الاثنين، 31 مايو 2021

الجهاد الافغاني بين غلو التقديس وغلو التخوين

حقائق غائبة

الفصل الحادي والعشرون
أحداث الحادي عشر من أيلول ٢٠٠١
الجزء الأول

لم يكن يوم الثلاثاء الحادي عشر من أيلول من عام ٢٠٠١ يوما عاديا بل كان يوما تاريخيا بامتياز حيث تعرضت فيه أمريكا لأول مرة في تاريخها لأن تضرب في عقر دارها وفي أهم رموزها التي تدل على العلو في الأرض(مبنى التجارة العالمية ومبنى البنتاغون)

وقبل الحديث عن تأثير ذلك الحدث على أفغانستان لابد لنا من التوقف قليلا عند هذا الموضوع وبغض النظر عن موقفنا مما حدث فنحن هنا بصدد التوصيف والتحليل وبالطبع لا يستطيع الإنسان أن يكون محايدا في مثل هذه المسائل إذ لكل إنسان رؤيته وموقفه النابع من خلفيته وولاءاته وانتماءاته العقدية والفكرية وتركيبته العقلية والنفسية ومستوى تعليمه ومدى وعيه وادراكه لما يدور حوله من أحداث ومهما يكن من أمر  فإن المطلوب أن يكون المرء عادلا

 لقد تناقضت كثيرا التحليلات وتضاربت المعلومات حول ماجرى فالامريكيون بادروا منذ اللحظة الأولى لتوجيه الاتهام نحو الفاعلين الحقيقيين لما لديهم من أدلة لم يفصحوا عنها لأسباب قد نتطرق لبعضها لاحقا

وهنا لابد لنا أن نشير إلى أن التكتم والخداع والتضليل صفات ملازمة لجميع أجهزة الأمن والمخابرات في العالم أما لعدم معرفة ملابسات الحدث أولضرورات التحقيق وبالتالي تضليل الخصوم ومنعهم من الاستفادة من أية معلومات يتم الافصاح عنها لذا يكون الغموض  وشحة بل تناقض المعلومات التي تفصح عنها تلك الأجهزة في مثل هذه الأحداث هو الأمر الغالب مما يتيح هامشا واسعا لترويج الاشاعات كما يتيح لاصحاب نظرية المؤامرة  للاغراق في تحليلاتهم وخيالاتهم والتي تصب بعيدا عن الحقيقة

ولو استعرضنا سريعا بعض الآراء المطروحة حول هذا الحدث في حينها وحتى يومنا هذا نرى مايلي

فأصحاب نظرية المؤامرة والذين يرون أن ماجرى ليس إلا مؤامرة مفتعلة من قبل الأمريكيين ليبرروا احتلالهم لأفغانستان والعراق بعد ذلك وينسى هؤلاء أن ذلك الحدث قد جرح كرامة الأمريكيين بل والعالم الغربي برمته جرحا عميقا لا يندمل حتى لواستعملوا أسلحتهم النووية ضد المسلمين كما يقول الدكتور أكرم حجازي ويكفي أن نتذكر منظر جورج بوش الإبن وهو يقف باكيا أمام أنقاض برجي التجارة العالمية في نيويورك لنعرف حجم الاهانة التي تعرضت لها أمريكا في ذلك اليوم وهذا وحده كافيا لنسف هذا التفسير من جذوره

وذهب آخرون لاتهام الموساد الإسرائيلي والقوى الخفية التي تتحكم في هذا العالم ومازال أصحاب هذه التفسيرات الخرافية ماضون في تفسيراتهم لكل ماجرى بعد ذلك مثل تفجيرات جزيرة بالي في اندونيسيا نهاية عام ٢٠٠٢ وتفجيرات مدريد يوم ١١ اذار عام ٢٠٠٤ والتي وقعت قبيل الانتخابات في اسبانيا وكانت تهدف لاسقاط رئيس وزرائها في تلك الانتخابات لأنه وقف مع الأمريكيين في احتلال العراق عام ٢٠٠٣ وأغرب ماقرأته في دورية رسالة الاخوان اتهامهم للقوى الخفية بتنفيذ تلك التفجيرات ثم التساؤل كيف فات "القوى الخفية" أن تلك التفجيرات يمكن أن تؤدي لاسقاط  رئيس وزراء اسبانيا في تلك الأثناء خوسيه ماريا أزنار(الذي وقف مع بوش الابن بغزوه العراق عام ٢٠٠٣)في تلك الاننخابات !!!!!أي أن القوى الخفية قد أخطأت التقدير في هذه المرة فكانت النتيجة عكسية فكيف فاتهم ذلك !!!!!!!!! ز

 ومازال أصحاب هذه التفسيرات المفرطة في السطحية والخرافة يتصدرون  المشهد عندنا وماضون في تفسير كل مايجري حولنا من أحداث بهذه الطريقة التي تعمق حالة تغييب الوعي عند قطاع واسع من أبناء أمتنا ممن يتلقى معلوماته مما تبثه وسائل الاعلام ومما ينشر في مواقع التواصل الإجتماعي من خرافات وترهات تهدف أولا وأخيرا لتغييب الوعي عند أمتنا وتكريس حالة الضبابية والغثائية وظهر هؤلاء أخيرا بشكل واضح هذه الأيام مع انتشار جائحة الكورونا ليقدموا تفسيراتهم الخرافية

وأما المنهزمون من المسلمين فقد كانت حجتهم أنه ليس بمقدور أية جهة من المسلمين تنفيذ عمل بهذا الحجم وبذلك التخطيط الذي لم يخطر على بال أحد من قبل بل إن كمال الهلباوي قد قال وبالحرف الواحد إن الدول العربية مجتمعة لايمكنها تنفيذ هذا العمل(وهذا صحيح إذا تعلق الأمر بالحكومات) وامامحمد حسنين هيكل فقد اتهم الصرب بسبب مهاجمة حلف الناتو لصربيا عام ١٩٩٩ مما أدى لاستقلال اقليم كوسوفو عن صربيا أما لماذا لم يشر حسنين هيكل للفاعلين الحقيقيين فهذا يعود لخلفيته الفكرية التي لاتقيم وزنا للاسلام والمسلمين لذلك كانت تحليلاته في غاية السطحية إذا تعلق الأمر بالاسلام أو المسلمين

وفي الجهة المقابلة شاهدنا الحكومات العربية وإعلامييها يسارعون لنفي أية علاقة للعرب بذلك الحدث خوفا من بطش سيدهم في البيت الأببض بل سارعوا لتقديم مراسيم الولاء والطاعة قبل أن يشن الأمريكيون حربهم على أفغانستان

وأما الرافضة ومن يدور في فلكهم فقد بادروا لتقديم التحليلات التي تنفي علاقة الفاعلين الحقيقيين بذلك الحدث(من خلال قناة المنار الناطقة باسم حزب اللات) لأن ذلك يؤدي لخطف الأنظار نحو جهة معادية لهم لأنهم قد تصدروا المشهد الإعلامي بعد انسحاب اليهود من جنوب لبنان عام ٢٠٠٠ مما أكسبهم هالة من البطولة عند قطاع كبير من أبناء أمتنا حتى عند قطاع كبير ممن يتصدر المشهد في ساحة العمل الإسلامي لذلك نراهم ينزعجون من أي جهة إسلامية تتصدى لمواجهة أمريكا وربيبتها(الكيان اليهودي) لذا كانوا ومازالوا حريصين على أن يقدموا أنفسهم كعدو لدود"للشيطان الأكبر"وربيبته وبالتالي فلن يقبلوا أن تظهر أية جهة سنية تتبنى عملا جادا ضد أمريكا لأن ذلك سيكشف نفاقهم ودجلهم

وهنا لابد ان نشير إلى أن المحللين كانوا يستندون إلى نفي الفاعلين صلتهم بتلك العملية إضافة لشح وتنافض المعلومات الذي أشرنا إليه وهذا أدى لتبني بعض المفكرين المسلمين تفسيرات بعيدة عن الحقيقة تراجعوا عنها بعد ذلك

وعلى أية حال مهما كانت الجعجعات الإعلامية التي أبعدت التهمة عن الفاعلين الحقيقيين فإن ذلك لم يغير من موقف الأمريكيين قيد أنملة وأصروا على موقفهم بتوجيه أصابع الاتهام نحو الفاعلين الحقيقيين كما حزموا أمرهم على معاقبتهم وهكذا سارت الأمور في هذا الاتجاه وهذا ماسنتحدث عنه في الفصل القادم إن شاء الله


2021-05-31
كاتب من بيت المقدس