الأربعاء، 9 يونيو 2021

الجهاد الافغاني بين غلو التقديس وغلو التخوين

حقائق غائبة 


الفصل الحادي والعشرون
الجزء الثاني

تداعيات أحداث الحادي عشر من أيلول

كما ذكرنا فيما سبق قد حزم الأمريكيون أمرهم على معاقبة الفاعلين الحقيقين ولكي نعرف كيف ولماذا فعلوا ذلك وتأثير ذلك على أفغانستان لابد لنا من التعريج على تداعيات ذلك الحدث على الأمريكيين ومعهم العالم الغربي أولا ثم المسلمين ثانيا وأخيرا على بقية دول العالم ثالثا

فالأمريكان تعرضوا لإهانة كبيرة تفوق هزيمتهم المخزية في حرب فيتنام وقل مثل ذلك عن العالم الغربي الذي تقوده أمريكا خاصة وأن ذلك الحدث قد وقع في وقت كان فيه هؤلاء( العالم الغربي بقيادة أمريكا)  يعيشون نشوة انتصارهم في حرب الخليج الثانية وسقوط الاتحاد السوفييتي وانتصارهم في الحرب الباردة عام ١٩٩١ كما وصل في ذلك الوقت (نهاية عام ٢٠٠٠)إلى البيت الأبيض جورج بوش الابن الذي ينتمي للجناح الأكثر إجراما في الحزب الجمهوري و يتبنى سياسة مفرطة في العداء للمسلمين بصورة فجة وفي غاية الوقاحة والغطرسة بعكس الحزب الديموقراطي الذي يتبنى سياسة أقل فجاجة لكنها تتصف بالخبث والدهاء

وعلى أية حال كان الساسة الأمريكيون على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم الحزبية يتصرفون بمنتهى الصلافة والتجبر بتعاملاتهم مع الآخرين وخاصة المسلمين وقد شاهد العالم أجمع مندوبة أمريكا في الأمم المتحدة مادلين أولبرايت والتي صارت فيما بعد وزيرة للخارجية(وهي يهودية من الحزب الديموقراطي) كيف كانت تتكلم بمنتهى الغطرسة والعنجهية عند مناقشة المواضيع التي تخص المسلمين في مجلس الأمن كالحصار الجائر على العراق في تسعينات القرن الماضي

جاءت أحداث أيلول في هذه الأجواء المشحونة بكل معاني التجبر والعلو في الأرض مع وجود أكثر الساسة إجراما في سدة الحكم خاصة وأن تأثيرات ذلك الحدث لم تقتصر على

الخسارة البشرية(أكثر من ثلاثة آلاف قتيل في يوم واحد) وكذلك الخسارة المعنوية الباهظة كما ذكرنا إضافة للخسائر المادية التي كانت أكثر فداحة وهي تعادل مجموع الخسائر الاقتصادية في الحرب العالمية الثانية إذ بلغت خسارة أمريكا في ذلك اليوم مبلغا قدره ٢ تريليون دولار (حسب محمد حسنين هيكل) نتيجة لانهيار البورصة والذي أدى بعد ذلك لانهيار عدد كبير من الشركات العملاقة مما ضاعف من الخسائر المادية

لذلك جاء رد فعل الأمريكيين عنيفا  باعلان "الحرب العالمية على الارهاب" وقال بوش كلمته المشهورة من ليس معنا فهو ضدنا خاصة بعد أن أخذت أمريكا تفويضا من" مجلس الأمن" بشن تلك الحرب والتي سماها بوش الابن بالحرب الصليبية ومن يجرؤ حينها أن يعترض على أمريكا "سيدة العالم" كما سماها بعض المنهزمين في ذلك الوقت

وهكذا بادرت كل دول  العالم لتقديم مراسم الطاعة والولاء للأمريكان ففتحت الدول الاسلامية(خاصة بلدان الجزيرة العربية وباكستان ومعهم تركيا وكذلك إيران النفاق) أراضيها وأجواءها ووضعت كل امكاناتها المادية والاستخبارية بل وسخرت وسائل الاعلام لصالح "الحرب على الارهاب" بل إن الأمريكيين ذهبوا لابعد من ذلك عندما طالبوا الدول الاسلامية بالعمل على تجفيف "منابع الارهاب" أي بتعبير  أدق محاربة كل مظاهر الإسلام فحوربت الجمعيات الخيرية وكل المؤسسات الدعوية وتم فصل عدد كبير من الدعاة من أعمالهم مع منعهم من القيام بأي نشاط كما اعتقل آخرون غيرهم بل ذهبت بعض الحكومات لأبعد من ذلك عندما عمدت لهدم ومهاجمة المساجد ارضاء للامريكان أوتنفيذا لأوامرهم كهدم مسجد الشيخ عبد الكريم حميد في بريدة عام ١٤٢٥ هجري ومهاجمة المسجد الأحمر في إسلام أباد عام ٢٠٠٧ كل ذلك كان على مستوى الحكومات أما الغالبية الساحقة من أبناء الأمة فكانوا في واد آخر حيث أظهروا فرحتهم وشماتتهم لما أصاب الأمريكان في ذلك اليوم بل ظهرت حالة من النشوة بعد عقد من الإذلال نتيجة حرب الخليج الثانية وتوقيع اتفاق العار في اوسلو بين الكيان اليهودي و"منظمة التحرير الفلسطينية" وما تلاها من اجهاض للانتفاصة الأولى وحصار العراق وأحداث الجزائر والتي تحدثنا عنها سابقا

إذا تنفس المسلمون الصعداء بعد عقد مليء بالمآسي والاحباط مع الإذلال والاهانة فوصل العداء والحقد والكره للامريكان ذروته مع وجود رغبة جامحة للانتقام منهم بأي وسيلة  ذلك عند قطاع كبير من العامة أما الذين يتصدرون المشهد فكانوا على النقيض من ذلك إذ راحوا يخذلون عن الأمريكيين بمختلف العبارات فراحوا يتحدثون عن تحريم قتل الأبرياء بل ذهب بعضهم لأبعد من ذلك عندما اعتبر من قتل في مبنى البنتاجون بأنهم من الأبرياء (يوسف القرضاوي في قناة الجزيرة) وكأن البنتاغون جمعية خيرية وينسى هؤلاء أويتناسون دور تلك المؤسسة ومعها دوائر الاستخبارات بما أصاب ويصيب المسلمين وغيرهم وعلى أية حال قد يقبل أكثر الناس كرها لأمريكا وصف قتلى الطائرات التي تم اختطافها وكذلك قتلى مبنى التجارة العالمية بالأبرياء أما قتلى البنتاغون فذلك أمر آخر

المهم بالأمر أن أولئك الناس لم يطرحوا السؤال المنطقي في مثل هذه الحالات عن دوافع المنفذين لذلك العمل ولماذا قبلوا التضحية بأنفسهم وغيرهم ؟؟؟؟؟ لماذا لم يهاجم الفاعلون دولة أخرى كاليابان مثلا؟؟؟؟؟  وذهب آخرون للتفسيرات الخرافية للحدث كما أسلفنا وهكذا سقط هؤلاء وأولئك وأثبتوا أن الزمن قد عفا على طروحاتهم وأن الواقع قد تجاوزهم وهكذا كانت هذه الحادثة سببا لتمحيص الصف الإسلامي فقد كان  التمحيص فيما مضى بين العلمانيين والإسلاميين وبعد هذه الحادثة بدأ التمحيص داخل الصف الإسلامي والذي سنشاهد له فصولا أخرى لاحقا أشد وضوحا للتمايز بين من يعمل للإسلام الذي ارتضاه الله لعباده ومن يسعى لتفصيل إسلام "معتدل " يرضى عنه الآخرون وسيظهر ذلك بصورة أكثر وضوحا فيما بعد وهذا ماسنتطرق إليه لاحقا

وهكذا وجدت الامارة الفتية في أفغانستان نفسها في مواجهة حكومات العالم دفعة واحدة يضاف إلى ذلك العدو الداخلي ممثلا بتحالف الشمال أو كما سماه أصحابه"بالجبهة الإسلامية المتحدة" والذين تضاعف حقدهم على حركة طالبان والمجاهدين العرب نتيجة لاغتيال أحمد مسعود شاه أكبر القادة العسكريين في ذلك التحالف في تلك الأثناء

فكيف تصرفت حركة طالبان أمام تلك الرياح العاتية التي تهز الجبال الراسيات

هذا ماسنتحدث عنه لاحقا إن شاء الله



2021-06-09
كاتب من بيت المقدس