الأحد، 23 أبريل 2023

الجهاد الافغاني بين غلو التقديس وغلو التخوين

حقائق غائبة  


الفصل التاسع والعشرون

بداية النهاية

لقد انتهى العقد الأول من الحرب دون أية نتائج تستحق الذكر. وكما أسلفنا فقد وصل باراك أوباما إلى البيت الأبيض وبدأ رئاسته بإرسال تعزيزات جديدة من قواته إلى أفغانستان مع تكثيف العمليات العسكرية والاستخبارية هناك وهذا ما فسره البعض بأنه البداية لإنهاء الحرب مثلما فعله الأمريكيون في حرب فيتنام في ستينات وسبعينات القرن الماضي حيث كثفوا امن وحشيتهم في تلك الحرب عندما بدأوا التفاوض باريس مع فيتنام الشمالية وثوار الفيتكونغ الذين كانوا يقاتلون الأمريكيين وذلك في عام ١٩٦٨ أي قبل الانسحاب  بسبع سنوات وقد بدأ حلفاء الأمريكيين بالتململ من تلك الحرب والتي دخلوها بحماس شديد في البداية ولكن مع استمرار المعارك دون أية نتيجة تذكر بدأ حلفاء الأمريكيين يفكرون بالتفاوض مع طالبان وكان الألمان أول من  بدأ تلك المفاوضات والتي كانت غير مباشرة وذلك منذ منتصف العقد الأول من هذا القرن

وعلى أية حال فقد أصبح الأمريكيون مقتنعين باستحالة الحسم العسكري في تلك الحرب التي بدؤوها عام ٢٠٠١ ولا مفر من الانسحاب من المستنقع الأفغاني بعد أن أيقنوا أن تلك البلاد عصية على الاحتلال

بدأت المفاوضات بشكل رسمي عام ٢٠١١ والتي أفضت إلى تبادل الأسرى حيث كان لدى حركة طالبان جندي أمريكي أفرج عنه مقابل خمسة من قادة الحركة الذين كانوا في سجن غوانتانامو  وهنا حققت طالبان أول انتصار سياسي لها حيث أجبرت الأمريكيين على الاعتراف بها كما سمحوا للحركة بفتح مكتب لها في الدوحة حيث أن قطر كانت تلعب دور الوسيط في تلك المفاوضات وذلك ضمن الدور الوظيفي المناط بها والذي أشرنا إليه سابقا والذي يتلخص بالبقاء في المنطقة الرمادية لتؤدي أدوارا محددة لا تقدر على أدائها الأنظمة الأخرى التي تجاهر بعمالتها للأمريكيين

على أية حال استمرت المفاوضات بعد ذلك على فترات متقطعة وبدأ الأمريكيون بتخفيض وجودهم العسكري في أفغانستان في منتصف العقد لثاني من القرن وذلك بسبب التحديات الجديدة الناشئة عن ثورات الربيع العربي وظهور تيار الجهاد العالمي بقوة في الساحة الإسلامية ووصول دونالد  ترامب إلى سدة الحكم نهاية عام ٢٠١٦ وتعهد بإنهاء الحرب في أفغانستان وإعادة الجنود الأمريكيين إلى بلدهم لذلك تواصلت المفاوضات في الدوحة وفي باكستان وحتى في كابل حيث وقع غلب الدين حكمتيار  زعيم الحزب الإسلامي والذي كان متحالفا مع طالبان اتفاقا للسلام مع الحكومة العميلة عام ٢٠١٨ أما حركة طالبان فواصلت جهادها للأمريكيين وعملائهم حيث تم توقيع الاتفاق النهائي يوم ٢٩ شباط عام ٢٠٢٠ والذي ينص على انسحاب جميع القوات الأمريكية من أفغانستان خلال عام ونصف على ألا تتعرض طالبان للقوات المنسحبة والا تكون افغانستان منطلقا للتنظيمات الارهابية" مثل تنظيم القاعدة وولاية خراسان "داعش" 

وبالفعل واصل الأمريكيون انسحابهم بينما واصلت حركة طالبان توسعها داخل الجغرافية الأفغانية وسارعت للسيطرة على جميع الولايات الحدودية لتمنع وجود أية جيوب للحركات المناوئة لها والتي يمكن أن تجد دعما لها من دول الجوار خاصة إيران النفاق وجمهوريات آسيا الوسطى (طاجيكستان وأوزبكستان وتركمنستان)

حيث أن لهذه الدول امتدادات عرقية وطائفية داخل أفغانستان وسبق لها أن ساعدت الحركات المناوئة لطالبان في تسعينات القرن الماضي وخاصة إيران النفاق التي لا تخفي عداءها لكل ما يمت لأمة الإسلام بصلة

وفي يوم ١٥ آب من عام ٢٠٢١ دخلت طالبان إلى القصر الرئاسي في كابل مما أربك الأمريكيين الذين راحوا يعجلون بانسحابهم من كابل والذي أعاد للذاكرة انسحابهم المذل من مدينة سايغون (عاصمة فيتنام الجنوبية)ربيع عام١٩٧٥

فراحوا يدمرون معداتهم التي لم يستطيعوا نقلها كما حملوا جنودهم وكبار عملائهم وأبقوا على صغارهم والذين راح بعضهم يتعلق بالطائرات الأمريكية في منظر غاية في البؤس

وهكذا أتم الأمريكيون انسحابهم يوم ٣١ آب ٢٠٢١

لتفتح أفغانستان صفحة جديدة من تاريخها

أما عن الدروس المستفادة من هذه التجربة ومستقبلها فهذا ما سنتناوله في الحلقة القادمة إن شاء  الله تعالى


2023-04-23
كاتب من بيت المقدس