى لو نهبوا كل بترول العراق

وفي نهاية هذا العقد (عام ٢٠٠٨) وقعت الأزمة الاقتصادية الكبرى في أمريكا بسبب إفلاس عدد من البنوك بسبب ديون الرهن العقاري وقد طالت هذه الأزمة دولا أخرى بسبب تشابك المصالح الاقتصادية بين دول العالم وأظهرت هذه الأزمة الخلل في النظام الرأسمالي وهذا موضوع آخر لسنا بصدد الحديث عنه

وفي هذا العقد برز الحوثيون في اليمن كأحد أذرع الأخطبوط الإيراني في منطقتنا وبذلك كشر الرافضة عن أنيابهم كأخطر عدو يهدد أمتنا في حاضرها ومستقبلها

وفي النهاية لابد أن نشير لما شهده هذا العقد من عمليات "إرهابية" نفذها أنصار  الجهاد العالمي حيث وقعت تفجيرات جزيرة بالي الاندنوسية نهاية عام ٢٠٠٢ والتي قتل فيها مئات السياح وفي آذار من عام ٢٠٠٤ شهدت مدريد عاصمة اسبانيا عدة تفجيرات أوقعت عددا كبيرا من الضحايا  وأدت لسقوط رئيس وزراء اسبانيا أزنار  في الانتخابات في تلك الأثناء واعترف مدبروها بأن سببها وقوف خوسيه ماريا  أزنار مع أمريكا بغزوها للعراق عام ٢٠٠٣.كما شهدت لندن في ٧ تموز من عام ٢٠٠٥ عدة تفجيرات للسبب نفسه كما شهدت مدينة مومباي الهندية سلسلة عمليات في شهر تشرين ثان من عام ٢٠٠٨

 وخلاصة القول أن هذا العقد كان مليئا بالأحداث الجسيمة على جميع الأصعدة فيما يخص أمتنا فكيف أثر ذلك على مسيرة الجهاد في أفغانستان هذا ما سنتحدث عنه في الفصل القادم إن شاء  الله




2023-03-02
كاتب من بيت المقدس





الأربعاء، 21 ديسمبر 2022

الجهاد الافغاني بين غلو التقديس وغلو التخوين

حقائق غائبة  


الفصل السابع والعشرون

الآثار الإيجابية على صعيد الأمة الإسلامية 

وأما التأثيرات الإيجابية على صعيد إمتنا فقد ذكرنا سابقا أنها حركت المياه الراكدة  في  ساحات العمل الإسلامي 

فصفعت المتخاذلين  والعاجزين والمرجفين بقوة فبينت قدرة أمتنا على الخروج من حالة الاستضعاف والعجز إلى حالة القوة والتمكين إذا توفرت الإرادة والعزيمة الصادقة بعد توفيق الله سبحانه وتعالى كما أثبتت تلك الواقعة هشاشة النظام العالمي رغم مايتمتع به من إمكانيات هائلة وسطوة متجبرة حيث استطاعت ثلة قليلة من الأفراد وبامكانات متواضعة أن تقوم بعمل تاريخي تعجز القوى العظمى عن القيام به(من الناحية  السياسية بسبب توازن الرعب فالكل بات مقتمعا أن الحرب تعني الانتحار )وهذا ماسمعته من ألسنة المحللين الغربيين أنفسهم الذين وصفوا من وقف وراء تلك العملية "باللاعبين الجدد"(بغض النظر عن موقفنا مما حصل) 

بعد ذلك بان عجز وفشل الذين تصدروا المشهد الإسلامي لعقود سبقت حيث  تسلحوا بنظرية المؤامرة لتفسير ماحدث ولتبرير عجزهم بعد أن أثبتوا سذاجتهم وسطحيتهم في تعاملهم  مع  تلك  النازلة وبان ذلك واضحا جليا بعد عقد من الزمان فيما سمي بالربيع  العربي وهذا  موضوع  آخر  لسنا  بصدد  الحديث  عنه

كما انكشف أصحاب المناهج المضطربة والذين غيروا طروحاتهم إلى النقيض وذلك تحت ضغط الواقع القائم على التهويش الإعلامي فانتقل بعضهم من الطرح السلفي إلى طروحات الرافضة

وهكذا سقط هؤلاء وأولئك وتجاوزهم الواقع كما ظهرت الاخوة الإسلامية باجلى صورها لما أبداه المسلمون في مختلف بقاع العالم لما يجري في أفغانستان وكأنه يجري في بلدهم وهذا ماأشرنا أليه سابقا وأصبحت القناعة بترابط جميع قضايا المسلمين ببعضها أمرا مطروحا لتزداد القناعة بذلك إكثر وأكثر فيما بعد حيث بدأت الروابط القطرية في الذبول عند شريحة لابأس بها من أبناء الأمة ومثل ذلك يمكننا قوله عن عقيدة الولاء والبراء كما أسلفنا وهذه نقطة البداية للسير في الطريق الصحيح كما باتت المواجهة مع أعداء الأمة مكشوفة حيث تكتل أعداء الأمة على إختلاف مشاربهم في حربهم مع أمة الإسلام وهذا الأمر بات واضحا جليا بعد عقد من تلك النازلة وبات واضحا بعد ذلك أن أمتنا لن تستعيد حريتها وأمجادها دون المدافعة والتضحية ودفع الثمن


أما على صعيد الحكومات فقد انكشف دورها في حراسة مصالح أعداء اﻷمة  وهنا دخلت عبارة الأنظمة الوظيفية قاموس السياسة  وباتت تتردد على ألسنة الكثيرين كما باتت طاعة ولاة الأمر وفقه الحاكم المتغلب وكذلك عدم الخروج  على الحكام الظلمة موضع تساؤل وباتت هذه القضايا تناقش بصورة غير مسبوقة بعد أن تكشفت الأدوار التي  تؤديها أنظمة الحكم في العالم الإسلامي  في خدمة إعداء الأمة وقد فصل الدكتور أكرم  حجازي  والدكتور حسن الدقي وغيرهما أدوار  تلك الأنظمة في العديد من المناسبات  وبأدلة لايستطيع  تكذيبها إلا من لا يرى الشمس في رابعة  النهار وقد سمعت ذلك من أحد الأقارب حيث قال الآن بات كل شيء واضحا وكان قبل ذلك ممن يخذل عن أولئك الحكام

وخلاصة القول أن أمتنا قد اقتربت من وضع القدم الأولى في الطريق الصحيح  بعد عقود من الضياع وضبابية المفاهيم وهذا لايعني أن الأمور أصبحت على ما يرام وقد أشرنا في بداية هذه الدراسة بأن انتصار طالبان كان نقطة مضيئة وسط نفق مظلم طويل

وفي الفصول القادمة سنتحدث عن أوضاع العالم بما في ذلك أوضاع أمتنا الإسلامية خلال العقدين الماضيين وصولا إلى انتصار حركة طالبان



2022-12-21
كاتب من بيت المقدس

































السبت، 12 نوفمبر 2022

الجهاد الافغاني بين غلو التقديس وغلو التخوين

حقائق غائبة 


الفصل السادس والعشرون الآثار الإيجابية للغزو الصليبي لافعانستان

كما ذكرنا سابقا فقد كانت تلك النازلة زلزالا شديدا أدى لتداعيات كثيرة تحدثنا عنها سابقا كما كان لتلك النازلة آثارا إيجابية على العديد من الأصعدة

فعلى الصعيد العالمي اهتزت مكانة أمريكا التي انتشت بعد حرب  الخليج  الثانية  وانهيار الإتحاد السوفييتي حيث عبر عجوز السياسة الأمريكية ريتشارد نيكسون في كتابه أمريكا والفرصة السانحة عن نشوة الأمريكيين حيث قال ما أجمل العالم عام ١٩٩٢ كما ذكر أن الفرصة باتت مواتية لتقود أمريكا العالم ووضع خطوطا عامة للسياسة الأمريكية نحو بقية الدول حسب أهمية كل دولة بالنسبة لأمريكا. فراح الأمريكيون يتصرفون بمنتهى العنجهية والتكبر حتى مع الدول الكبرى فأرسلوا أساطيلهم هنا وهناك التي كانت تفتش البواخر التجارية كما حصل عند تفتيش أحد البواخر الصينية المتجهة إلى إيران كما فرضوا حصارا جائرا على العراق أدى لوفاة مئات الألاف بسبب نقص التغذية والأدوية كما فرضوا العقوبات على ليبيا والسودان وتدخلوا في الصومال وقصفوا بالصواريخ العراق (بعد تدميره عام ١٩٩١) عدة مرات خلال عقد التسعينات كما قصفوا السودان وأفغانستان في صيف عام ١٩٩٨ 

ولاننسى عنجهية وتجبر ديك تشيني وزير دفاعهم أثناء حرب الخليج الثانية وكذلك كولن باول رئيس الأركان المشتركة

كما لن ننسى عنجهية مادلين أولبرايت مندوبتهم لدى الأمم المتحدة ووزيرة خارجيتهم بعد ذلك

كل ذلك حصل في تسعينات القرن الماضي والآن وبعد يوم الثلاثاء الأسود إنقلبت تلك الصورة رأسا على عقب ليرى العالم وقوف جورج بوش الأبن باكيا أمام أنقاض مبنى التجارة العالمية وأما على صعيد العالم الغربي فقد أحدثت تلك العملية صدمة عنيفة في الشعور الباطن نتيجة الشعور بالاهانة واالجرح العميق الذي أحدثته تلك الضربة الموجعة وهذا ما لمسته بنفسي ممن أعيش بينهم. فسبحان مغير الأحوال 

هذا من الناحية المعنوية اما على صعيد الخسائر المادية فقد ذكرنا سابقا بأنها تساوي ٢ تريليون دولار نتيجة إنهيار البورصة وتوالت بعدها الخسائر بانهيار الكثير من الشركات العملاقة مما ضاعف من الخسائر الاقتصادية وزاد الطين بلة غزوهم للعراق مما أدى لخسائر فادحة أدت فيما بعد للأزمة الكبرى عام ٢٠٠٨

وعلى الصعيد  الأمنى فقد عاشت أمريكا حالة من الهستيريا خلال الشهور التالية بسبب إشاعات حول الحرب الجرثومية وخاصة الجمرة الخبيثة حيث استغلت العصابات اليمينية المتطرفة تلك الحالة فراحت ترمي البودرة البيضاء كالدقيق أو الجبس في الشوارع مما أثار الذعر والهلع عند الناس وأدى لاستدعاء المختصين للتحقيق

واليوم ورغم مرور أكثر من عقدين على تلك الحادثة لم تقم الحكومة الأمريكية بنشر أي تحقيق أمني حول تلك العملية ولم تقدم أي شخص من الذين اعتقلتهم للمحاكمة وقد تم تكليف داهية السياسة الأمريكية هنري كيسينجر للتحقيق في تلك العملية فاعتذر عن هذه المهمة ولعله أشار على حكومته بعدم نشر أي تحقيق أمني يقطع الشك باليقين حول ماحدث حتى تبقى تلك العملية مجالا خصبا للمرجفين من إصحاب نظرية المؤامرة وهذا هدف مقصود بحد ذاته حتى نظل نعانى من عقدة النقص والعجز التي حطمتها تلك العملية

وبعد تلك العملية خصصت الإدارة الأمريكية وزارة خاصة للأمن الداخلي رصدت لها ميزانية بمليارات الدولارات كما تم تشديد الإجراءات الأمنية في جميع المرافق وخاصة المطارات مما أرهق الميزانية بمزيد من الأعباء والقائمة تطول إنما نكتفي  بهذا القد وأما التأثيرات الإيجابية على صعيد إمتنا فسوف نتحدث عنها لاحقا إن شاء الله




2022-11-12
كاتب من بيت المقدس


الخميس، 29 سبتمبر 2022

الجهاد الافغاني بين غلو التقديس وغلو التخوين

حقائق غائبة


الجزء الخامس والعشرون

الآثار السلبية البعيدة للغزو الصليبي لأفغانستان

تحدثنا في الفصول الماضية عن التداعيات الآنية لغزو أفغانستان ومنها دخول الأمريكيين في مواجهة مباشرة مع المسلمين بل إن الإسلام صار مستهدفا على جميع الأصعدة بدعوى تجفيف منابع الإرهاب فحوربت كل المؤسسات والجمعيات الإسلامية وحتى النشاطات العلمية البحتة  قد حوربت فطردت الحكومات كل طلبة العلم الوافدين للدراسة في كليات الشريعة والمعاهد الشرعية في بعض البلدان العربية(كجامعة الأزهر) وهنا فتحت إيران  النفاق أبواب حوزاتها لاستقبال أولئك الطلبة وهكذا فتح  الباب أمام نشر التشيع في مختلف بلدان العالم الإسلامي

 كما خضعت حكومات العالم الإسلامي للإملاءات الأمريكية فصارت تتسابق لإرضاء العم سام فأوقفت الجمعيات الخيرية جميع نشاطاتها وحورب الإسلاميون على اختلاف توجهاتهم وظهرت عبودية حكومات العالم الإسلامي بصورة جلية فصار لزاما عليها إيجاد ما تستر به سوءاتها هنا جاء دور علماء السوء الذين بالغوا في تلمس الأعذار  والتخذيل عن ”ولاة الأمر" فظهرت فتاوى وآراء في غاية التناقض والإسفاف ليس لها أي سند شرعي  أو حتى سند وضعي وكلها تزكي أفعال "ولاة الأمر" مع اضفاء الشرعية على كل أقوالهم وأفعالهم مع المبالغة في الحديث عن طاعة ”ولاة الأمر ”والتشنيع على كل الدعاة والمصلحين  الذين لهم رؤية مخالفة

وقد جمع الأخ الدكتور أكرم حجازي (في نهاية العشرية الأولى من هذا القرن) مجموعة من تلك الآراء والفتاوى فوجد فيها تناقضات ما أنزل الله بها من سلطان وشبهها بطبيخ النور (مع تشديد النون المفتوحة) الذين يذهبون لتسول الطعام في وعاء كبير يخلطون فيه أنواع كثيرة من الأطعمة مع بعضها لتكون النتيجة الحصول على طعام غير مستساغ ولا يصلح للآدميين

وكمثال على ذلك، الفتوى التي جعلت من الحاكم الأمريكي للعراق بريمر وليا للأمر والذي تجرأ بعض أهل العلم بالرد عليه لأن بريمر غير مسلم

أما معمر القذافي فكان له شأن آخر حيث صدرت فتاوى بتكفيره في ثمانينات القرن الماضي لما صدر عنه من أقوال لم يعلن تراجعه عنها ومع ذلك فقد قام بدعوة عدد من الدعاة من مختلف البلدان (نهاية العشرية الأولى من هذا القرن) والذين زكوا أعماله وبالغوا في مدحه والثناء عليه رغم أن بعضهم من تلامذة العلماء الذين كفروه ولم يتراجعوا عن فتواهم بتكفيره.  لم يتجرأ أحد بالرد على الذين مدحوا القذافي لأنه من "ولاة الأمر" بل إن الأمر وصل بأحد الدعاة أن يسعى لمقابلة بشار الأسد ليبرأه من كل جرائم أبيه الهالك ويثنى عليه

 بل وصل الأمر بإحدهم أن يقول أن حاكم بلده من اكثر الناس ثقافة وأنه قرأ ١٢٠ الف كتاب

 هكذا تناسى حكام العرب خلافاتهم وتوحدوا لمحاربة” الإرهاب فلم يعد مسموحا لأي داعية انتقاد أي من "ولاة الأمر" الذين صار تقديسهم واجبا شرعيا عند أولئك بل وصل الإسفاف عند أحدهم عندما قال "إذا خرج ولي الأمر على التلفاز يزني ويشرب الخمر  نصف ساعة فلا تنكر عليه إلا إذا كنت أمامه!!! أما إذا كنت خلفه فلا 

 والمقطع موجود بالصوت والصورة في الانترنيت لمن أراد التحقق منه

 كما بالغ أولئك في الإنكار على من يكفر أيا من الناس حتى ولو صدر عنه ما يثبت كفره وهنا دخلت كلمة التكفيريين قاموس بعض الدعاة وكذلك كلمة الخوارج والتي باتت من أكثر الكلمات استعمالا وفي غاية الإسفاف والابتذال كما بالغ الكثيرون  بمجاملة الغرب وذلك بتقديم الطروحات الخالية من أي شكل من أشكال العنف والمبالغة في الحديث عن الحكمة واللين والوسطية "وقبول الآخر ”مع التشنيع على التيارات الجهادية ذات البعد العالمي مع وصمها بكل الأوصاف السيئة مثل التطرف والتشدد والإرهاب والغلو والتكفيريين والظلاميين والخوارج....وغيرها وذهب آخرون لأبعد من ذلك فأبدوا استعدادهم للتعاون مع أجهزة الأمن في بلادهم لمحاربة من يسموهم بالغلاة والخوارج وهذا ما حصل بالفعل بل إن بعضهم قد تعاون مع أعداء الأمة في محاربة "الإرهاب 

وبالطبع فلكل فعل لابد من ردة فعل في الاتجاه المعاكس

فقد أدت التصرفات السابقة من الحكومات ومن بعض الإسلاميين إلى ردود أفعال مختلفة بعضها كان منضبطا من الناحية الشرعية وأخرى على النقيض من ذلك

وهنا أصبح فقه " الحاكم المتغلب" وعدم الخروج على "ولاة الأمر” موضع تساؤل حول مدى شرعية تلك القاعدة وقد ناقشها البعض بصورة منضبطة وآخرون فعلوا عكس ذلك فراحوا ينقضون دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله حتى أن بعضهم وصف تلك الدعوة بأنها لا تصلح لهذا العصر وآخرون بالغوا في نقدها ووصفوها بالظلامية وكذلك نقدوا ابن تيمية رحمه الله وبصورة غير منضبطة فيها الكثير من المغالطات. وصلت حد الزندقة فوصل الأمر ببعض السفهاء حد التطاول على الصحابة الكرام حتى أن أحد المحسوبين على الإسلاميين وصف سيدنا معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه "بالخبيث والمنافق" (والعياذ بالله) وهنا لابد من التذكير بأن صورة العلماء قد اهتزت منذ حرب الخليج الثانية وجاءت نازلة عام ٢٠٠١ لتزيد الصورة قتامة لما أسلفنا

في هذه الفترة أصدرت مؤسسة راند الأمريكية العديد من الدراسات حول الأساليب التي يجب على صناع القرار اتباعها في محاربة دين الله ولعل أخطرها تلك التي تتحدث عن استغلال الخلافات الفكرية والمنهجية بين مختلف العاملين في ساحة العمل الإسلامي لضربهم ببعضهم وقد انساق البعض في هذا الإتجاه ووقعوا في هذا الفخ

كل ذلك وغيره كان من الآثار السلبية لتلك النازلة التي زلت بها أقدام الكثيرين وثبت الله سبحانه وتعالى أقدام الذين اختصهم من عباده

وأما النتائج الإيجابية فسنتحدث عنها في الفصل القادم إن شاء الله تبارك وتعالى



2022-09-29
كاتب من بيت المقدس

الجمعة، 16 سبتمبر 2022

الجهاد الافغاني بين غلو التقديس وغلو التخوين

حقائق غائبة

الجزء الرابع والعشرون

تداعيات الغزو الصليبي لأفغانستان

كما ذكرنا في الفصل السابق فقد توالى سيطرة تحالف الشمال على المدن الأفغانية واستمر الصليبيون في قصفهم لجبال تورا بورا لمدة ١٢ يوما وانتهى القصف يوم ١٧ كانون الأول من عام ٢٠٠١ وفي تلك الفترة حوصر عدة مئات من المجاهدين في مدينة قندز شمال أفغانستان ليقعوا بعد ذلك أسرى فتم نقلهم بحاويات الى قلعة جانجي وقد توفي الكثيرون منهم في الطريق ومن نجا منهم فقد قاموا بالتمرد داخل السجن يوم ٢٥ تشرين ثان ولم يتمكن حراس السجن من السيطرة على التمرد فاستدعوا الطيران الصليبي الذي قصف القلعة فقتل الجميع أي السجناء مع الحراس

وقد ارتكب أولئك المجرمون الكثير من جرائم القتل والسلب والاغتصاب في المدن التي دخلوها ففي مدينة مزار شريف قتلت جماعة المجرم عبد الرشيد دوستم المئات ورموا جثث القتلى بأماكن متفرقة عثرت عليها الفرق التابعة للصليب الأحمر وتم دفنها دون أية ضجة أوأي تحقيق

وأما في مدينة كابل فقد ارتكب المجرمون عمليات اغتصاب وتم توثيق ٧٠٠ حالة مما جعل أحد زعماء البشتون القوميين بأن يدين تلك الجرائم كما أبدى استعداده للتعاون مع حركة طالبان ضد تحالف الشمال رغم أنه من المعارضين لحركة طالبان

كما تم في تلك الأثناء اعتقال عدد كبير من الشباب العربي العاملين في مجال الإغاثة والإعلام وتم تسليمهم للأمريكيين على أنهم من تنظيم القاعدة مقابل حفنة من الدولارات ليتم بعد ذلك نقلهم مع غيرهم إلى سجن غوانتانامو (سيء الصيت) بصورة مهينة لتثبت التحقيقات أن الغالبية العظمى منهم لا علاقة لهم بالقاعدة أو طالبان

لقد كانت تلك النازلة زلزالا شديدا ثبت الله به المؤمنين الصادقين وزلت به أقدام الآخرين الذين يتحدثون دائما عن الحكمة والوسطية والمصالح والمفاسد ومقاصد الشريعة

وأغرب ما بدر من هؤلاء الفتوى التي أحازت لجنود المسلمين في الجيش الأمريكي المشاركة في غزو أفغانستان وقد وقع على تلك” الفتوى" الشيخ يوسف القرضاوي والدكتور محمد هيثم الخياط ومحمد سليم العوا والصحفي محمد فهمي هويدي والمستشار طارق البشري وكانت حجة هؤلاء أن عدم مشاركة الجنود المسلمين في تلك الحملة سيؤدي للشك بولائهم لبلدهم الذي يعيشون فيه وقد وصف الدكتور طه جاسم علوان مدير معهد الفكر الإسلامي في أمريكا تلك "الفتوى” بالبيان السياسي رغم أنه هو من استفتى الشيخ يوسف القرضاوي في هذه المسألة

كما بادر أولئك المقاصديون للحديث عن تهور الشباب المسلم والمغامرات غير المحسوبة كما وصفوا ما جرى في أفغانستان بالمحرقة للشباب العربي كل ذلك كان واضحا في المقالات التي كتبها أولئك المرجفون في مواقع الانترنيت وخاصة موقع islam online

وعلى النقيض من ذلك فقد وصف آخرون تأثير تلك الأحداث بأنها قد حركت المياه الراكدة في ساحات العمل الإسلامي لما أحدثته من أفعال وما طرحته من أفكار جديدة تجاوزت ما كان قائما قبلها حيث أحيت عقيدة الولاء والبراء التي أراد أصحاب الطروحات المهادنة (داخل الصف الإسلامي) إماتتها بعد تمييعها بمسميات ما أنزل الله بها من سلطان كما رفعت الروح المعنوية لدى أبناء الأمة كما أشرنا سابقا

وظهرت في تلك الفترة أهمية الانترنيت التي أتاحت ظهور الكثير من الطروحات العميقة كما فضحت آخرين ممن يتصدرون المشهد منذ عقود لما أظهروه من سطحية وسذاجة في تعاملهم مع تلك النازلة وبات واضحا منذ ذلك الحين أن الواقع قد تجاوزهم وظهر فشلهم بصورة واضحة جلية بعد عقد من الزمن أي بعد أحداث ما سمي بالربيع العربي وهذا موضوع آخر لسنا بصدد الحديث عنه هنا انما سنتحدث عنه في الفصل القادم إن شاء الله


ومن التداعيات أيضا الانبطاح الشديد الذي أبدته حكومات العالم الإسلامي حيث بات خضوعها التام لسيدهم في "البيت الأبيض" واضحا جليا (إلا لأولئك الذين استمرؤوا العبودية لغير الله سبحانه وتعالى) فظهرت الوثنية السياسية والتي أطلت برأسها قبل عقد من تلك النازلة وبالتحديد منذ ما سمي بحرب الخليج الثانية حيث صارت طاعة "ولاة الأمر" القضية المحورية عند بعض أدعياء السلفية

وفي المقابل ظهر مصطلح الأنظمة الوظيفية حيث أصبحت الحكومات في العالم الإسلامي مجرد أدوات تنفيذ لمخططات أعداء الأمة في جميع المجالات العسكرية والأمنية والتعليمية والإعلامية وحتى الأعمال الخيرية والدعوية باتت خاضعة بصورة مباشرة لإملاءات الأمريكان بدعوى تجفيف منابع الارهاب وقد كشفت السنوات اللاحقة أن الأمريكيين قد أرسلوا بعض المعتقلين إلى دول عربية(سوريا مصر الأردن ليبيا المغرب)للتحقيق حيث أن الأمريكيين لم يستطيعوا انتزاع أية اعترافات منهم بطرقهم الخاصة فلجؤوا لعبيدهم ليؤدوا هذه المهمة بالطرق القذرة(التعذيب الجسدي) والتي يتجنبها الأمريكيون والأوروبيون وحتى اليهود لأسباب لسنا بصدد الحديث عنها

وقبل أن نختتم هذا الفصل لابد من الإشارة إلى المقابلة التي أجراها(عبر الأنترنيت) الإعلامي في قناة الجزيرة أحمد منصور مع عبد رب الرسول سياف يوم دخوله كابل والتي بدا فيها ذلك الرجل على حقيقته عندما تكلم بعنجهية كما راوغ بالإجابة على الأسئلة المطروحة فأنكر تحالفه مع عبد الرشيد دوستم كما أنكر الغزو الأمريكي ووصف حكم طالبان بالكابوس الذي انزاح عن بلده وهاجم الشباب العربي كما هاجم قناة الجزيرة لتغطيتها الأخبار في تلك الفترة حيث غطت الأحداث بموضوعية ونقلت الأخبار بمهنية من خلال مراسلها تيسير علوني مما أغضب جماعة تحالف الشمال وزاد من حقدهم على الشباب العربي

وبدا أحمد منصور بموضع المدافع الضعيف

وهنا لابد لنا من الإشارة إلى أن قطر دولة وظيفية شأنها بذلك شأن بقية الحكومات في دول العالم الإسلامي لكن المطلوب من قطر هو البقاء في المنطقة الرمادية مع أداء بعض الأدوار التي تخدع الكثيرين وبذلك تتمكن من أداء مهمتها الأساسية بتسميم العقول وتحقيق الاختراق الفكري في العمل الإسلامي وهذا موضوع آخر فيه تفصيل كثير لا يمكننا الالمام به في هذه العجالة وما قامت وما تقوم به قناة الجزيرة يندرج ضمن هذا الدور المناط بحكومة قطر

هذه هي أهم التداعيات الناشئة عن أحداث الحادي عشر من أيلول وما تلاها من الغزو الصليبي لأفغانستان  أما الآثار البعيدة  لتلك التداعيات فسنتاولها في الفصل القادم إن شاء الله

2022-09-16
كاتب من بيت المقدس

الجمعة، 14 يناير 2022

الجهاد الافغاني بين غلو التقديس وغلو التخوين
حقائق غائبة

  الفصل الثالث والعشرون
الجزء الثاني

مسار العمليات داخل الساحة الأفغانية

لقد شكلت أحداث الحادي عشر من أيلول ارباكا كبيرا للأمريكيين الذين كانوا يعدون لغزو أفغانستان والعراق بهدوء وبعيدا عن الأضواء بمعنى أنهم كانوا يطبخون المؤامرة على نار هادئة(كما يقال)

والآن فقد وجد الأمريكيون أنفسهم مرغمين على الدخول في تلك الحرب قبل الاستعداد التام لها بل إن الكثير من العمليات قد تم التخطيط لها على عجل مما جعلها متعثرة في بداياتها رغم العون الذي حصلوا عليه من الدول ذات العلاقة بالشأن الأفغاني وخاصة باكستان وإيران إضافة لبلدان الجزيرة العربية والروس وبلدان وسط آسيا ومع ذلك فقد واجه الأمريكيون معضلة كبيرة مع الحاضنة الاجتماعية لحركة طالبان أي قبائل البشتون والتي تشكل أكبر مجموعة عرقية في أفغانستان مع وجود امتداد لها داخل باكستان لذلك ركز الأمريكيون عبر  مخابرات الدول المتعاونة معهم العمل أولا على محاولة شق صفوف حركة طالبان وقد باءت تلك المحاولات بالفشل حيث بقيت الحركة متماسكة تقارع الأمريكيين على مدى عقدين من الزمن

وبالتوازي مع ذلك تركز العمل على استمالة بعض قبائل البشتون وينقل الصحفي محمد فهمي هويدي عن حكمتيار أن حامد كرزاي قد زاره في مقر اقامته في إيران محاولا أقناعه بالتعاون معه ضد طالبان لكن حكمتيار رفض ذلك وبعد ذلك دخل كرزاي إلى أفغانستان ونجح باستمالة بعض القبائل البشتونية وقبله فشلت محاولة للمخابرات الباكستانية بإدخال أحد قادة الجهاد السابقين واسمه عبد الحق والذي دخل أفغانستان من الحدود الباكستانية ونجحت طالبان بكشف تلك المؤامرة وألقت القبض عليه وقتلته بعد اسبوعين من بدء الغزو الأمريكي

وأما بخصوص المناوشات مع تحالف الشمال فقد كانت السيطرة على المناطق تتم أحيانا من قبل التحالف لتقوم طالبان باستعادتها بعد مدة واستمرت الأمور على هذا المنوال عدة أسابيع كانت خلالها الطائرات الأمريكية تتابع غاراتها على أفغانستان وخاصة على جبال تورا بورا حيث استعمل الأمريكيون كل مايملكونه في ترساناتهم واستخدموا لأول مرة القنابل العملاقة التي تزن سبعة أطنان كما استخدموا قاذفات القنابل من طراز ب ٥٢  ومع ذلك لم يحرزوا أي تقدم يستحق الذكر وخلال هذه الفترة وصل لحركة طالبان آلاف المجاهدين من باكستان

وأخيرا قدم رافضة إيران الخطة التي أنقذت الأمريكان من مأزقهم حيث قدموا خرائط مفصلة عن خطوط الدفاع لحركة طالبان فقام الأمريكيون بتركيز القصف عليها بينما يقوم تحالف الشمال بالهجوم البري على تلك الجبهات واختراقها وبالتالي السيطرة على المدن وخاصة في شمال أفغانستان حيث تتواجد الحاضنة الاجتماعية لذلك التحالف

وهكذا صارت المدن الرئيسية في الشمال والغرب تقع في أيدي ذلك التحالف ففي التاسع من تشرين الثاني دخل مقاتلوا التحالف مزار شريف وبعد ذلك بأربعة أيام دخلوا مدينة كابل أما مدينة قندهار  فقد سقطت يوم ٦ كانون الأول بعد تفاهمات بين قبائل البشتون الموالية للغزو الأمريكي وحركة طالبان فخرح الملا عمر رحمه الله من المدينة مع بعض قادة الحركة وعدد من المجاهدين حيث قرر قادة الجهاد إخلاء المدن والانحياز إلى المناطق النائية والتحصن في الجبال استعدادا للمرحلة التالية من الحرب والتي بدأت بعد أن حط الصليبيون رحالهم هناك وهكذا تنفس الصليبيون والمنافقون الصعداء وأظهروا فرحتهم بما حصل ظنا منهم أنهم قد حسموا المعركة لصالحهم وصارت قنوات النفاق الفضائية كقناة "المنار"تتحدث عن "ملاحقة القوات الأمريكية لفلول طالبان والقاعدة"وأبدى الكفار والمنافقون شماتتهم لما أصاب الثلة المؤمنة في أفغانستان والتي سنتحدث عنها في الفصل القادم إن شاء الله



2022-01-14
كاتب من بيت المقدس