السبت، 12 ديسمبر 2015

عبيدة الدليمي يكتب : الاخوان المسلمون وأحرار الشام ومؤتمر الرياض ومشروع الصحوات الجديد


كما كان متوقعاً شاركت حركة احرار الشام الاسلامية في مؤتمر الرياض بصفتها مصنفة غربياً واقليمياً كجماعة “معتدلة” ، المؤتمر الذي عُقد في السعودية لمحاولة توحيد الفصائل المعارضة السورية وايجاد حل سياسي بينها وبين النظام من اجل التركيز على قتال تنظيم الدولة الاسلامية وهذا هو الهدف الحقيقي للمؤتمر وان أعلن المشاركون غير ذلك .
حركة احرار الشام التي تم احتواؤها بالكامل من قبل الاخوان المسلمين بعد مقتل قادتها في ظروف غامضة لتصبح الحركة بعدها ذراعاً من الأذرع العسكرية للإخوان المسلمين كما حصل لطالبان بعد الملا عمر وحركة حماس وحماس العراق وغيرها .
البنود الرئيسية للبيان الختامي لمؤتمر الرياض والذي شاركت فيه حركة أحرار الشام التي يفترض أنها اسلامية أكدت على بناء دولة مدنية ديمقراطية في سوريا اضافة الى طرد كل المقاتلين الاجانب من البلاد في اشارة الى المهاجرين من الفصائل الجهادية والى المليشيات الشيعية .
وبعد اعلان البيان الختامي للمؤتمر وبعد ان تم الاتفاق على كل شي تبرأت أحرار الشام من البيان وزعمت بأنها لم توقع عليه !!! رغم أن وسائل الاعلام التي غطّت المؤتمر أكدت على أن ممثل أحرار الشام لبيب النحاس عاد ووقع على البيان ، لكن قادة الحركة أصروا في تغريداتهم في تويتر على نفي مشاركتهم ، وأكد بعضهم على انهم “لن يسلموا المهاجرين” في صفاقة واضحة ووقاحة واستخفاف بعقول الناس ومحاولة للعب على جميع الحبال وتقية معروفة عند الإخوان المسلمين .
فماالذي حمل احرار الشام على التوقيع على البيان ثم محاولة التنصل من هذا االتوقيع ؟!
من المعروف لجميع المتابعين للوضع السوري بأن احرار الشام ستخسر كثيراً إذا اعلنت موافقتها على هذا البيان فهي اولاً ستخسر الكثير من جنودها الذين ما زالوا يحملون الفكر السلفي الجهادي والذين يعتبرون انفسهم ضمن حركة “اسلامية سلفية” خصوصاً أن قادة الحركة الأوائل كانوا من التيار السلفي من أمثال أبي خالد السوري وأبي عبدالله الحموي وأبي عبدالملك الشرعي ، فكيف يستطيع القادة الجدد للحركة اقناع قواعدهم بأن ثمرة تضحياتهم لخمس سنوات خلت هي الوصول لدولة مدنية ديمقراطية تعددية في سوريا وليس الى دولة تحكم بالشريعة الاسلامية كما كان الهدف من تأسيس الحركة ؟.
من جهة أخرى فإن أحرار الشام ان أعلنت موافقتها على البيان ستخسر حليفها الاستراتيجي في سوريا “جبهة النصرة” خصوصاً بعد الحملة الشعواء التي شنها المنظرون السابقون للتيار الجهادي من أمثال أبي محمد المقدسي وأبي قتادة الفلسطيني على المؤتمر حيث كفّر أبو قتادة كل من وقع على البيان ، وبذلك ستجد النصرة نفسها مضطرة لفك شراكتها مع الأحرار رغبت في ذلك ام لم ترغب وهذا يعني عملياً دق المسمار الاخير في نعش جيش الفتح .
كما أن اعلان الأحرار قبولها ببيان المؤتمر سيؤدي الى تكريس خسارتها للمرجعية الجهادية السلفية القديمة متمثلة بأبي محمد المقدسي وأبي قتادة الفلسطيني وغيرهما حيث استفادت الأحرار من دفاعهم عنها طيلة السنوات الخمس الاخيرة أو على الاقل عدم مهاجمتها من قبلهم بشكل واضح .
إنَّ سلوك حركة احرار الشام الأخير وضع دعاة الوسطية والاعتدال داخل التيار الجهادي وعلى رأسهم جبهة النصرة في حرج كبير وعزز من موقف تنظيم الدولة الاسلامية داخل التيار ، حيث عززت مشاركة الأحرار في المؤتمر مصداقية تنظيم الدولة الإسلامية الذي كان ومنذ سنوات يُصنف أحرار الشام على أنها جماعة وطنية لا تسعى لتحكيم الشريعة وان لبست عباءة الاسلام ، الأمر الذي كان له دور كبير في تصاعد الخلافات بينه وبين القاعدة التي خالف أميرها الظواهري أبا بكر البغدادي في نظرته لهذه الجماعات واعتبرها جماعات جهادية يمكن الالتقاء معها في منتصف الطريق .
أحرار الشام وعلى طريقة الإخوان في التذاكي و ممارسة الأستاذية على الآخرين ذهبت الى المؤتمر واتفقت مع المشاركين فيه ووقعت على البيان ثم حاولت التملص من الأمر وكأنها لم تفعل شيئاً !!! .
ببساطة شديدة قلبت أحرار الشام ظهر المجن لجبهة النصرة وللمهاجرين الذي كان لهم الدور الكبير في دعم الحركة في السنوات الماضية وهو أمر ليس غريباً على الإخوان أبداً .
التقية وعدم الوضوح واللف والدوران واللعب على جميع الحبال والتعامل حتى مع الشيطان كانت السمة الأبرز للاداء السياسي للإخوان المسلمين عبر تأريخهم الطويل من حسن البنا والى اليوم وتأريخهم مليء بالافعال المشابهة لما فعلته أحرار الشام بالأمس ، وهو المنهج الذي اخذوه عن امامهم حسن البنا ، فحسن البنا الذي أمر الجهاز السري للاخوان باغتيال النقراشي باشا والقاضي الخازن دار سنة 1949 م عاد وتبرأ من المنفذين بعد أن كُشف أمرهم وقال عنهم قولته الشهيرة : “ليسوا اخواناً وليسوا مسلمين” !!! ، وقد اعترف القيادي في تنظيم الاخوان المسلمين محمود الصباغ بعد ذلك أن حسن البنا هو من أصدر الأمر باغتيال النقراشي والخازن الدار ، لكن الصباغ يبرر للبنا انكاره للعملية وتبرأه من المنفذين بقوله :” لكن المرشد انما قالها من باب الحرب خدعة”!!!
لا يخفى على اي متابع ان مؤتمر الرياض هو محاولة لانتاج صحوات في سوريا مشابهة لصحوات العراق بمسميات جديدة لقتال تنظيم الدولة حيث يسعى الإخوان المسلمون وبدعم اقليمي ودولي الى تكرار تجربة صحوات العراق التي دُعمت في وقتها دولياً واقليمياً حيث جمع الاخوان في هذه الصحوات الفصائل المسلحة “الاسلامية” وغير الاسلامية والعشائر وكل أصحاب المطامع والمطامح الشخصية من اهل السنة فحولوا بوصلة الصراع في العراق من صراع سني ضد الامريكان والشيعة الى صراع سني سني فسالت نتيجة ذلك دماء اهل السنة أنهاراً وتمزق أهل السنة في العراق شر ممزق ولا زال سنة العراق يدفعون ثمن المشروع الاخواني القذر والى اليوم .
وبدل أن يعترف الاخوان بخطأ سياستهم التي اتبعوها في العراق منذ دخول المحتل ومشاركتهم في مجلس الحكم “مجلس بريمر” والى الآن يصر الإخوان على اعادة نفس التجربة في سوريا وتحويل بوصلة الصراع من صراع ضد النظام وروسيا وايران وحزب الله الى صراع سني سني مرة اخرى أملاً بتحقيق مكاسب سياسية لهم .
علماً ان التنظيم العالمي للاخوان حاول التملص من الكارثة التي جلبها اخوان العراق على سنة العراق بتبرئه من الحزب الاسلامي العراقي واعتباره أن الحزب لا يمثل الاخوان في صفاقة معهودة لدى الإخوان المسلمين .، وعلى طريقة امامهم البنا ” ليسوا اخواناً وليسوا مسلمين”
ولو أن تجربة صحوات الاخوان في العراق نجحت لوجدنا مبرراً للاخوان لمحاولتهم اعادتها في سوريا ، لكنها فشلت فشلا ذريعاً وأصبح تنظيم الدولة أقوى مما كان عليه ووجد الاخوان أنفسهم مجبرين على تقديم المزيد من التنازلات لامريكا والغرب وايران والشيعة حتى صارت سلوكياتهم يترفع عنها من بقي عنده أدنى مسكة من دين أو خلق.
والسؤال المطروح : متى سيراجع الإخوان المسلمون انفسهم ؟ لماذا يصرون على تكرار تجاربهم الأليمة ؟ الى متى يصرون على تقديم أهل السنة قرابين لأجندتهم السياسية ؟! أليست تجربة المجرب خسارة ؟!
ماذا حصد السودان بعد ربع قرن من حكم الإخوان ؟
قتل وجوع ودمار للبلد ثم انتهى الأمر بإقامة دولة نصرانية في السودان كان لحسن الترابي احد رموز الإخوان اليد الطولى في قيامها بعد ان وضع يده بيد النصراني جون قرنق !!! ضد الإخواني الآخر عمر البشير بعد خلافهما على السلطة .
ماالذي قدمه الإخوان للإسلام في تركيا بعد 14 عاماً من حكم اردوغان ؟
لم ينجح اردوغان حتى في تحويل العطلة في تركيا من الأحد الى الجمعة خوفاً من أن يكون لهذه الخطوة ثمنها السياسي !!! .
ماالذي جنوه في مصر بعد تسعة عقود من العمل الدؤوب المتواصل والتضحيات الجسيمة ؟!!.
ماالذي قدمه شيخهم في تونس راشد الغنوشي وحركته المسماة بالنهضة للإسلام هناك ؟ بالأمس فقط صوت الإخوان في البرلمان التونسي لصالح تخفيض ضرائب الخمور الى 50% !!! .
ألا يستحي الاخوان المسلمون من الله أو من الناس أو حتى من أنفسهم ؟!! .
انّ السلوك السياسي للاخوان المسلمين لا يؤيده نقل ولا عقل ، فأما النقل فلم يؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الخلفاء الراشدين أنهم استخدموا وسائل خسيسة للوصول الى غاياتهم ، فالغاية لا تبرر الوسيلة في الاسلام ، والله سبحانه وتعالى طيب لا يقبل الا طيباً .
وأما العقل فانّ تسعين سنة من العمل الدؤوب من الاخوان المسلمين دون الوصول الى الهدف يستدعي منهم ويفرض عليهم اعادة الحسابات ومراجعة المنهج.
وكلمة أخيرة للاخوان المسلمين : أفلا تتوبون الى الله وتستغفرونه ؟
عبيدة الدليمي … كاتب عراقي