السبت، 12 ديسمبر 2015

عبيدة الدليمي يكتب : الاخوان المسلمون وأحرار الشام ومؤتمر الرياض ومشروع الصحوات الجديد


كما كان متوقعاً شاركت حركة احرار الشام الاسلامية في مؤتمر الرياض بصفتها مصنفة غربياً واقليمياً كجماعة “معتدلة” ، المؤتمر الذي عُقد في السعودية لمحاولة توحيد الفصائل المعارضة السورية وايجاد حل سياسي بينها وبين النظام من اجل التركيز على قتال تنظيم الدولة الاسلامية وهذا هو الهدف الحقيقي للمؤتمر وان أعلن المشاركون غير ذلك .
حركة احرار الشام التي تم احتواؤها بالكامل من قبل الاخوان المسلمين بعد مقتل قادتها في ظروف غامضة لتصبح الحركة بعدها ذراعاً من الأذرع العسكرية للإخوان المسلمين كما حصل لطالبان بعد الملا عمر وحركة حماس وحماس العراق وغيرها .
البنود الرئيسية للبيان الختامي لمؤتمر الرياض والذي شاركت فيه حركة أحرار الشام التي يفترض أنها اسلامية أكدت على بناء دولة مدنية ديمقراطية في سوريا اضافة الى طرد كل المقاتلين الاجانب من البلاد في اشارة الى المهاجرين من الفصائل الجهادية والى المليشيات الشيعية .
وبعد اعلان البيان الختامي للمؤتمر وبعد ان تم الاتفاق على كل شي تبرأت أحرار الشام من البيان وزعمت بأنها لم توقع عليه !!! رغم أن وسائل الاعلام التي غطّت المؤتمر أكدت على أن ممثل أحرار الشام لبيب النحاس عاد ووقع على البيان ، لكن قادة الحركة أصروا في تغريداتهم في تويتر على نفي مشاركتهم ، وأكد بعضهم على انهم “لن يسلموا المهاجرين” في صفاقة واضحة ووقاحة واستخفاف بعقول الناس ومحاولة للعب على جميع الحبال وتقية معروفة عند الإخوان المسلمين .
فماالذي حمل احرار الشام على التوقيع على البيان ثم محاولة التنصل من هذا االتوقيع ؟!
من المعروف لجميع المتابعين للوضع السوري بأن احرار الشام ستخسر كثيراً إذا اعلنت موافقتها على هذا البيان فهي اولاً ستخسر الكثير من جنودها الذين ما زالوا يحملون الفكر السلفي الجهادي والذين يعتبرون انفسهم ضمن حركة “اسلامية سلفية” خصوصاً أن قادة الحركة الأوائل كانوا من التيار السلفي من أمثال أبي خالد السوري وأبي عبدالله الحموي وأبي عبدالملك الشرعي ، فكيف يستطيع القادة الجدد للحركة اقناع قواعدهم بأن ثمرة تضحياتهم لخمس سنوات خلت هي الوصول لدولة مدنية ديمقراطية تعددية في سوريا وليس الى دولة تحكم بالشريعة الاسلامية كما كان الهدف من تأسيس الحركة ؟.
من جهة أخرى فإن أحرار الشام ان أعلنت موافقتها على البيان ستخسر حليفها الاستراتيجي في سوريا “جبهة النصرة” خصوصاً بعد الحملة الشعواء التي شنها المنظرون السابقون للتيار الجهادي من أمثال أبي محمد المقدسي وأبي قتادة الفلسطيني على المؤتمر حيث كفّر أبو قتادة كل من وقع على البيان ، وبذلك ستجد النصرة نفسها مضطرة لفك شراكتها مع الأحرار رغبت في ذلك ام لم ترغب وهذا يعني عملياً دق المسمار الاخير في نعش جيش الفتح .
كما أن اعلان الأحرار قبولها ببيان المؤتمر سيؤدي الى تكريس خسارتها للمرجعية الجهادية السلفية القديمة متمثلة بأبي محمد المقدسي وأبي قتادة الفلسطيني وغيرهما حيث استفادت الأحرار من دفاعهم عنها طيلة السنوات الخمس الاخيرة أو على الاقل عدم مهاجمتها من قبلهم بشكل واضح .
إنَّ سلوك حركة احرار الشام الأخير وضع دعاة الوسطية والاعتدال داخل التيار الجهادي وعلى رأسهم جبهة النصرة في حرج كبير وعزز من موقف تنظيم الدولة الاسلامية داخل التيار ، حيث عززت مشاركة الأحرار في المؤتمر مصداقية تنظيم الدولة الإسلامية الذي كان ومنذ سنوات يُصنف أحرار الشام على أنها جماعة وطنية لا تسعى لتحكيم الشريعة وان لبست عباءة الاسلام ، الأمر الذي كان له دور كبير في تصاعد الخلافات بينه وبين القاعدة التي خالف أميرها الظواهري أبا بكر البغدادي في نظرته لهذه الجماعات واعتبرها جماعات جهادية يمكن الالتقاء معها في منتصف الطريق .
أحرار الشام وعلى طريقة الإخوان في التذاكي و ممارسة الأستاذية على الآخرين ذهبت الى المؤتمر واتفقت مع المشاركين فيه ووقعت على البيان ثم حاولت التملص من الأمر وكأنها لم تفعل شيئاً !!! .
ببساطة شديدة قلبت أحرار الشام ظهر المجن لجبهة النصرة وللمهاجرين الذي كان لهم الدور الكبير في دعم الحركة في السنوات الماضية وهو أمر ليس غريباً على الإخوان أبداً .
التقية وعدم الوضوح واللف والدوران واللعب على جميع الحبال والتعامل حتى مع الشيطان كانت السمة الأبرز للاداء السياسي للإخوان المسلمين عبر تأريخهم الطويل من حسن البنا والى اليوم وتأريخهم مليء بالافعال المشابهة لما فعلته أحرار الشام بالأمس ، وهو المنهج الذي اخذوه عن امامهم حسن البنا ، فحسن البنا الذي أمر الجهاز السري للاخوان باغتيال النقراشي باشا والقاضي الخازن دار سنة 1949 م عاد وتبرأ من المنفذين بعد أن كُشف أمرهم وقال عنهم قولته الشهيرة : “ليسوا اخواناً وليسوا مسلمين” !!! ، وقد اعترف القيادي في تنظيم الاخوان المسلمين محمود الصباغ بعد ذلك أن حسن البنا هو من أصدر الأمر باغتيال النقراشي والخازن الدار ، لكن الصباغ يبرر للبنا انكاره للعملية وتبرأه من المنفذين بقوله :” لكن المرشد انما قالها من باب الحرب خدعة”!!!
لا يخفى على اي متابع ان مؤتمر الرياض هو محاولة لانتاج صحوات في سوريا مشابهة لصحوات العراق بمسميات جديدة لقتال تنظيم الدولة حيث يسعى الإخوان المسلمون وبدعم اقليمي ودولي الى تكرار تجربة صحوات العراق التي دُعمت في وقتها دولياً واقليمياً حيث جمع الاخوان في هذه الصحوات الفصائل المسلحة “الاسلامية” وغير الاسلامية والعشائر وكل أصحاب المطامع والمطامح الشخصية من اهل السنة فحولوا بوصلة الصراع في العراق من صراع سني ضد الامريكان والشيعة الى صراع سني سني فسالت نتيجة ذلك دماء اهل السنة أنهاراً وتمزق أهل السنة في العراق شر ممزق ولا زال سنة العراق يدفعون ثمن المشروع الاخواني القذر والى اليوم .
وبدل أن يعترف الاخوان بخطأ سياستهم التي اتبعوها في العراق منذ دخول المحتل ومشاركتهم في مجلس الحكم “مجلس بريمر” والى الآن يصر الإخوان على اعادة نفس التجربة في سوريا وتحويل بوصلة الصراع من صراع ضد النظام وروسيا وايران وحزب الله الى صراع سني سني مرة اخرى أملاً بتحقيق مكاسب سياسية لهم .
علماً ان التنظيم العالمي للاخوان حاول التملص من الكارثة التي جلبها اخوان العراق على سنة العراق بتبرئه من الحزب الاسلامي العراقي واعتباره أن الحزب لا يمثل الاخوان في صفاقة معهودة لدى الإخوان المسلمين .، وعلى طريقة امامهم البنا ” ليسوا اخواناً وليسوا مسلمين”
ولو أن تجربة صحوات الاخوان في العراق نجحت لوجدنا مبرراً للاخوان لمحاولتهم اعادتها في سوريا ، لكنها فشلت فشلا ذريعاً وأصبح تنظيم الدولة أقوى مما كان عليه ووجد الاخوان أنفسهم مجبرين على تقديم المزيد من التنازلات لامريكا والغرب وايران والشيعة حتى صارت سلوكياتهم يترفع عنها من بقي عنده أدنى مسكة من دين أو خلق.
والسؤال المطروح : متى سيراجع الإخوان المسلمون انفسهم ؟ لماذا يصرون على تكرار تجاربهم الأليمة ؟ الى متى يصرون على تقديم أهل السنة قرابين لأجندتهم السياسية ؟! أليست تجربة المجرب خسارة ؟!
ماذا حصد السودان بعد ربع قرن من حكم الإخوان ؟
قتل وجوع ودمار للبلد ثم انتهى الأمر بإقامة دولة نصرانية في السودان كان لحسن الترابي احد رموز الإخوان اليد الطولى في قيامها بعد ان وضع يده بيد النصراني جون قرنق !!! ضد الإخواني الآخر عمر البشير بعد خلافهما على السلطة .
ماالذي قدمه الإخوان للإسلام في تركيا بعد 14 عاماً من حكم اردوغان ؟
لم ينجح اردوغان حتى في تحويل العطلة في تركيا من الأحد الى الجمعة خوفاً من أن يكون لهذه الخطوة ثمنها السياسي !!! .
ماالذي جنوه في مصر بعد تسعة عقود من العمل الدؤوب المتواصل والتضحيات الجسيمة ؟!!.
ماالذي قدمه شيخهم في تونس راشد الغنوشي وحركته المسماة بالنهضة للإسلام هناك ؟ بالأمس فقط صوت الإخوان في البرلمان التونسي لصالح تخفيض ضرائب الخمور الى 50% !!! .
ألا يستحي الاخوان المسلمون من الله أو من الناس أو حتى من أنفسهم ؟!! .
انّ السلوك السياسي للاخوان المسلمين لا يؤيده نقل ولا عقل ، فأما النقل فلم يؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الخلفاء الراشدين أنهم استخدموا وسائل خسيسة للوصول الى غاياتهم ، فالغاية لا تبرر الوسيلة في الاسلام ، والله سبحانه وتعالى طيب لا يقبل الا طيباً .
وأما العقل فانّ تسعين سنة من العمل الدؤوب من الاخوان المسلمين دون الوصول الى الهدف يستدعي منهم ويفرض عليهم اعادة الحسابات ومراجعة المنهج.
وكلمة أخيرة للاخوان المسلمين : أفلا تتوبون الى الله وتستغفرونه ؟
عبيدة الدليمي … كاتب عراقي

السبت، 28 نوفمبر 2015

سهيل كساسبة يقارن


وكما قال خالد بن الوليد لأبي سفيان قبل أن يسلم أثناء تجهيزهم لجيش من قريش والقبائل العربية .. لمحاربة محمد صلوات ربي وسلامه عليه

كان خالد شارد الذهن في عالم آخر وأبو سفيان يشرح له ماذا أعد وما هي رؤيته للمعركة القادمة مع محمد ..

التفت أبو سفيان إلى خالد فوجده شارد الفكر سارح بذهنه لم يسمع حرفا مما تحدث به إليه

هز أبو سفيان خالد من كتفه وقال له: أين أنت يا ابن الوليد؟ إلى أين وصلت بك ناقتك؟

التفت خالد لأبي سفيان ثم تنهد تنهيدة طويلة أخرج معها كل لوثات الفكر وضيقه وقال:

انظر يا أبا سفيان إلى محمد ... إنه يعد جيشا لمحاربة الروم؛ ونحن نعد جيشا لمحاربة أخينا وابن أخينا .... ما هذا الانحطاط الذي يلفنا ....

ليست هذه حربي .. وليس هذا هو عدوي ...

ثم انطلق لداره مهموما وقد هم بأمر...

انطلق صباحا إلى فرسة التي لم يريحها إلا في المدينة أمام المسجد النبوي. وكان الشيطان -مثل شيوخ السلاطين اليوم -يردد على مسمعه الآية (سأرهقه صعودا ...الآية) أي تلك الآية التي يتوعد بها الله الوليد أبا خالد في محاولة بائسة لرد خالد عما هو ماض له ..ومع ذلك كان خالد لا يلتفت للشيطان حتى حضر بين يدي الرسول محمد صلوات ربي و سلامه عليه .. يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله

وسبحان الله فقد قدر لخالد (رضي الله عنه) أن يقود معركة مؤتة!!

غبي من لم تصله الفكرة

ليس عندي أكثر مما قاله عتبة لسادة قريش

خلوا بين محمد وبين العرب فإن ظفر كان عزه عزنا وان هلك فقد كفانا دمه

الثلاثاء، 24 نوفمبر 2015


مفاهيم ينبغي أن تُصحح

عبيدة الدليمي

يتصور الكثير من الناس أن الدولة الاسلامية أو الحكم الاسلامي ينبغي أن يكون مثالياً وخالياً من الاخطاء وإلا فهو باطل ولا يمتُّ للإسلام بصلة، وهذا خطأ كبير ينم عن قصور في فهم هذا الدين وجهل عريض بالتأريخ الاسلامي، ولعل مردّ هذا الى الطرح الخاطئ للإسلام في القرن الاخير من قبل علماء السلاطين والأحزاب الذين طرحوا الاسلام للناس بالطريقة التي تخدم مصالح حكوماتهم وأحزابهم.

فنظرة سريعة إلى التأريخ الاسلامي من الأمويين والى سقوط الخلافة العثمانية سنة 1924 م مروراً بالعباسيين والمماليك والمرابطين والموحدين ودولة المسلمين في الاندلس وغيرها نجد أن هذه الدول كان فيها الكثير من المظالم بل إن بعضها لم يقم الا بعد سفك الدماء المعصومة، لكن هذا لم يمنع المسلمين من الفخر بتلك الدول ولم يمنع علماء الأمة من اعتبار هذه الدول دولاً اسلامية وخلافتها شرعية وبيعة خلفائها واجبة.

علماء الأمة وخيارها وسادتها بايعوا خلفاء تلك الدول على الرغم من وجود مظالم كثيرة عند كثير منهم لأن المظالم في الفقه الإسلامي لا تمنع من بيعة الخليفة ما دام يحكم بشرع الله ، ولم يقل أحد منهم أن هذه المظالم تبطل شرعية تلك الدول أو تبطل بيعة خلفائها ، فلم يقل أحد من علماء الأمة مثلا أن يزيد بن معاوية بطلت بيعته بقتله للإمام الحسين رضي الله عنه أو باستباحته لمدينة رسول الله {صلى الله عليه وسلم} لثلاثة أيام بعد وقعة "الحرّة" سنة 63 هــ أو برميه للكعبة بالمنجنيق ، وقد كان ممن بايع يزيد عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس – رضي الله عنهما - ، وكذا الحال مع الخليفة عبد الملك بن مروان - رحمه الله - الذي كان الحجاج الثقفي من أبرز ولاته حيث ولّاه على مدينة رسول الله وعلى مكة ففعل فيهما ما فعل من قبائح وجرائم كان على رأسها رميه الكعبة بالمنجنيق وقتله لابن حواري رسول الله عبد الله بن الزبير بن العوام وهو ابن ذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر الصديق وهو قبل ذلك وبعده خليفة المسلمين الذي بايعته كل الأمصار الاسلامية باستثناء الاردن وفلسطين قبل أن يغلب عليه عبد الملك بن مروان فيستبيح دمه بهذه الطريقة ، لم يقل أحد أن خلافة عبد الملك بن مروان – رحمه الله – غير شرعية رغم أنه كافأ الحجاج على جرائمه في الجزيرة بتوليته على العراقين ( الكوفة والبصرة ) وعلى المشرق كله .

والأمثلة كثيرة ولا مجال لحصرها ولا نبالغ اذا قلنا أن هذه هي القاعدة والاستثناء أن يكون الامر خلاف هذا كما كان مع الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز - رحمه الله – أو مع بعض امراء الأمة مثل نور الدين زنكي وصلاح الدين الايوبي ويوسف بن تاشفين وأمثالهم الذين كانت تقوى الله هي التي تحكم سلوكياتهم وتعاملهم مع رعيتهم .

واذن فمناط الحكم على شرعية الخليفة من عدمها هو حكمه بشرع الله سبحانه وتعالى ولذلك أوجب العلماء بيعة رجال عُرفوا بظلمهم وسفكهم للدماء لأن مصلحة الأمة تقتضي ذلك.

وتصبح البيعة أشد وجوباً عندما يتعرض المسلمون ووحدة الأمة إلى الخطر كما حدث حين ضعفت دولة الاسلام في الأندلس عن مواجهة الصليبيين فقدم القاضي الفقيه ابن العربي المالكي من الاندلس الى المغرب وبايع عبد المؤمن بن علي أمير دولة الموحدين الذي يقول عنه الامام الذهبي في كتابه "العبر" وابن العماد في "شذرات الذهب" أنه كان عادلاً عالي الهمة متين الديانة يقرأ كل يوم سُبعا من القران ويصوم الاثنين والخميس ولكنه كان " سفاكاً لدماء من خالفه" !! ومثل هذا الكلام عن عبد المؤمن ذكره الإمام ابن كثير في البداية والنهاية وأضاف " أنه كان يعيبه كثرة سفكه لدماء من عارضه من أتباعه أو غير أتباعه" !! .

وهكذا تبقى مصلحة الأمة في المحافظة على وحدتها وقوتها ضد أعدائها مصلحة ترجح بكثير على مفسدة ظلم أشخاص معينين أو فرقة معينة من الناس وهذا الذي أجمع عليه علماء الأمة، فمظالم الأمويين والعباسيين والمماليك والعثمانيين والمرابطين والموحدين وغيرهم التي طالت بعض الناس انما يحمل أوزارها أمراء تلك الدول وهم المسؤولون عنها أمام الله سبحانه وتعالى وتبقى أمجادهم وانتصاراتهم والعدل الذي عمّ أكثر الناس هي المعيار في الحكم عليهم.

ولا يقولن متفيقه أن كلامنا هذا فيه تشويه للتأريخ الاسلامي وانتقاص منه أو تبرير للظلم وتسويق للظالمين ، فتأريخنا الاسلامي عظيم ومشرف وما عرفت البشرية تأريخاً أنصع منه ، وما عرف العالم العدل إلا يوم حكمه المسلمون ، ولكنها طبيعة البشر ولا معصوم بعد محمد صلى الله عليه وسلم وهكذا هم الناس - ومنهم الخلفاء - تعرف منهم وتُنكر ،وقد قالت العرب : المُلك عقيم ، ويبقى الظلم ظلمات يوم القيامة " وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا" .

بهذا الفهم وبهذه النظرة الشاملة المتجردة يُنظر الى المسائل حتى لا نُزيف الحقائق ونُضلل الناس تدفعنا الى ذلك مصالحنا الشخصية والحزبية، فالكلمة أمانة نُسأل عنها أمام الله سبحانه وتعالى خاصة ً في هذا الظرف الحرج الذي يمر به المسلمون حيث أصبحوا بين قتيل ومعوق وسجين ومطارد ولاجئ ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.


الأحد، 22 نوفمبر 2015


اسرار الفلوجة واسوار نورنبيرغ
من هو الارهابي؟
د. محمد الدراجي

قبل البدء بسرد أهم الاحداث التي جاء ذكرها في الكتاب، فلا بد أن أذكّر اولا بالأهداف من نشر هذه الدراسة الموثقة بمختلف المصادر التي تجاوزت ال 700 مصدر، وكالاتي:
   1تقديم الحجة والادلة على ان مفهوم ارهاب الدول المعاصرة (الحديثة) كان موجودا وموجهاً ضد العراق والعراقيين اثناء فترة الاحتلال عبر تقديم امثلة جرائم الحرب والإبادة التي حصلت في مدينة الفلوجة العراقية. على الرغم من ان جريمة قتل مئات الالاف من العراقيين بسبب الجوع والامراض اثناء فترة الحصار الاجرامي ١٩٩١-٢٠٠٣ كان قد اعتبر ايضا جريمة دولية كبرى دفعت العديد من كبار موظفي الامم المتحدة الى الاستقالة لرفضهم استمرار هذه الجريمة.
 2- ان كثرة الدراسات العسكرية والسياسية الامريكية قد بينت اغلبها وجهة نظرهم المحملة بالكثير من تزييف الدوافع بينما فضحت السنتهم العديد من جرائمهم عبر ما ذكروه من وقائع. يقابلها في الجانب الاخر عدد نادر جدا من الدراسات والبحوث التي تبين وجهة نظر ضحاياهم ومعاناتهم. وهذا هو ابسط حق مشروع يجب ان يمارسه الضحية في التعبير لإيصال صوته ومطالبه العادلة.
 3- توضيح دور بعض الجهات المحلية والدولية الفاعلة في تلك الاحداث, مع الادلة التي تدعم ضرورة التحقيق الدولي المستقل والساعي لنصرة الضحايا وتحقيق العدالة الانتقالية المفقودة. هذه العدالة الانتقالية التي تعتبر بانها المؤسس الحقيقي التي يبنى عليه السلام والامن الدائمين. ولهذا سيكون امام الجهات الدولية المسؤولة في الامم المتحدة مسؤولية البدء في التحقيق بما جاء في الكتاب من جرائم حرب وانتهاكات فاضحة لحقوق الانسان. والا فإنها ستؤكد بان الفساد الاداري والتستر على هذه الجرائم قد وصل الى قمة هرم اتخاذ القرار داخل هذه المنظمة الدولية، وهو ما سيمثل كارثة في العلاقات الدولية.
4- اتمنى ان تكون الاسئلة التي ستتولد من الاحداث المذكورة في الكتاب عامل مساعد في الدفع الى مزيد من البحوث والدراسات ليس فقط حول الانتهاكات في المناطق المذكورة, بل تشجيع الاخرين في محافظات العراق الاخرى وتوفير دعم اكبر لهم. خصوصا في اختيار المعايير العادلة في تحديد الارهاب الدولي والتحديات المسيطرة على هذا النهج وما يفترض ان تتخذه الدول وفقاً لقواعد القانون الدولي وليس الاجندات السياسية الخاصة التي تخدم مصلحة بعض الجهات السياسية بعيداً عن مصلحة شعوبهم. فقد اثبتت الاحداث ان ما يسمى بالاقتتال الطائفي هو صنيعة للعبة سياسية قذرة كان المقصود منها تقسيم العراق طائفياً وفقاً لقاعدة فرق تسد. بالإضافة الى ان الازمة الاقتصادية التي عصفت بالشعوب الغربية الان قد اثبتت بانهم كانوا ايضا الضحية وادخلوا في حروب تدخل في مصلحة الشركات الداعمة للحرب.
 5- اثبات اوجه الشبه بين العقلية النازية التي سيطرت على العالم والتي سببت كارثة الحرب العالمية الثانية, وتشابهها مع ارهاب الدولة المعاصرة الذي قادته حكومتي بوش وبلير قبل وبعد شن الحرب العدوانية على العراق, مما يوجب ضرورة دولية خاصة حول الجرائم والانتهاكات الخطيرة المرتكبة ضد الشعب العراقي وايجاد اتفاقيات دولية جديدة تغطي الثغرات الموجودة الان في النظام القضائي الدولي من اجل منع الوصول الى حروب ومأسي جديدة تنشر شريعة الغاب.

الكتاب أعتمد المنهج العلمي المبني على الحقائق والادلة الدامغة من مصادر غربية والخالية من الاستنتاج او التخمين والبعيد عن العاطفة, ليكون البحث علميا بحتا ويكون مرجعا معتمدا ليس فقط للباحثين بل حتى للضحايا في فتح ملفات الجرائم المذكورة في الكتاب. فقط للتذكير فان الجهة المستهدفة من معلومات الكتاب هي الشعوب الغربية وخاصة الامريكية والبريطانية، وما نشرنا للنسخة العربية الا لتكون لدى أهلنا كامل المعلومات التي يسرها الله لنا، وحتى يعرفوا من تاجر بهم ومن منع حقوقهم وكيف يجب ان يستمروا بعد ذلك.
الفصل الاول خصصته حول التشابه الكبير في العقلية التي قادت احتلال العراق مع العقلية النازية التي دمرت العالم وقادته لحرب عالمية ثانية. حيث تناولت الادلة العلمية الرصينة التي تفند الادعاءات الكاذبة حول علاقة العراق مع تنظيم القاعدة او تفجيرات نيويورك، أو أكاذيب امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل، مع توضيح كيفية أصدرا مجلس الامن الدولي لقرارات تؤكد حالة الاحتلال بينما يخالف بعضها اسس القانون الدولي رغم وجود الاحتلال بعدم معاقبته. كما ويناقش الفصل حول عدم وجود أسس حقيقية وقانونية للاحتلال تحت مبررات انسانية، مع تناول بعض جرائم وكوارث الحصار الغير انساني ضد العراق وأثاره المدمرة على الحياة العراقية. ويختتم الفصل بأدلة واقعية حول نسب الضحايا العراقيين تبعا لمصادر دولية مختلفة.
وقبل الحديث عن جرائم الاحتلال في الفلوجة، خصصت الفصل الثاني ليعرف الجمهور القارئ حول تاريخ الفلوجة حديثا وقديما، وخصوصا تاريخها مع الاحتلال الاجنبي القديم بعد الحرب العالمية الثانية والاحتلال الحديث بعد مجئ قوات الغزو الامريكي البريطاني. كما يتناول الفصل طبيعة التضامن الدولي الذي نشأ مع قضية الفلوجة لتصبح قضية عالمية ومثالا للمقاومة الشعبية ضد الاحتلال.
الفصل الثالث يتناول أولى جرائم الحرب التي ارتكبتها القوات الامريكية في الفلوجة والتي اشعلت شرارة المقاومة الشعبية ضدهم والاخطاء التي قادتهم لارتكاب تلك الجرائم. وهما الجريمة المعروفة في قتل المتظاهرين السلميين في الفلوجة، والجريمة المخفية اعلاميا في قتل قوة حماية الفلوجة وشرطتها في أول حادثة ترتكبها مرتزقة الشركات الامنية الخاصة مع القوات الامريكية. الجريمة الاولى أكدتها المصادر الغربية بمختلف الوقائع ووثقتها منظمة الهيومن رايتس ووتش الامريكية. لكن الجريمة الثانية فقد وثقناها من الضحايا مع تقارير رسمية عراقية وأمريكية.
الفصل الرابع يتحدث عن استخدام مرتزقة الشركات الامنية والعسكرية الخاصة وتاريخ بداية استخدامهم في العراق، وما هي أبرز فوائدها للاحتلال وكيفية حصولها على الاثراء السريع من صناعة المرتزقة. كما يتناول الفصل الإحصائيات الرسمية حول اعدادهم وجنسياتهم والدول التي شاركت بتلك الشركات ومنها شركتين مسجلة في إسرائيل. بالإضافة الى الحديث عن أبرز الجرائم التي ارتكبها هؤلاء المقاولين المرتزقة في العراق والفلوجة ايضا، مع اعطاء نبذة عن خطرها دوليا عبر استعراض أبرز جرائمها السابقة.
الفصل الخامس يتحدث عن جرائم الحرب في التعذيب واشكال التعامل الوحشي ضد السجناء في معتقلات قوات الاحتلال الغربي وأثرها على انتقال تلك الاساليب لاحقا الى السجون العراقية لدى الحكومات الطائفية التي تشكلت بعدها. لهذا يتناول الفصل كيفية بدء سياسة التعذيب والاعتقالات الوحشية وتأثيراتها على الضحايا والمجتمع المحلي والدولي. كما ويتناول احدى فضائح السجون المحلية لأول الحكومات العراقية بعد انتقال السلطة الصورية والتي عرفت بفضيحة سجن الجادرية، وأثر العنف الذي استخدم في السجون على نشر ثقافة العنف لاحقا خارج السجون لينشر شريعة الغاب. كما ويشير الفصل الى برنامج التسليم السري الامريكي الذي هو في حقيقته اختطاف الاشخاص من بلدانهم لأغراض اخذ المعلومات منهم بعد تعذيبهم في سجن غوانتانامو وغيره من سجون الولايات المتحدة المنتشرة في قواعدها خارج حدود بلدها
الفصل السادس يتناول المعركة الاولى في الفلوجة وأبرز الحوادث قبل المعركة ودور عناصر شركة بلاك ووتر في حدوثها. وما هي خطوات التهيئة الشعبية قبل المعركة واهمها إطلاق نداء الاستغاثة قبل بدء المعركة للتحذير من جريمة العقاب الشامل ضد المدينة والمدنيين. كما تناولت ابرز الجرائم والانتهاكات الموثقة غربيا خلال المعركة وكيفية ارغام الجانب الامريكي على وقف اطلاق النار من جانب واحد، ومن ثم مطالبتهم الفلوجة للتفاوض والجلوس مع وفدين أثنين لأجل ايجاد طريقة سلمية لإيقاف القتال. وقد ابرزت نتائج مباحثات الفريقين والاشارة الى الخطأ القاتل في تلك المفاوضات والذي منع فرصة الاستقرار الدائم وبداية نهاية الاحتلال في العراق. كما ويركز الفصل على ادلة استخدام السلاح الكيمياوي للفسفور الابيض في المعركة الاولى ايضا. الفصل أشار لأهمية التحليل الامريكي لأسباب هزيمتهم في الفلوجة، وما هو دور القوات البريطانية والبولندية فيها بالإضافة الى أشراك قادة 33 دولة عضوة في التحالف العسكري للاحتلال في تلك المعركة. ثم أختمت الفصل مع بيان أهم الدروس المستخلصة من تلك المعركة الخالدة.
الفصل السابع مهم جدا في شرح وضع مدينة الفلوجة بعد نصر المعركة الاولى وحقيقة نشاط لواء حماية الفلوجة للفترة ما بين المعركتين، وما هي الدسائس التي كانت تحاك ضد المدينة لأجل ايصالها منهكة الى المعركة الثانية التي كان الاحتلال يخطط لها. ولعل أبرز قضية في الفصل تناولت الوساطة الدولية للأمين العام للام المتحدة كوفي عنان بطلب من وفد الفلوجة المفاوض ومحاولته منع المعركة الثانية لإعطاء فرصة الحوار السلمي من اجل تجنب المزيد من الكوارث ضد المدنيين. وهنا تبدأ قصة ارتكاب توني بلير جريمته الثانية في الفلوجة التي تورط معه فيها كلا من اياد علاوي والرئيس دبليو بوش. حيث كذب بلير في مجلس العموم بما يخالف الوقائع التي أيدتها الامم المتحدة من اجل ان يكسب قرار المجلس في نقل خمسة الالاف جندي بريطاني من البصرة ليشاركوا في المجزرة الثانية, لتستكمل بقية الفصول القادمة اركان جريمته الكاملة.
الفصل الثامن يتناول المعركة الثانية في الفلوجة وكيفية التهيئة العسكرية الامريكية وخصوصا جنون الهجمات الجوية, اسباب اختيار توقيت المعركة وما هي خطة المعركة وابرز جرائم الحرب التي رافقتها وكيفية اعادة استخدام الاسلحة الكيمياوية للفسفور الابيض, بالإضافة الى الكشف والتركيز على جريمة استهداف وقتل الشهود لمنع خروج معلومات جرائم الحرب. كما وأشرنا الى ادلة تسجيل افلام دعائية بعد المعركة قادت الى تدمير اوسع للمدينة بسبب استخدام أسلحة مختلفة وقصف بالطائرات اثناء التصوير. كما يتطرق الفصل الى خسائر الطرفين وانعكاسات المعركة محليا ودوليا. وهنا تكون القوات البريطانية بقيادة بلير قد ارتكبت جرائم حرب يتناولها الفصل الثاني عشر بالتفصيل.
الفصل التاسع يتحدث عن نوعية الاسلحة وكمياتها التي استخدمت خلال المعركتين الاولى والثانية في الفلوجة وفقا للمصادر الغربية المختلفة. بالإضافة الى دلائل اخرى حول استخدام السلاح الكيمياوي واحتمالية استخدام اسلحة نووية مصغرة التأثير والتي اكدتها لاحقا نتائج البحوث العلمية المختبرية في الفصل العاشر.
الفصل العاشر يختص بالوضع الصحي والبيئي لمدينة الفلوجة بعد المعركة، وأبرز ما جاء في تقارير الوكالات الدولية ومنها الامم المتحدة بالإضافة الى البحوث العلمية المنشورة من قبل جهات دولية محايدة ومنظمات محلية مختصة مع اعطاء امثلة لمناطق عراقية اخرى مشابهة للتلوث البيئي والصحي في الفلوجة. ويختتم الفصل بالحديث حول كيفية التستر الدولي حول جريمة التلوث البيئي والصحي.
في الفصل الحادي عشر حول فرق الموت والخيار السلفادوري, يتناول الفصل مأزق الاحتلال العسكري وسعيه في تحويل سمعة المقاومة الوطنية المسلحة الى ارهاب وانشاء فرق موت ضد المناطق السنية بالذات, والدور الامريكي والبريطاني والايراني في صنع الارهاب واكمال المخطط عبر مليشيات يقودها الحرس الثوري الايراني والدور البارز لقاسم سليماني قائد فيلق القدس للحرس الثوري الايراني. كما يتناول بداية العنف الطائفي بعد تفجيرات المراقد في سامراء واغلب الادلة على من تورطوا رسميا داخل الجهات الرسمية المحلية والدولية. كما يبين الفصل الدور الامريكي والبريطاني وأبرز اللاعبين وبدايات التعاون الامريكي الايراني في دعم المليشيات الايرانية الولاء في العراق ودور مليشيا حزب الله اللبناني ايضا. ويحتوي الفصل على ادلة التورط الحكومي لقادة المليشيات الرئيسية داخل الحكومات وكيفية دعم الارهاب من قبل حكومات المالكي تحديدا
الفصل الثاني عشر يتطرق الى مسائل قانونية عدة منها، جريمة الحرب العدوانية والاحتلال، التوصيف القانوني لمختلف انتهاكات حقوق الانسان من قبل قوات الاحتلال في الفلوجة وفقا للاتفاقيات الدولية وخصوصا مسألة استخدام الاسلحة المحرمة وجرائم الحرب، مع اعطاء امثلة لقضايا دولية مشابهة. حيث انتهكت بريطانيا اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية باشتراكها في جرائم الحرب للمعركتين وخصوصا الثانية. مع أنتهاكها ايضا لاتفاقية منع استخدام الاسلحة الكيمياوية التي وقعت عليها وادخلتها بقانون ضمن دستورها. ونفس الشيء موجود في الدستور الامريكي مما يبين أمكانية استغلال هاتين النقطتين لفتح ملف الفلوجة في محاكمهما. كما ويتناول الفصل رأي المنظمات الدولية والاتفاقيات المتعلقة بمسألة استخدام المرتزقة في العراق. بالإضافة الى مسألة التعويضات وفقا للقوانين العراقية والدولية وما هي بعض الطرق الممكن الاستفادة منها.
الفصل الثالث عشر يتناول ابرز أثار الاحتلال وتدمير العراق مع بيان موقف مجلس الامن والاخفاقات التي عارضت دوره في حماية الامن والسلام الدوليين، ولهذا تم التطرق الى مسببات فشل المجتمع الدولي وبعثة الامم المتحدة في مساعدة الشعب العراقي وارجاع الامن والاستقرار مع اعطاء امثلة لأسباب فشل كلا من مكتب مفوضية حقوق الانسان، الصليب الاحمر الدولي, منظمة الصحة الدولية, وبرنامج البيئة لللامم المتحدة. كما يختتم الفصل بأهمية تعزيز دور منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية في المرحلة القادمة في ظل بعض النجاح الذي رافق حملات مساندة قضية الفلوجة دوليا وضرورة تعزيزها من قبل الامم المتحدة
الكتاب ليس لصاحبه، بل هو كتاب عن جرح أمة لا زالت تنزف بسبب نفس الاجرام والمجرمين. وهو توثيق تاريخي لفترة زمنية مهمة من تاريخنا المعاصر التي يجب ان تعرفها الاجيال القادمة وتفتخر بها وقد وقف أهلهم ضد أعتى الدول وجيوشها المتقدمة. الدروس المستخلصة من السابق هي مهمة جدا في معالجة بعض كوارثنا اليومية في العراق وسوريا على اقل تقدير. وفي الختام أسال الله العلي القدير رب العرش العظيم، أن يتقبل هذا الجهد خالصا لوجهه الكريم وان يغفر لنا تأخرنا في اصداره رغم انه أخذ أربع سنوات في الجمع والتدقيق والكتابة. وكل الشكر لأهلي وأصدقائي وكل من أنار طريقي بالدعاء لي بظهر الغيب ونصحني بما أخطأت ليحميني ويوفقني لما يحبه الله تعالى ويرضاه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته



المؤلف
د. محمد طارق الدراجي
النمسا, 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 2015ج

الأحد، 15 نوفمبر 2015

عبيدة الدليمي يكتب: سنة العراق بين مطرقة المرجعيات الشيعية والكردية وسندان المرجعيات السنية







عقود طويلة مضت والأمة تعاني أشد المعاناة من علمائها الذين يقع عليهم الوزر الأعظم لما وصلت له الأمة، من الضعف، والتشتت، والضياع.
العلماء الربانيون الذين يحملون هم الأمة ولا ينظرون الا لمصلحتها ولا يتملقون لحاكم أو حزب أصبحوا أندر من الكبريت الاحمر في زماننا، فأين هم اولئك الذين يحملون همّ الأمة من بورما إلى العراق إلى اليمن إلى الصومال؟ أين هم أولئك الذين لا يرون مصلحة خاصة لهم إلاَّ مصلحة الأمة جمعاء؟ اين هم الذين لا يتملقون لحاكم، ولا يبشون بوجه رجل ثري من أجل ثرائه ليس إلاَّ؟!
من ينظر الى السواد الأعظم من علماء الأمة يجد أنهم لا يخرجون عن صنفين من العلماء : الصنف الاول وعاظ السلاطين اللاهثين على أبواب ملوكهم وولاة أمورهم ، والصنف الثاني علماء الاخوان المسلمين الذين أوكلت لهم مهمة توفير الغطاء الشرعي للسلوك السياسي للإخوان المتعارض مع ابسط مبادئ الإسلام، كمشاركتهم الصليبيين مشروعهم في العراق.
ونظرة سريعة الى المرجعيات العلمية للمسلمين في العالم اليوم تكفي لإدراك هذه الحقيقة فالمراجع العلمية الكبرى المتمثلة بالأزهر المصري وهيئة كبار العلماء في السعودية من الصنف الاول والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في قطر من الصنف الثاني.
وللتذكير فقط فقد أفتى قبل اشهر قليلة الامين العام لهذا الاتحاد الكردي علي القره داغي بأن من يقتل من مليشيا البيشمركة الكردية في القتال ضد تنظيم الدولة شهيد !! مقاتلو البيشمركة الذين هجروا العرب وأحرقوا قراهم وقتلوا رجالهم شهداء بنظر القره داغي ، ولايمكن فهم هذه الفتوى سوى أنها تأتي في سياق موقف العداء المستحكم بين الاخوان المسلمين وتنظيم الدولة بالإضافة الى ما عُرف به القره داغي من التعصب لقوميته الكردية !!!
في العراق لم يكن علماؤنا خارج دائرة الحال المزرى لعلماء الامة فقبل الاحتلال كان السواد الاعظم منهم من الصنف الاول “وعاظ السلاطين” وعلى رأسهم عبد الرزاق السعدي وعبد اللطيف الهميم، وبعد الاحتلال تحول القسم الاكبر منهم الى الصنف الثاني” علماء الاخوان المسلمين” بعد أن سيطر الاخوان على المؤسسة الشرعية السنية الرسمية ممثلة بالوقف السني.
كانت فتاوى علماء الاخوان بعد الاحتلال أحد أهم الاسباب التي أوصلت سنة العراق الى هذا الحال الكارثي من التشرذم والذل والضياع ، فمنذ دخول القوات الامريكية كانت مهمة المؤسسة الشرعية السنية توفير الغطاء الشرعي للسلوك السياسي المنحرف للإخوان المسلمين في العراق ، هذا السلوك الذي لا يقره نقل ولا عقل كالمشاركة في مجلس الحكم ( مجلس بريمر) والمشاركة في الانتخابات والتصويت بــ ( نعم ) للدستور وتحريض أهل السنة على الانخراط في الجيش والشرطة .
علماؤنا هم الذين قالوا لأهل السنة من على المنابر صوتوا بــ “نعم” لدستور بريمر ، علمائنا هم الذين أفتوا ودعوا أهل السنة للانخراط في الجيش والشرطة اللذَين شكلهما بريمر ، علماؤنا هم الذين باركوا تشكيل الصحوات التي قاتلت الى جانب القوات الامريكية في أول تأسيسها واليوم تقاتل الى جانب المليشيات الشيعية الايرانية .
في عام 2005 أصدر علماء الاخوان المسلمين في العراق فتوى تدعو أهل السنة الى المشاركة في الجيش والشرطة العراقية، فقام زياد العاني الامين العام المساعد للحزب الاسلامي العراقي بالترويج لهذه الفتوى في المساجد حيث خاطب اهل السنة بعد الصلاة في جامع الاخوة الصالحين في العامرية في بغداد وقال: يا أهل السنة هذه فتوى من 64 عالماً من علمائكم يدعونكم فيها الى ضرورة الانخراط في الجيش والشرطة.
وفعلا كانت الفتوى موقعة من 64 شخصاً لكن اكثرهم نكرات لا يعرفهم أحد ، قدمهم الحزب الاسلامي في هذه الفتوى على أنهم علماء ومرجعيات سنية ، وأذكر أن الكثير منهم كانوا من الشباب صغار السن ومنهم مدرس الجغرافية ومدرس اللغة الانكليزية والذين لم تعرفهم ساحات العلم الشرعي ولم تشهد لهم في يوم من الايام ، بل أن أحد هؤلاء “العلماء” كان ( حجي عريبي ) وهو مضمد صحي مختص بزرق الابر ومداواة الجروح وله دكان صغير في الصقلاوية احدى النواحي التابعة للفلوجة ولولا انني من الفلوجة وأعرف المضمد عريبي لظننت أنه من شيوخ الاحناف أو الشافعية أو ربما أحد المجتهدين في مذهب الامام احمد !! ، لكن ما الذي يُدري ابن الموصل أو بغداد أو صلاح الدين من هو “الشيخ العلامة عريبي” ؟! الى هذا الحد وصلت الصفاقة والاستخفاف باهل السنة والتدليس عليهم عند الحزب الاسلامي العراقي .
علماً أن الجيش والشرطة اللذَين دعانا علماؤنا للمشاركة فيهما شكلتهما القوات الامريكية للتصدي للمقاومة العراقية على غرار جيش لبنان الجنوبي بزعامة أنطوان لحد الذي شكله اليهود في جنوب لبنان ليكون حزاماً أمنياً لهم.
ثم جاء مشروع الصحوات الذي شكل نكبة أهل السنة في العراق ، وكان لعلماء الاخوان اليد الطولى في هذا المشروع الذي ضيع أهل السنة وفوت عليهم فرصة تاريخية لانتزاع العراق من امريكا وايران ودفع أهل السنة ثمنه غالياً حيث قتل بعضهم بعضاً وسالت دمائهم أنهاراً ، لعب علماء الإخوان المسلمين دوراً في تشكيل الصحوات لا يبتعد كثيرا عن دور سماسرة السياسة، وتجارها، الذين يبيعون المواقف مقابل ثمن ومكاسب ضيقة عادة لا تخدم مصالح عامة أبناء السُنَّة ، وأخيراً انحازت هذه الصحوات التي تشكلت بفتاوى علمائنا الى المشروع الفارسي الصفوي بعد ان نبذها أهل السنة حيث اضطرت اخيراً الى المجاهرة بعمالتها لإيران وللولايات المتحدة وقتالها إلى جانب الشيعة في حرب ابادتهم المعلنة على السُنَّة بموجب فتوى الجهاد الكفائي .
لقد كان الترويج للانتخابات وضرورة المشاركة فيها ودعم قوائم الحزب الاسلامي الشغل الشاغل لعلمائنا طيلة السنوات الماضية.
واليوم وبعد أن أوصلنا علماؤنا الى هذا الحال وبعد أن أصبح مهجرو أهل السنة كالأيتام على مأدبة اللئام في شمال العراق ودول الجوار وأوربا وبعد ان صرنا على شفير الهاوية هل سيتدارك علماؤنا أنفسهم ويتداركوا سنة العراق ؟!
تبنت المرجعيات الشيعة قضيتها بكل قوة وصرامة فأصدر السيستاني فتواه التي اوجب فيها الجهاد على الشيعة ضد تنظيم الدولة الإسلامية (أي ضد السنة) فتشكل نتيجة هذه الفتوى الحشد الشعبي الشيعي الذي التحق به عشرات الالاف من الشباب الشيعة بل وحتى من كبار السن , والتحقت الكثير من العمائم الشيعية للقتال بنفسها وحضور المعارك حيث عرضت الفضائيات صوراً لمعممين شيعة وهم يتقدمون صفوف المقاتلين في الحشد ويحرضونهم على القتال .
وبدورها قامت المرجعيات الكردية بإصدار فتاوى مماثلة للأكراد فأفتى علي القرة داغي الأمين العام للإتحاد العالمي لعلماء المسلمين بأن كل من قتل من البيشمركة في المعارك ضد تنظيم الدولة هو شهيد , وان قتلى تنظيم الدولة الإسلامية في جهنم ، وأكد فضيلته !!! أنه لا يوجد اي مصلحة شخصية له في هذا القول وأن هذه الفتوى حسب ما جاء في الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم !!! ولا أدرى اين ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ان من يهجر العرب الآمنين ويقتل رجالهم ويحرق قراهم كما تفعل البيشمركة إذا قتل فهو شهيد !!! لم يخبرنا القرة داغي هل نجد هذه الأحاديث في البخاري ام مسلم ام بقية كتب السنن ؟!!!
في ذات الوقت الذي كانت فيه المرجعيات الشيعية والكردية تفتي وتحرض وتوجب القتال على الشيعة والاكراد مشمرة عن الساق والساعد كان معمموا اهل السنة مرجعياتهم يتحدثون للناس عن “جرائم داعش” حتى ذهب محمد العريفي في خطبة الجمعة الى اتهام تنظيم الدولة بسبي “المسلمة المحجبة” بتهمة الردة “لينام معها مقاتلوه اخر الليل” !!! وقد جاءت هذه الفرية من العريفي في نفس الوقت الذي كانت فيه راجمات الحرس الثوري الايراني تمطر الفلوجة بالصواريخ وبراميل الحكومة الصفوية المدعومة من الحكومة السعودية تنهال على الاطفال والنساء في الرمادي والصقلاوية لتقتل في الرمادي وحدها 50 شاباً كانوا يلعبون “المحيبس” في ملعب لكرة القدم.
وتصر مرجعياتنا السنية وإلى اليوم على تصوير الصراع بين الجيش العراقي والحشد الشعبي والبيشمركة من جهة والسنة من جهة اخرى على انه صراع مع تنظيم الدولة الإسلامية وليس مع السنة فلا ناقة للسنة في هذا الصراع ولا جمل !!! ، وأن من مصلحة السنة هزيمة التنظيم في هذه المعركة , فمليشيا بدر وسرايا السلام وعصائب اهل الباطل والحرس الثوري الايراني وقاسم سليماني سيكونون ارحم باهل السنة من تنظيم الدولة الإسلامية !!!
وعلى الرغم من كل ما فعله الحشد الشعبي باهل السنة في جرف الصخر وديالى وبغداد وتكريت وكل المناطق السنية التي دخلها من قتل لأهل السنة وسرقة لأموالهم ومصادرة لبيوتهم بل وهتك لأعراضهم كان اخرها قبل أيام اعتقال المئات من شباب منطقة الطارمية شمال بغداد واقتيادهم كالنعاج الى جهة مجهولة ، وعلى الرغم من كشف ايران لمشروعها الامبراطوري الصفوي وتصريح المسؤولين الايرانيين بأن عاصمتهم ستعود بغداد كما كانت قبل اسقاط الامبراطورية الفارسية على يد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهروب كسرى يزدجرد من المدائن (بغداد) باتجاه خراسان ثم مقتله اخيراً .
وعلى الرغم من تدخل ايران السافر في سوريا واليمن ولبنان والبحرين ومضيها قدماً من أجل تحقيق مشروعها الإمبراطوري .
وعلى الرغم من وصول 4000 جندي من الحرس الثوري الايراني الى معسكر المزرعة في الفلوجة للمشاركة في الهجوم على المدينة واقتحامها .
وعلى الرغم من اتفاق الجميع على ان ما ترتكبه المليشيات الشيعية والكردية من الجرائم أضعاف أضعاف ما فعله تنظيم الدولة فالتنظيم لا يقتل الا خصومه ولم نسمع أبداً أنه تعرض لمدني داخل مناطق سيطرته بدون سبب على خلاف المليشيات الشيعية والكردية التي لا تفرق بين مدني وعسكري وجرائمها معلومة للجميع.
وعلى الرغم من القصف المدفعي والصاروخي اليومي الذي تتعرض له المحافظات السنية وخاصة الفلوجة واطرافها ونقل الفضائيات لصور ضحايا هذا القصف واغلبهم من الاطفال والنساء والشيوخ .
على الرغم من كل هذا ظلَّ علماؤنا يتفرجون ولا ينطقون ببنت شفة ومن يتكلم منهم ينطبق عليه قول القائل : صمت دهراً ونطق كفراً !!
إن ما تقوم به المرجعيات الشرعية السنية من دور خياني لأهل السنة هو امر غير مسبوق في التاريخ الاسلامي بل وحتى الانساني كله .
فالإسلام يحكم على من يقف مع العدو بالكفر ويستبيح دمه وماله , أما من المنظور الانساني فقد ظلت البشرية تعتبر الوقوف مع العدو خيانة ومقاومته بطولة ورجولة وشجاعة .
هذا ما تعلمناه في دراستنا للتاريخ في المرحلة المتوسطة والثانوية , الذين وقفوا مع العدو الفرنسي والانكليزي والايطالي اثناء احتلاله للوطن العربي خونة والذين قاوموه ووقفوا ضده ابطال .
بل ان بائعات الهوى والعاملات في الملاهي الليلية في مصر والشام كن يساعدن المقاومين المصريين والشاميين للايقاع بالجنود الفرنسيين والانكليز ايام الاحتلال الفرنسي والانكليزي لمصر والشام , حيث كانت بائعة الهوى ترى أن واجبها الاخلاقي !!! يحتم عليها طرد المحتل من بلادها وهي تخشى من العار ان يلحقها !!! إذا هي تعاونت مع هذا المحتل !!!
والسؤال المطروح: هل كانت بائعات الهوى وعاملات الملاهي أكثر شرفاً وغيرة على اوطانهن واهلهن من معممي اهل السنة ومرجعياتهم ؟!!!
هل كن أفقه من مرجعياتنا للكتاب والسنة ؟!!! .
مرجعياتنا التي انحطت في ادائها الفقهي والاخلاقي الى درجة مخيفة حيث جعلت التعاون مع المحتل الامريكي ضد المقاومين واجباً وأثنت في وقتها على الصحوات وقادتها .
وعلى ما يبدو فانه لا أمل في توبة معممي الاخوان المسلمين ولا مؤسساتهم الشرعية ( مجلس علماء العراق + المجمع الفقهي ) فالإخوان مصرِّون على انجاح مشروعهم والوصول الى سدة الحكم على طريقة الامير ميكافيللي حتى لو ادى ذلك الى سحق اهل السنة عن آخرهم ، وتأريخ الإخوان لا يساعد مطلقاً على التفاؤل بإمكانية تراجعهم عن مشروعهم .
أما هيئة علماء المسلمين فقد وجد أمينها العام السابق حارث الضاري وولده مثنى في دخول القوات الامريكية الى العراق فرصة ذهبية للوصول الى سدة الحكم مستفيدين من تاريخ جدهم ضاري المحمود ومشاركته في ثورة العشرين فتاجروا بقضية اهل السنة ولكن بطريقتهم الخاصة ( إخوان سنة وشيعة وهذا الوطن منبيعه و لأننا حضارة ) !!! وربما كان الكثيرون يأملون أن يراجع الدكتور مثنى الضاري نفسه بعد وفاة والده ووراثته منصب الأمانة العامة للهيئة ويتوقف عن طرح المشروع الوطني البائس ويكف عن المناداة بالوطنية التي أوردت أهل السنة المهالك اذ ربما كان الدكتور مثنى قبل وفاة والده واقعاً تحت تأثيره ويدفعه احترامه له على مجاراته على مشروعه على الرغم من عدم قناعته به، لكن الدكتور مثنى ظهر قبل أيام على قناة الجزيرة ليؤكد على سيره على خطى والده وعلى موقف الهيئة الذي لا يساوم على وحدة العراق!!! والذي يحفظ حقوق جميع العراقيين بغض النظر عن دينهم وطائفتهم أو قوميتهم !!!
المساومة على دماء أهل السنة أمر مباح أما المساومة على وحدة العراق فهي جريمة كبرى !!! ما هكذا تورد الابل يا سعد !!
ونحن نُذكّر الدكتور مثنى ان التأريخ الكبير والمكانة الطيبة التي حضي بها جده الشيخ ضاري وولده خميس عند اهل السنة عامة انما نالاها بمواقفهما العملية وليس بالكلام والتنظير وفتح الفضائيات , لقد عاش الشيخ ضاري وولده مع المقاومين وحملا سلاحهما ولم ينظّرا للمقاومين عبر الاثير , لقد قتل جدك خميس الضاري قائد القوات البريطانية “الأجمن” بسلاحه ولم يقتله بكلامه ولا بلسانه ولا بقلمه وفضائياته , لقد هز ضاري المحمود لندن بسلاحه وبتواجده في ساحات القتال وأبكاها بمواقفه العملية لا بمؤتمراته، ولا ندواته (هز لندن ضاري وبجاها)
وإني أربأ بك يا دكتور ان ينطبق عليك قول القائل :
إذا افتخرت بآباء لهم شرفٌ ****** قلنا صدقت ولكن بئس ما ولدوا
يبقى العلامة الدكتور عبد الملك السعدي كشخصية لها ثقلها العلمي والاعتباري عند أهل السنة والدكتور رافع طه الرفاعي مفتي الديار العراقية , وهما الوحيدان اللذان كانت مواقفهما جيدة مقارنة بغيرهما منذ بداية الهجمة الصفوية الاخيرة .
فهل لنا ان نتفاءل بل ونمعن في التفاؤل ونتوقع ان يخرج الرجلان عن صمتهما ويصدر احدهما او كلاهما فتوى لأهل السنة بوجوب الجهاد ؟!
هل نتوقع ان يراجع الرجلان اخيراً وهما المختصان في اصول الفقه قاعدة المصالح والمفاسد التي سود فيها علماء الاصول الاف الصفحات ليجدا ان مفسدة سيطرة ايران والاكراد على اهل السنة اعظم بكثير من مفسدة قتال اهل السنة مع تنظيم الدولة الاسلامية – إن كانا يظنان انها مفسدة
ألا يتأثر الدكاترة السعدي والرفاعي بمشاهد جثث اطفال اهل السنة ونسائهم وشيوخهم التي تعرض يومياً على الفضائيات ؟!!
ألا يتأثران بمشاهد الذل الذي اصاب الملايين من مهجرينا ؟!!!
ألا يشعران بأدنى مسؤولية شرعية أو أخلاقية تُحتّم عليهما اصدار فتوى بوجوب الجهاد ؟!!! .
هل سينتظران حتى يلتحق سنة العراق بقبائل جاسم وعاد ويصبحوا من العرب البائدة ؟!!
ماذا لو أفتى الشيخ السعدي والدكتور الرفاعي أهل السنة بوجوب الجهاد كما فعل السيستاني الشيعي والقره داغي الكردي؟!
ماذا لو قالا لأهل السنة: احملوا السلاح ودافعوا عن أنفسكم وأعراضكم ومساجدكم ومدنكم مع تنظيم الدولة الاسلامية ؟! وكذا لو فعل الدكتور مثنى مستدركاً ما فاته من الخير ، عندها سيلتحق مئات الالاف من اهل السنة بركب المقاومين الذي لا ينقصهم السلاح ولن نبالغ ان قلنا انه لو صدرت هكذا فتاوى من الدكاترة الثلاثة أن اهل السنة سيستعيدون بغداد وكل المحافظات السنية خلال ستة اشهر فقط وسينتهي المشروع الصفوي الايراني في المنطقة كلها وليس في العراق وحده فرأس الأفعى الايرانية في بغداد واذرعها في سوريا واليمن ولبنان واذا قطع الرأس ماتت الاذرع لوحدها .
نعم سنحتاج الى ستة أشهر فقط وسيكون أهل السنة في العراق قد استعادوا كرامتهم ومناطقهم وقضوا على الجيش الصفوي ومليشياته ويعود المهجرون والنازحون الى بيوتهم ومدنهم.
ان هذه الفتاوى لن تحتاج من الدكاترة الثلاثة الا العودة الى العراق والعيش مع اهلهم اهل السنة وترك الفنادق والنزول الى الخنادق ، لأن عيشهم في دول اخرى وفي ضيافة حكوماتها لن يسمح لهم باصدار هكذا فتاوى بل ولا النطق بكلمة حق على الإطلاق ، فهل الرجوع الى العراق والعيش مع اهل السنة يحتاج الى تضحية كبيرة لا تقدر عليها مرجعياتنا ؟!!!
السيستاني الشيعي يحرض الشيعة على القتال مع الحشد الشعبي والقره داغي الكردي يحرض الاكراد على القتال مع البيشمركة فلماذا لا يحرض علماؤنا أهل السنة على القتال ؟!
وربما سيلومنا البعض على هذا الطرح ويعتبرنا قد تجاوزنا حدود الادب مع العلماء !!!
وربما سنسمع من البعض العبارة المعتادة ” لحوم العلماء مسمومة” ولهؤلاء نقول : ان لحوم علمائكم ليست أكثر سُمية من لحوم رجالنا ونسائنا وشيوخنا وأطفالنا التي تشوى بشكل يومي وليست أكثر سُمية من أعراضنا التي تنتهك ، وعلماؤكم ليسوا أكثر قدسية من مساجدنا التي تهدم . ولعلنا بطرحنا هذا نكون ناصحين امناء للعلماء وهذا خير لهم من نفاق المنافقين وبطانة السوء .
وكي لا يشغب علينا أحد لا بد أن نذكر بأمر مهم يعلمه الجميع ولكن يتعمد الكثيرون اغفاله وهو ان الامر في العراق لم يعد متعلقاً بتنظيم الدولة فمصير سنة العراق ارتبط بهذا التنظيم شئنا أم أبينا والاصرار على تصوير الصراع السني الشيعي الكردي في العراق على أنه صراع بين تنظيم الدولة والحكومة العراقية والاكراد يعني الاصرار على حجب الحقيقة عن الناس والاصرار على ذبح أهل السنة وتهجيرهم واذلالهم .
يجب أن نتعامل مع الواقع كما هو وننظر الى مصلحة اهل السنة بعيداً عن مجاملات البعض ونفاقياتهم ، ومهما كان رأي المسلمين في العالم بتنظيم الدولة فنحن في العراق لا نملك من يدافع عنا سوى هذا التنظيم اتفقنا معه أو اختلفنا فقد أصبح هو الخيار الوحيد أمام سنة العراق .
الجميع يدرك حقيقة أن تنظيم الدولة هو الوحيد القادر على الدفاع عن سنة العراق والتصدي للمشروع الصفوي والمشروع الكردي الذي قضم الكثير من أراضي العرب السنة في الموصل وديالى وكركوك لكن ينكرون هذه الحقيقة بسبب مشروع التنظيم العابر للحدود الذي يشكل خطراً كبيراً على حكام المنطقة وعلى مشاريع الاحزاب الاسلامية والعلمانية ولذلك نرى هؤلاء الحكام يدعمون المشروع الصفوي والمليشيات الشيعية في العراق ضد سنة العراق
وكذلك نرى بعض اهل السنة في بعض البلدان الاسلامية يتمنون انكسار تنظيم الدولة في العراق رغم انهم يعرفون أن ذلك سيعني نهاية سنة العراق بسبب مخاوفهم من أن يشكل التنظيم خطراً على امنهم.
وبما ان الجميع ( حكومات وأحزاباً وأفرادا ) ينظرون الى مصالحهم فمن حق سنة العراق أن ينظروا الى مصلحتهم أيضا ومصلحتهم أصبحت مع تنظيم الدولة ،ولا يعنينا نحن سنة العراق ان كان التنظيم يشكل خطراً على حكام المنطقة أو على الاحزاب السياسية أو على عملاء أهل السنة الذين ربطوا مصيرهم ومصالحهم بأمريكا وأوربا .
ان مصير الاصناف الثلاثة ( الحكام والاحزاب والعملاء) لا يعنينا فلن يبقى سنة العراق يقدمون دمائهم وأعراضهم قرابين على مذابح هؤلاء السفلة الذين تاجروا بقضيتنا ولم يرقبوا فينا الاً ولا ذمة ، فليذهب هؤلاء وعروشهم ومصالحهم وأحزابهم الى الجحيم ، فدعوا عنكم بنيات الطريق وواجهوا المشكلة على حقيقتها .
والى الذين سوف يلوموننا على ما ذكرناه ، نقول لهم بأن الواجب الديني والاخلاقي تجاه أهلنا أهل السنة يُحتًّم علينا أن نطرح الأمور كما هي ونقول الحقيقة بلا تزييف ونسمي الأمور بسمياتها ولا نجامل على حساب دماء اهلنا عسى أن يتوقف نزيف الدم والذل والهوان الذي يعيشه أهل السنة .
أقلي اللوم عاذلَ والعتابا **** وقولي إن أصبتُ لقد أصابا
عبيدة عامر الدليمي

السبت، 7 نوفمبر 2015

وإن ضرب ظهرك
أحمد طه
يخدع "الأئمة المضلون" - كهنة الطواغيت - المسلمين، بقولهم: "عليكم طاعة ولاة الأمور"، كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: "وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك" وهو حديث صحيح في كتاب "صحيح مسلم" ويقولون لهم: "لا تسمعوا لدعاة الفتنة والضلالة" ! وعندما يعترض البعض بقول قاله أحد يُفسر الحديث، يقولون لهم: "نقول لكم قال رسول الله"، وتقولون لنا: "قال فلان وعلان" ؟!! عليك بطاعة أولي الأمر ! وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك.. كما أمر رسول الله !!.

فيقع المسلم في حيرة، أحقاً هو كذلك ؟! أهذا هو الحق والعدل ؟!
ويبلغ الأمر مبلغه من الضلال والفتنة، عند تكرار الحديث هكذا - بلا بيان - فيُعبِدون المسلمين لـ "نظم الطغاة والطواغيت" باسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما فعلهم هذا إلا كفعل الأحبار والرهبان الذين حرّفوا الكلِم عن مواضعه، واشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً - تشابهت قلوبهم - واتبعوا سنن أهل الكتاب.
فما هي قصة هذا الحديث ؟ وكيف نفهم "اطع، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك" ؟!
جاء في صحيح مسلم: " عَنْ أَبِي سَلَّامٍ، قَالَ: قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ: " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ فَجَاءَ اللَّهُ بِخَيْرٍ فَنَحْنُ فِيهِ، فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ؟، قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ؟، قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: كَيْفَ؟، قَالَ: يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ، وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ، قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟، قَالَ: تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ " [صحيح مسلم / 1849]
وحديث حذيفة - رضي الله عنه - هذا حديث مشهور موجود في كتب السنة، وقد رواه البخاري برواية أخرى: " كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ، قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ، قَالَ: نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ، قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ، قَالَ: قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ، قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ، قَالَ: نَعَمْ دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا، فَقَالَ: هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا، قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ، قَالَ: تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ، قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ، قَالَ: فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ " [صحيح البخاري / 3606]
ووجه الاستشكال - في حديث حذيفة - في الجزء الخاص بـ "الأئمة" ماذا يفعل حيالهم ؟
ففي حديث رواية مسلم: "أئمة لا يهتدون بهداي" وفي حديث رواية البخاري: "دعاة على أبواب جهنم" والمعنى في نظم رواية الحديثين واحد، ومتقارب، وهو: أن الأئمة الذي لا يهتدون بهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - هم كذلك "دعاة على أبواب جهنم".
فهل حقاً يأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نسمع ونطيع لـ "أئمة مضلون لا يهتدون بهديه، ولا يستنون بسنته، قلوبهم قلوب الشياطين"، حتى وإن ضرب هؤلاء المضلون الشياطين ظهورنا وأخذوا أموالنا؟!
حاشا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يأمرنا أن نسمع ونطيع لـ "أئمة مضلون لا يهتدون بهديه، ولا يستنون بسنته، قلوبهم قلوب الشياطين"، فهي بديهية إيمانية، لا تحتاج إلى برهان.. ولكن الذين في قلوبهم مرض، الذين يبتغون الفتنة، ويبتغون تحريف الكلِم يُوهمون المسلمين أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر بذلك !!.
إذن، ما تفسير قوله: ": تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ ؟
قال تسمع وتطيع لـ (الأمير) وليس لـ (الأئمة الذين لا يهتدون بهديه، الذين هم الدعاة على أبواب جهنم).
ومن هو هذا الأمير ؟
يُفسر "الأمير" الأحاديث التي رُويت من طرق أخرى، وأوضح وأبين في المعنى:
ففي حديث حذيفة: "إِنَّ النَّاسَ كَانُوا يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ، قَالَ: قُلْتُ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ هَذَا الْخَيْرَ الَّذِي أَعْطَانَا اللَّهُ، يَكُونُ بَعْدَهُ شَرٌّ كَمَا كَانَ قَبْلَهُ؟ قَالَ: " نَعَمْ "، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا الْعِصْمَةُ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: " السَّيْفُ "، قُلْتُ: وَهَلْ لِلسَّيْفِ مِنْ بَقِيَّةٍ؟ قَالَ: " نَعَمْ "، قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: " ثُمَّ هُدْنَةٌ عَلَى دَخَنٍ، قَالَ: جَمَاعَةٌ عَلَى فِرْقَةٍ، فَإِنْ كَانَ لِلَّهِ يَوْمَئِذٍ خَلِيفَةٌ، ضَرَبَ ظَهْرَكَ وَأَخَذَ مَالَكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ، وَإِلا فَمُتْ عَاضًّا بِجِذْلِ شَجَرَةٍ" [المستدرك على الصحيحين / 4 : 427]
وفي رواية أخرى: "سَيَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لا يَهْتَدُونَ بِهَدْيِ، وَلا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ رِجَالٍ فِي جُثْمَانِ إِنْسَانٍ "، فَقُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: " تَسْمَعُ لِلأَمِيرِ الأَعْظَمِ، وَإِنْ ضَرَبَ ظَهْرَكَ، وَأَخَذَ مَالَكَ" [المستدرك على الصحيحين / 4 : 495]
وفي رواية أخرى: "وَكَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْخَيْرِ، وَأَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ كَمَا كَانَ قَبْلَهُ شَرٌّ؟ قَالَ: " نَعَمْ "، قُلْتُ: فَمَا الْعِصْمَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: " السَّيْفُ "، قُلْتُ: فَهَلْ لِلسَّيْفِ مِنْ بَقِيَّةٍ؟ فَمَا يَكُونُ بَعْدَهُ؟ قَالَ: " تَكُونُ هُدْنَةٌ عَلَى دَخَنٍ"، قَالَ: قُلْتُ: فَمَا يَكُونُ بَعْدَ الْهُدْنَةِ؟ قَالَ: " دُعَاةُ الضَّلالَةِ، فَإِنْ رَأَيْتَ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ  فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً، فَالْزَمْهُ، وَإِنْ ضَرَبَ ظَهْرَكَ وَأَخَذَ مَالَكَ، وَإِنْ لَمْ تَرَ خَلِيفَةً، فَاهْرُبْ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَاضٌّ عَلَى جِذْلِ شَجَرَةٍ " [ مسند أبي داود / 444]
وفي رواية أخرى: "عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا الْعِصْمَةُ مِنْ ذَلِكَ؟، وَذَكَرَ دُعَاةَ الضَّلالَةِ، فَقَالَ: " إِنْ لَقِيتَ لِلَّهِ يَوْمَئِذٍ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَالْزَمْهُ، وَإِنْ ضَرَبَ ظَهْرَكَ، وَأَخَذَ مَالَكَ، وَإِلا فَاهْرُبْ فِي الأَرْضِ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَاضٌّ عَلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ " [ الفتن لنعيم بن حماد /356]
فتبين أن "الأمير" في الروايات السابقة هو: "خليفة لله في الأرض" وليس هو "الأئمة المضلون" ! وهذا هو الذي أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بطاعته، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك .
وخليفة لله في الأرض، يقوم بدين الله وشرعه، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، لا يمكن له أن يضرب الظهور - بغير وجه حق - ولا أن يأخذ المال بلا مستند من دليل شرعي، إنما هو يقوم بالحق والعدل، فهذا معنى خلافته.. ويُمكن أن يُفهم من قوله "وإن  ضَرب ظهرك، وأَخذ مالك" على أنه "مبالغة وتوكيد" على طاعته، لأن وجوده في مثل هذه الفتن أمر عظيم له شأنه.
وحديث رواية مسلم فيه: "وإن ضُرب، وإن أُخذ" أي: فعل مبني للمجهول،  فليس الذي يَضرب هو "الأمير" بل يُفهم منه: أنه يَتبع الأمير، وإن ضُرب وأُخذ ماله.. بسبب اتباعه له، ومخالفة "الأئمة المضلين".. ولذا تكررت كلمة "تسمع وتطيع" مرتين في جملة واحدة: "تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ " فكأن تقدير الكلام: تسمع وتطيع للأمير المجاهد الذي يواجه أئمة الضلال، فإن وقع عليك أذى من الظالمين - الذين قلوبهم قلوب الشياطين - فلا يمنعنك هذا الأذى والعسر من طاعة الأمير، بل تسمع وتطيع له.. وذلك ما يوضحه حديث: "بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةً عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ " [صحيح البخاري / 7056]
ولكن.. دعونا نعتبر أن المقصد من "وإن ضَرب ظهرك، وأَخذ مالك" هو على الحقيقة لا المجاز ؛
فنقول: إن وجود خليفة أو أمير أو أمير أعظم - كما تنوعت الروايات في ذلك - يجاهد "الأئمة المضلون" - الذين لا يهتدون بهدي النبي "قلوبهم قلوب الشياطين" الدعاة على أبواب جهنم - لهو خير عظيم يعصم الأمة من الفتن المُضلة، وقيامه بالكتاب والسنة والجهاد يعطيه شرعية "الطاعة والولاية" ولكن قد وقع ظلم من هذا الخليفة أو الأمير على ( فرد ) من الأمة، فضرب ظهره.. وأخذ ماله، فالمطلوب من هذا الفرد، هو الصبر، ولا يخرج على الخليفة أو الأمير لمجرد الظلم الشخصي الواقع عليه، بل يصبر ويحافظ على الوحدة السياسية للمسلمين،  و(يُنكر) الظلم بالحسنى، فهذا معنى "الطاعة مع وقوع الظلم عليه".
*   *   * 
وأما في حالة رؤية "الكفر البواح" تسقط شرعية النظام الحاكم كاملة، حتى ولو كان الحاكم نفسه من أتقى الأتقياء، فالعبرة بالنظام وليس مجرد حال شخص فيه.. وتبدأ الأمة - بكل مكوناتها - في "منازعة" السلطة الحاكمة - النظام السياسي القائم - بدءاً من النصيحة وانتهاءً بالسيف.. فتبدأ بالنصح والبيان، واجتماع العلماء على إنكار المنكر، فإن لم يُفلح تقدم الأشخاص المسؤولون عن هذا الكفر البواح إلى المحاكمة الشرعية، لاستبيان الأمر، وطلب الاستتابة والرجوع إلى الحق وشرع الله، فإن تجاوزوا المحكمة الشرعية المستقلة، ولم ينصاعوا ويخضعوا لها.. تم حشد الأمة في ثورة عامة لإنكار المنكر، وإزالة الكفر البواح.. باسم الله، ابتغاء مرضاة الله، تحت راية الله، فإن لم تفلح، تم إعلان الجهاد العام ضد هذا الكفر البواح، وإسقاط النظام، وتصحيح منظومة الحكم.. وإعطاء الشرعية فقط لمن يقوم بكتاب الله.
وفي حالة وقوع الظلم العام - ما هو دون الكفر البواح - فهو بين النصيحة، وإنكار المنكر، والمحاكمة، وإسقاط الشرعية، حتى الثورة التي لا تَستحل الدماء، فلا تُسل السيوف إلا بوجود كفر بواح.. فهو الفتنة، والفتنة أكبر من القتل.
وولاة الأمر : هم من يطيع الله، ويطيع رسوله، ويتبع الكتاب والسنة، ويكونوا "منكم" أي: من المسلمين الطائعين لله وروسوله - فهذا شرط ولايتهم علينا - فإذا حادوا عن هذا الطريق فليسوا منا، وليسوا ولاة أمور.. كما قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } [النساء : 59]
وأهل البدع والفتن يطيرون بأخذ هذا الجزء من حديث رواية مسلم - بلا بيان وتوضيح - ويضربون عن ذكر بقية الأحاديث، حتى يُقدموا صورة مشوهة، خادعة للمسلمين، تجعلهم قطيع طيع في يد الطغاة والطواغيت، فهناك أحاديث لا يذكرونها مثل:
* "لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةٍ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ" [صحيح البخاري / 7257]  في مناسبة حادثة الأنصاري الذي أوقد ناراً وقال لأتباعه أمركم رسول الله بطاعتي فادخلوا هذه النار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا أَبَدًا" [صحيح البخاري/7145]
* "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ مُجَدَّعٌ مَا أَقَامَ فِيكُمْ كِتَابَ اللَّهِ" [مسند أحمد / 16213]
* " خُذُوا الْعَطَاءَ مَا دَامَ عَطَاءً، فَإِذَا صَارَ رِشْوَةً فِي الدِّينِ فَلا تَأْخُذُوهُ، وَلَسْتُمْ بِتَارِكِيهِ، يَمْنَعُكُمُ الْفَقْرَ وَالْحَاجَةَ، أَلا إِنَّ رَحَى الإِسْلامِ دَائِرَةٌ، فَدُورُوا مَعَ الْكِتَابِ حَيْثُ دَارَ، أَلا إِنَّ الْكِتَابَ وَالسُّلْطَانَ سَيَفْتَرِقَانِ، فَلا تُفَارِقُوا الْكِتَابَ، أَلا إِنَّهُ سَيَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يَقْضُونَ لأَنْفُسِهِمْ مَا لا يَقْضُونَ لَكُمْ، إِنْ عَصَيْتُمُوهُمْ قَتَلُوكُمْ، وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ أَضَلُّوكُمْ "، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ نَصْنَعُ؟ قَالَ: " كَمَا صَنَعَ أَصْحَابُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، نُشِرُوا بِالْمَنَاشِيرِ، وَحُمِلُوا عَلَى الْخَشَبِ، مَوْتٌ فِي طَاعَةِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ حَيَاةٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ " [المعجم الكبير للطبراني / 172]
* "أُعِيذُكَ بِاللَّهِ يَا كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ مِنْ أُمَرَاءَ يَكُونُونَ مِنْ بَعْدِي، فَمَنْ غَشِيَ أَبْوَابَهُمْ فَصَدَّقَهُمْ فِي كَذِبِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ وَلَا يَرِدُ عَلَيَّ الْحَوْضَ، وَمَنْ غَشِيَ أَبْوَابَهُمْ أَوْ لَمْ يَغْشَ فَلَمْ يُصَدِّقْهُمْ فِي كَذِبِهِمْ وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ وَسَيَرِدُ عَلَيَّ الْحَوْضَ " [جامع الترمذي / 614]"
* "مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي، إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ، وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ، يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ، حَبَّةُ خَرْدَلٍ" [صحيح مسلم/52]
فلا ينخدع المسلم في دعوة "كهنة الطغاة" فهم الأئمة المضلون. وهم أوسع أبواب هلاك الأمة.. والإسلام دين الحق والعدل والكمال والجمال، لا يُشرعن - حاشاه - لظلم أو فسق أو كفر، أو استبداد، أو لـ "مُلوك وجبابرة وطواغيت"، وهي بديهية لولا الكهنة التي تُعبد الناس للجبابرة..
وإن طريق النجاة أمام هؤلاء الطغاة والطواغيت والجبابرة هو "السيف" وجهادهم باليد، فمن عجز جهادهم بـ "اللسان" وبيان قول الحق فيهم، فمن عجز فليس أمامه من سبيل سوى "إنكار القلب" وعدم تصديقهم في كذبهم، وعدم إعانتهم على ظلمهم، وليس وراء ذلك مثقال من حبة خردل من إيمان.