الاثنين، 26 يوليو 2021

الجهاد الافغاني بين غلو التقديس وغلو التخوين

حقائق غائبة 

الفصل الثاني والعشرون
الجزء الأول
الغزو الصليبي لأفغانستان

وهكذا بدأ الغزو الصليبي لأفغانستان يوم السابع من شهر تشرين الأول عام ٢٠٠١ كما ذكرنا سابقا حيث نجح الأمريكيون بتشكيل تحالف يضم أربعين دولة وفي مقدمتهم أعضاء حلف شمال الأطلسي الذي ينص ميثاقه على مشاركة جميع أعضائه بالدفاع عن أي عضويتعرض لاعتداء خارجي

وقبل الحديث عن ذلك الغزو لابد لنا أن نشير إلى الحرب النفسية التي مارسها الأمريكيون في تلك الأثناء حيث لم تتوقف التهديدات بالحرب والقبض على الفاعلين ومن يأويهم وتقديمهم للمحاكمة فكان رد الملا عمر محمد(رحمه الله) إن الأمريكيين يستطيعون بدء الحرب ولكنهم لايملكون وقفها إنما سيجبرهم الأفغان على وقف الحرب والخروج من أفغانستان

وعندما بدأ الأمريكيون غاراتهم على أفغانستان قال الملا عمر محمد(رحمه الله) كلمته التي سيسجلها التاريخ إن الله سبحانه وتعالى وعدنا بالنصر ووعدنا بوش بالهزيمة ونحن نثق بوعد الله ولا نثق بوعد بوش وهذا ماحصل بعد ذلك كما سنرى لاحقا إن شاء الله

ثمة أمر آخر  لابد من الإشارة إليه وهو تحذير الكثيرين للإدارة الأمريكية من خطورة الوقوع في المستنقع الأفغاني حيث كانت أفغانستان عبر التاريخ مقبرة الغزاة وهذه من الحقائق الثابتة. ومن بين الذين حذروا الأمريكيين بعض كبار العسكريين الروس الذين شاركوا في الغزو الروسي في ثمانينيات القرن الماضي حتى أن بعضهم قال إن حرب فيتنام ستكون بمثابة نزهة مقارنة بما سيواجه الأمريكيين في أفغانستان حتى أن بعض المفكرين الأمريكيين وصف تأييد بعض الدول للأمريكيين بالنفاق السياسي الذي يهدف لجر الأمريكان إلى المستنقع الأفغاني فتفقد بذلك أمريكا هيبتها وسطوتها لكن الأمريكيين لم يكترثوا لكل ذلك للأسباب التي ذكرناها سابقا

ومهما يكن من أمر فسنتحدث عن هذا الموضوع بصورة مجملة مع التركيز على الحقائق المغيبة لأسباب سنذكرها في الخاتمة إن شاء الله

لقد فتحت كل الدول المحيطة بأفغانستان أجواءها للطائرات الأمريكية التي انطلقت من قاعدة أنجرليك التركية وكذلك من بلدان الجزيرة العربية وحاملات الطائرات في المحيط الهندي والخليج العربي لتعبر الأجواء الباكستانية والإيرانية فتلقي بحممها على الأراضي الأفغانية بصورة جنونية تعبر عن اللؤم والتجبر فقتل نتيجة ذلك آلاف الأطفال والنساء والشيوخ ولم يلتفت الأمريكيون لأي اعتبار فقصفوا كل مكان بما في ذلك العديد من المساجد أثناء أداء الصلوات بحجة وجود بعض قادة طالبان أوالقاعدة بين المصلين وكمثال على ذلك تدمير أحد المساجد في ولاية بكتيا أثناء أداء المسلمين صلاة التراويح بهدف قتل الملا جلال الدين حقاني (رحمه الله) والذي لم يكن موجودا حينها وبالطبع فإن مثل هذه العمليات كانت تتم بارشاد من الخونة الذين كانوا يلقون الشرائح الألكترونية التي توجه الطائرات الأمريكية إلى الأماكن المستهدفة ونتج عن ذلك نزوح مئات الآلاف من ديارهم إلى باكستان وإيران اللتان أغلقتا حدودهما في وجوههم كما مات الكثيرون نتيجة الجوع والمرض والبرد وقد أدانت بعض المنظمات الدولية تلك الجرائم وبالطبع لا تأثير لتلك الإدانات لما يجري على الأرض

لم يكتف الأمريكان بالغارات الجوية واستخدام الصواريخ بعيدة المدى بل أرسلوا وحدات عسكرية من القوات الخاصة والتي بدأت عملها بالتنسيق مع تحالف الشمال كما قاموا بالأعمال الاستخبارية بهدف شق صفوف حركة طالبان واستمالة بعض القبائل الأفغانية للعمل معهم ضد حكومة طالبان وبالطبع كان هذا العمل يتم بالتعاون مع المخابرات الباكستانية ومخابرات الدول العربية التي ساهمت في الحرب ضد الإتحاد السوفييتي في ثمانينيات القرن الماضي(بايعاز من الأمريكيين كما أسلفنا) وهنا لابد لنا من التوقف قليلا للحديث عن مواقف مختلف الأطراف في  افغانستان من الغزو الصليبي لبلادهم

فتحالف الشمال رحبوا بذلك الغزو حيث وجدوا فيه فرصتهم المناسبة لازاحة حكومة طالبان وبالتالي العودة إلى كابل بعد أن فشلوا فيما مضى رغم كل الدعم الذي تلقوه من مختلف الدول كما أسلفنا وقد أصر زعماؤهم على ذلك الموقف رغم مطالبة العديد من الزعامات الأفغانية بتناسي الخلافات الجانبية والتوحد لمواجهة الغزو الصليبي وكان من الذين طالبوا بذلك زعيم الحزب الإسلامي غلب الدين حكمتيار الذي كان موجودا في أيران حينها لكن جماعة التحالف لم يكترثوا بتلك الدعوات بل راحوا ينسقون مع الغزاة فسقطوا مرة أخرى بل وقعوا في أحد نواقض الإسلام عندما أعانوا الكفار على إخوانهم في العقيدة وبالطبع فنحن  لانتحدث هنا عن فلول الشيوعيين كعبد الرشيد دوستم والعلمانيين والرافضة الذين انخرطوا في ذلك التحالف فهم خارج الملة  ولكننا نعني المحسوبين على الإسلاميين وبالتحديد عبد رب الرسول سياف وبرهان الدين رباني وهما عضوان في التنظيم العالمي للإخوان المسلمين و بالطبع لم يصدر عن تلك الجماعة أية إدانة لذلك العمل الشنيع بل التزمت تلك الجماعة الصمت التام على تلك الخيانة(ماعدا مواقف بعض المحسوبين على الجماعة الذين أدانوا تلك الخيانة) بل إن مجلة رسالة الاخوان قد أثنت على سياف ورباني فيما بعد عندما حصدوا بعض الأصوات في الانتخابات الهزلية في أفغانستان بعد عدة سنوات من العزو الصليبي في وقت كان المسلمون منشغلون بقضية الأخت وفاء قسطنطين في مصر التي هداها الله إلى الإسلام واختطفتها الكنيسة القبطية هي وأخواتها فيما بعد ولم تتعرض تلك الجماعة للحديث عن هذه القضية حتى ولو من باب التلميح وهذا قرأته في تلك النشرة والتي كانت تصلني في تلك الأثناء

وأما حكمتيار فقد وقف ضد ذلك الغزو منذ اللحظة الأولى بل ذهب لأبعد من ذلك عندما سلم مجاهدي طالبان مستودعات الأسلحة التي يحتفظ بها حزبه داخل أفغانستان وكان بين تلك الأسلحة ١٢ صاروخا أمريكيا مضادا للطائرات من طراز ستيلنجر وقد أثنى الملا عمر محمد على ذلك الموقف المشرف في بيان أصدره في تلك الأثناء  وصف فيه حكمتيار بالمجاهد الكبير

وهكذا كانت أحداث الحادي عشر من أيلول بداية التمحيص داخل الصف الإسلامي  والتي توالت فصولها فيما بعد

أما حركة طالبان فقد بايع مجاهدوها الملا عمر على الجهاد حتى النصر أو الشهادة

أما كيف جرت المعارك داخل أفغانستان فهذا ماسنتحدث عنه في الفصول القادمة إن شاء الله



2021-07-26
كاتب من بيت المقدس


الخميس، 1 يوليو 2021

الجهاد الافغاني بين غلو التقديس وغلو التخوين

حقائق غائبة  


الفصل الحادي والعشرون
الجزء الثالث
الامارة الاسلامية تواجه امتحانا عسيرا

 لم تتوقف مؤمرات أعداء الإسلام لحظة واحدة منذ قيام إمارة أفغانستان الاسلامية حيث كانت الكثير من الدول تقدم كل أشكال الدعم لتحالف الشمال المعادي والذين ارتضوا التعاون مع مجوس الهند والصليبيين والرافضة اضافة لفلول الشيوعيين في الداخل كل ذلك كان يتم خلف الكواليس وحتى في العلن في معظم الأحيان وجاءت أحداث الحادي عشر لتجعل العالم كله يعلن عداءه الصريح للامارة الفتية ولينضم إلى صفوف الأعداء الذين كانوا يعترفون بالامارة الاسلامية ويقيمون معها علاقات دبلوماسية وتجارية مثل باكستان والامارات وقبل ذلك قطعت حكومة الرياض علاقاتها بافغانستان

على أية حال اجتمع مجلس الامن في اليوم التالي لتلك الأحداث واتخذ قرارا بالاجماع بادانة ذلك العمل وبضرورة معاقبة "الجناة"ومن يأويهم أويساعدهم وتم اتخاذ القرار وفق البند السابع من ميثاق "الأمم المتحدة" أي أن القرار يخول أمريكا حق استخدام القوة لتنفيذه وهكذا بدأت الضغوط تزداد على قيادة طالبان ولم يكن أمامهم سوى تسليم الفاعلين أومواجهة الحرب وهنا أثبت الملا عمر محمد (رحمه الله) أنه من أصحاب العزيمة إذ قال كلمته المشهورة إن ديننا لايسمح لنا بتسليم من التجأ إلينا من المسلمين إلى الكفار وهذه تعادل تنازلنا عن الصلاة أي بتعبير آخر أن هذا العمل يعني الخروج من ملة الإسلام عندها وفي يوم ٢٠ أيلول اجتمع عدد كبير من علماء أفغانستان (وقدرت المصادر عددهم بخمسة آلاف حسب ماورد في ذلك الوقت لكن الروايات الموجودة حاليا تقدر عددهم بألف عالم) واتخذ الحاضرون قرارا بتخيير بن لادن بين البقاء في أفغانستان أو الخروج منها حيث يشاء

وهنا بدأت الضغوط على الإمارة الإسلامية تزداد من قبل جميع الأطراف وعلى رأسهم باكستان التي أرسلت الوفود إلى قندهار مطالبة قادة طالبان بتسليم بن لادن ولكن لم تفلح جميع هذه المحاولات بثني قادة طالبان وعلى رأسهم الملا عمر محمد (رحمه الله) عن رفضهم المطلق لهذا الأمر إنما طالبوا الأمريكيين بتقديم الأدلة التي تدين المتهمين لمحاكمتهم في أفغانستان من قبل محكمة تشارك فيها بعض الدول الإسلامية وبالطبع لم يكن ذلك ليرضي غرور الأمريكيين في ذلك الوقت الذي تعرضوا فيه للإهانة وهم في قمة التجبر والعلو في الأرض فكان ردهم الرفض الكامل لأي اقتراح تقدمه قيادة طالبان بل إن المسؤولين الأمريكيين كانوا يبدون احتقارهم لقادة طالبان الذين أظهروا رباطة جأشهم امام تلك المحن التي تزلزل الجبال الراسيات ولم يكترثوا بجميع التهديدات التي كانت تصدر عن المسؤولين الأمريكيين وأما الفاعلون فقد أصروا على نفي علاقتهم بذلك الحادث

وهكذا ذهب الأمريكيون للتحضير للحرب منذ اليوم الأول لذلك الحدث بل إن المعلومات التي رشحت فيما بعد أكدت عزم الأمريكيين غزو أفغانستان والعراق قبل وقوع أحداث الحادي عشر من أيلول فجاءت تلك الأحداث لتسرع مما كانوا يخططون له

وهكذا بدأ الغزو الصليبي لأفغانستان يوم الأحد السابع من تشرين الأول أي بعد أقل من شهر على أحداث الحادي عشر من أيلول حيث بدأ الأمريكيون هجومهم بامطار المدن الأفغانية (وخاصة كابل وقندهار) بوابل من الصواريخ كما بدأت الطائرات الأمريكية تشن غاراتها على أفغانستان لتبدأ بعد ذلك الحرب الصليبية على أفغانستان والتي استمرت لمدة ثمانية عشر عاما وانتهت بهزيمة الأمريكيين وهذا ماسنتحدث عنه لاحقا إن شاء الله


2021-07-01
كاتب من بيت المقدس


الأربعاء، 9 يونيو 2021

الجهاد الافغاني بين غلو التقديس وغلو التخوين

حقائق غائبة 


الفصل الحادي والعشرون
الجزء الثاني

تداعيات أحداث الحادي عشر من أيلول

كما ذكرنا فيما سبق قد حزم الأمريكيون أمرهم على معاقبة الفاعلين الحقيقين ولكي نعرف كيف ولماذا فعلوا ذلك وتأثير ذلك على أفغانستان لابد لنا من التعريج على تداعيات ذلك الحدث على الأمريكيين ومعهم العالم الغربي أولا ثم المسلمين ثانيا وأخيرا على بقية دول العالم ثالثا

فالأمريكان تعرضوا لإهانة كبيرة تفوق هزيمتهم المخزية في حرب فيتنام وقل مثل ذلك عن العالم الغربي الذي تقوده أمريكا خاصة وأن ذلك الحدث قد وقع في وقت كان فيه هؤلاء( العالم الغربي بقيادة أمريكا)  يعيشون نشوة انتصارهم في حرب الخليج الثانية وسقوط الاتحاد السوفييتي وانتصارهم في الحرب الباردة عام ١٩٩١ كما وصل في ذلك الوقت (نهاية عام ٢٠٠٠)إلى البيت الأبيض جورج بوش الابن الذي ينتمي للجناح الأكثر إجراما في الحزب الجمهوري و يتبنى سياسة مفرطة في العداء للمسلمين بصورة فجة وفي غاية الوقاحة والغطرسة بعكس الحزب الديموقراطي الذي يتبنى سياسة أقل فجاجة لكنها تتصف بالخبث والدهاء

وعلى أية حال كان الساسة الأمريكيون على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم الحزبية يتصرفون بمنتهى الصلافة والتجبر بتعاملاتهم مع الآخرين وخاصة المسلمين وقد شاهد العالم أجمع مندوبة أمريكا في الأمم المتحدة مادلين أولبرايت والتي صارت فيما بعد وزيرة للخارجية(وهي يهودية من الحزب الديموقراطي) كيف كانت تتكلم بمنتهى الغطرسة والعنجهية عند مناقشة المواضيع التي تخص المسلمين في مجلس الأمن كالحصار الجائر على العراق في تسعينات القرن الماضي

جاءت أحداث أيلول في هذه الأجواء المشحونة بكل معاني التجبر والعلو في الأرض مع وجود أكثر الساسة إجراما في سدة الحكم خاصة وأن تأثيرات ذلك الحدث لم تقتصر على

الخسارة البشرية(أكثر من ثلاثة آلاف قتيل في يوم واحد) وكذلك الخسارة المعنوية الباهظة كما ذكرنا إضافة للخسائر المادية التي كانت أكثر فداحة وهي تعادل مجموع الخسائر الاقتصادية في الحرب العالمية الثانية إذ بلغت خسارة أمريكا في ذلك اليوم مبلغا قدره ٢ تريليون دولار (حسب محمد حسنين هيكل) نتيجة لانهيار البورصة والذي أدى بعد ذلك لانهيار عدد كبير من الشركات العملاقة مما ضاعف من الخسائر المادية

لذلك جاء رد فعل الأمريكيين عنيفا  باعلان "الحرب العالمية على الارهاب" وقال بوش كلمته المشهورة من ليس معنا فهو ضدنا خاصة بعد أن أخذت أمريكا تفويضا من" مجلس الأمن" بشن تلك الحرب والتي سماها بوش الابن بالحرب الصليبية ومن يجرؤ حينها أن يعترض على أمريكا "سيدة العالم" كما سماها بعض المنهزمين في ذلك الوقت

وهكذا بادرت كل دول  العالم لتقديم مراسم الطاعة والولاء للأمريكان ففتحت الدول الاسلامية(خاصة بلدان الجزيرة العربية وباكستان ومعهم تركيا وكذلك إيران النفاق) أراضيها وأجواءها ووضعت كل امكاناتها المادية والاستخبارية بل وسخرت وسائل الاعلام لصالح "الحرب على الارهاب" بل إن الأمريكيين ذهبوا لابعد من ذلك عندما طالبوا الدول الاسلامية بالعمل على تجفيف "منابع الارهاب" أي بتعبير  أدق محاربة كل مظاهر الإسلام فحوربت الجمعيات الخيرية وكل المؤسسات الدعوية وتم فصل عدد كبير من الدعاة من أعمالهم مع منعهم من القيام بأي نشاط كما اعتقل آخرون غيرهم بل ذهبت بعض الحكومات لأبعد من ذلك عندما عمدت لهدم ومهاجمة المساجد ارضاء للامريكان أوتنفيذا لأوامرهم كهدم مسجد الشيخ عبد الكريم حميد في بريدة عام ١٤٢٥ هجري ومهاجمة المسجد الأحمر في إسلام أباد عام ٢٠٠٧ كل ذلك كان على مستوى الحكومات أما الغالبية الساحقة من أبناء الأمة فكانوا في واد آخر حيث أظهروا فرحتهم وشماتتهم لما أصاب الأمريكان في ذلك اليوم بل ظهرت حالة من النشوة بعد عقد من الإذلال نتيجة حرب الخليج الثانية وتوقيع اتفاق العار في اوسلو بين الكيان اليهودي و"منظمة التحرير الفلسطينية" وما تلاها من اجهاض للانتفاصة الأولى وحصار العراق وأحداث الجزائر والتي تحدثنا عنها سابقا

إذا تنفس المسلمون الصعداء بعد عقد مليء بالمآسي والاحباط مع الإذلال والاهانة فوصل العداء والحقد والكره للامريكان ذروته مع وجود رغبة جامحة للانتقام منهم بأي وسيلة  ذلك عند قطاع كبير من العامة أما الذين يتصدرون المشهد فكانوا على النقيض من ذلك إذ راحوا يخذلون عن الأمريكيين بمختلف العبارات فراحوا يتحدثون عن تحريم قتل الأبرياء بل ذهب بعضهم لأبعد من ذلك عندما اعتبر من قتل في مبنى البنتاجون بأنهم من الأبرياء (يوسف القرضاوي في قناة الجزيرة) وكأن البنتاغون جمعية خيرية وينسى هؤلاء أويتناسون دور تلك المؤسسة ومعها دوائر الاستخبارات بما أصاب ويصيب المسلمين وغيرهم وعلى أية حال قد يقبل أكثر الناس كرها لأمريكا وصف قتلى الطائرات التي تم اختطافها وكذلك قتلى مبنى التجارة العالمية بالأبرياء أما قتلى البنتاغون فذلك أمر آخر

المهم بالأمر أن أولئك الناس لم يطرحوا السؤال المنطقي في مثل هذه الحالات عن دوافع المنفذين لذلك العمل ولماذا قبلوا التضحية بأنفسهم وغيرهم ؟؟؟؟؟ لماذا لم يهاجم الفاعلون دولة أخرى كاليابان مثلا؟؟؟؟؟  وذهب آخرون للتفسيرات الخرافية للحدث كما أسلفنا وهكذا سقط هؤلاء وأولئك وأثبتوا أن الزمن قد عفا على طروحاتهم وأن الواقع قد تجاوزهم وهكذا كانت هذه الحادثة سببا لتمحيص الصف الإسلامي فقد كان  التمحيص فيما مضى بين العلمانيين والإسلاميين وبعد هذه الحادثة بدأ التمحيص داخل الصف الإسلامي والذي سنشاهد له فصولا أخرى لاحقا أشد وضوحا للتمايز بين من يعمل للإسلام الذي ارتضاه الله لعباده ومن يسعى لتفصيل إسلام "معتدل " يرضى عنه الآخرون وسيظهر ذلك بصورة أكثر وضوحا فيما بعد وهذا ماسنتطرق إليه لاحقا

وهكذا وجدت الامارة الفتية في أفغانستان نفسها في مواجهة حكومات العالم دفعة واحدة يضاف إلى ذلك العدو الداخلي ممثلا بتحالف الشمال أو كما سماه أصحابه"بالجبهة الإسلامية المتحدة" والذين تضاعف حقدهم على حركة طالبان والمجاهدين العرب نتيجة لاغتيال أحمد مسعود شاه أكبر القادة العسكريين في ذلك التحالف في تلك الأثناء

فكيف تصرفت حركة طالبان أمام تلك الرياح العاتية التي تهز الجبال الراسيات

هذا ماسنتحدث عنه لاحقا إن شاء الله



2021-06-09
كاتب من بيت المقدس



الاثنين، 31 مايو 2021

الجهاد الافغاني بين غلو التقديس وغلو التخوين

حقائق غائبة

الفصل الحادي والعشرون
أحداث الحادي عشر من أيلول ٢٠٠١
الجزء الأول

لم يكن يوم الثلاثاء الحادي عشر من أيلول من عام ٢٠٠١ يوما عاديا بل كان يوما تاريخيا بامتياز حيث تعرضت فيه أمريكا لأول مرة في تاريخها لأن تضرب في عقر دارها وفي أهم رموزها التي تدل على العلو في الأرض(مبنى التجارة العالمية ومبنى البنتاغون)

وقبل الحديث عن تأثير ذلك الحدث على أفغانستان لابد لنا من التوقف قليلا عند هذا الموضوع وبغض النظر عن موقفنا مما حدث فنحن هنا بصدد التوصيف والتحليل وبالطبع لا يستطيع الإنسان أن يكون محايدا في مثل هذه المسائل إذ لكل إنسان رؤيته وموقفه النابع من خلفيته وولاءاته وانتماءاته العقدية والفكرية وتركيبته العقلية والنفسية ومستوى تعليمه ومدى وعيه وادراكه لما يدور حوله من أحداث ومهما يكن من أمر  فإن المطلوب أن يكون المرء عادلا

 لقد تناقضت كثيرا التحليلات وتضاربت المعلومات حول ماجرى فالامريكيون بادروا منذ اللحظة الأولى لتوجيه الاتهام نحو الفاعلين الحقيقيين لما لديهم من أدلة لم يفصحوا عنها لأسباب قد نتطرق لبعضها لاحقا

وهنا لابد لنا أن نشير إلى أن التكتم والخداع والتضليل صفات ملازمة لجميع أجهزة الأمن والمخابرات في العالم أما لعدم معرفة ملابسات الحدث أولضرورات التحقيق وبالتالي تضليل الخصوم ومنعهم من الاستفادة من أية معلومات يتم الافصاح عنها لذا يكون الغموض  وشحة بل تناقض المعلومات التي تفصح عنها تلك الأجهزة في مثل هذه الأحداث هو الأمر الغالب مما يتيح هامشا واسعا لترويج الاشاعات كما يتيح لاصحاب نظرية المؤامرة  للاغراق في تحليلاتهم وخيالاتهم والتي تصب بعيدا عن الحقيقة

ولو استعرضنا سريعا بعض الآراء المطروحة حول هذا الحدث في حينها وحتى يومنا هذا نرى مايلي

فأصحاب نظرية المؤامرة والذين يرون أن ماجرى ليس إلا مؤامرة مفتعلة من قبل الأمريكيين ليبرروا احتلالهم لأفغانستان والعراق بعد ذلك وينسى هؤلاء أن ذلك الحدث قد جرح كرامة الأمريكيين بل والعالم الغربي برمته جرحا عميقا لا يندمل حتى لواستعملوا أسلحتهم النووية ضد المسلمين كما يقول الدكتور أكرم حجازي ويكفي أن نتذكر منظر جورج بوش الإبن وهو يقف باكيا أمام أنقاض برجي التجارة العالمية في نيويورك لنعرف حجم الاهانة التي تعرضت لها أمريكا في ذلك اليوم وهذا وحده كافيا لنسف هذا التفسير من جذوره

وذهب آخرون لاتهام الموساد الإسرائيلي والقوى الخفية التي تتحكم في هذا العالم ومازال أصحاب هذه التفسيرات الخرافية ماضون في تفسيراتهم لكل ماجرى بعد ذلك مثل تفجيرات جزيرة بالي في اندونيسيا نهاية عام ٢٠٠٢ وتفجيرات مدريد يوم ١١ اذار عام ٢٠٠٤ والتي وقعت قبيل الانتخابات في اسبانيا وكانت تهدف لاسقاط رئيس وزرائها في تلك الانتخابات لأنه وقف مع الأمريكيين في احتلال العراق عام ٢٠٠٣ وأغرب ماقرأته في دورية رسالة الاخوان اتهامهم للقوى الخفية بتنفيذ تلك التفجيرات ثم التساؤل كيف فات "القوى الخفية" أن تلك التفجيرات يمكن أن تؤدي لاسقاط  رئيس وزراء اسبانيا في تلك الأثناء خوسيه ماريا أزنار(الذي وقف مع بوش الابن بغزوه العراق عام ٢٠٠٣)في تلك الاننخابات !!!!!أي أن القوى الخفية قد أخطأت التقدير في هذه المرة فكانت النتيجة عكسية فكيف فاتهم ذلك !!!!!!!!! ز

 ومازال أصحاب هذه التفسيرات المفرطة في السطحية والخرافة يتصدرون  المشهد عندنا وماضون في تفسير كل مايجري حولنا من أحداث بهذه الطريقة التي تعمق حالة تغييب الوعي عند قطاع واسع من أبناء أمتنا ممن يتلقى معلوماته مما تبثه وسائل الاعلام ومما ينشر في مواقع التواصل الإجتماعي من خرافات وترهات تهدف أولا وأخيرا لتغييب الوعي عند أمتنا وتكريس حالة الضبابية والغثائية وظهر هؤلاء أخيرا بشكل واضح هذه الأيام مع انتشار جائحة الكورونا ليقدموا تفسيراتهم الخرافية

وأما المنهزمون من المسلمين فقد كانت حجتهم أنه ليس بمقدور أية جهة من المسلمين تنفيذ عمل بهذا الحجم وبذلك التخطيط الذي لم يخطر على بال أحد من قبل بل إن كمال الهلباوي قد قال وبالحرف الواحد إن الدول العربية مجتمعة لايمكنها تنفيذ هذا العمل(وهذا صحيح إذا تعلق الأمر بالحكومات) وامامحمد حسنين هيكل فقد اتهم الصرب بسبب مهاجمة حلف الناتو لصربيا عام ١٩٩٩ مما أدى لاستقلال اقليم كوسوفو عن صربيا أما لماذا لم يشر حسنين هيكل للفاعلين الحقيقيين فهذا يعود لخلفيته الفكرية التي لاتقيم وزنا للاسلام والمسلمين لذلك كانت تحليلاته في غاية السطحية إذا تعلق الأمر بالاسلام أو المسلمين

وفي الجهة المقابلة شاهدنا الحكومات العربية وإعلامييها يسارعون لنفي أية علاقة للعرب بذلك الحدث خوفا من بطش سيدهم في البيت الأببض بل سارعوا لتقديم مراسيم الولاء والطاعة قبل أن يشن الأمريكيون حربهم على أفغانستان

وأما الرافضة ومن يدور في فلكهم فقد بادروا لتقديم التحليلات التي تنفي علاقة الفاعلين الحقيقيين بذلك الحدث(من خلال قناة المنار الناطقة باسم حزب اللات) لأن ذلك يؤدي لخطف الأنظار نحو جهة معادية لهم لأنهم قد تصدروا المشهد الإعلامي بعد انسحاب اليهود من جنوب لبنان عام ٢٠٠٠ مما أكسبهم هالة من البطولة عند قطاع كبير من أبناء أمتنا حتى عند قطاع كبير ممن يتصدر المشهد في ساحة العمل الإسلامي لذلك نراهم ينزعجون من أي جهة إسلامية تتصدى لمواجهة أمريكا وربيبتها(الكيان اليهودي) لذا كانوا ومازالوا حريصين على أن يقدموا أنفسهم كعدو لدود"للشيطان الأكبر"وربيبته وبالتالي فلن يقبلوا أن تظهر أية جهة سنية تتبنى عملا جادا ضد أمريكا لأن ذلك سيكشف نفاقهم ودجلهم

وهنا لابد ان نشير إلى أن المحللين كانوا يستندون إلى نفي الفاعلين صلتهم بتلك العملية إضافة لشح وتنافض المعلومات الذي أشرنا إليه وهذا أدى لتبني بعض المفكرين المسلمين تفسيرات بعيدة عن الحقيقة تراجعوا عنها بعد ذلك

وعلى أية حال مهما كانت الجعجعات الإعلامية التي أبعدت التهمة عن الفاعلين الحقيقيين فإن ذلك لم يغير من موقف الأمريكيين قيد أنملة وأصروا على موقفهم بتوجيه أصابع الاتهام نحو الفاعلين الحقيقيين كما حزموا أمرهم على معاقبتهم وهكذا سارت الأمور في هذا الاتجاه وهذا ماسنتحدث عنه في الفصل القادم إن شاء الله


2021-05-31
كاتب من بيت المقدس

الثلاثاء، 30 مارس 2021

الجهاد الافغاني بين غلو التقديس وغلو التخوين
حقائق غائبة 

الفصل العشرون
المجاهدون العرب في أفغانستان
كما ذكرنا سابقا فقد شارك عدد كبير من الشباب العربي في الجهاد الأفغاني وقد ذكرنا أن الذين شاركوا جاءوا من بلدان الجزيرة العربية والعراق والشام إضافة لبلدان شمال أفريقيا وكذلك من الجاليات العربية في أوروبا وأمريكا
وكان أكثرهم لايعانون أية مشاكل في البلدان التي أتوا منها كالذين أتوا من بلدان الجزيرة العربية وكذلك القادمون من أوروبا وأمريكا وهؤلاء كان باستطاعتهم العودة من حيث أتوا بل إن بعضهم كان يحضر إلى أفغانستان لفترة محدودة ثم يرجع ألى بلده ويعود ثانية وبالطبع لم يكن الجميع مشاركا في الأعمال العسكرية إنما وجد عدد لابأس به ممن انخرطوا باعمال الإغاثة في المناطق الحدويه وخاصة مدينة بيشاور التي ضمت عددا من المشافي كمشفى الهلال الأحمر الكويتي وكذلك مشفى لجنة الدعوة الكويتية إضافة للهلال الأحمر السعودي وغيرها من مراكز الإغاثة الأخرى
وفي مدينة بيشاور وفي ساحات الجهاد داخل أفغانستان تجمع عدد كبير من الشباب العربي من مختلف التوجهات الحركية والذين فروا من بطش الحكومات في بلدانهم وهنا ذابت التوجهات القطرية الضيقة عند الكثيرين خاصة أن هؤلاء كانو ناقمين على الأوضاع القائمة في العالم لأنهم ضحايا ذلك الواقع المؤلم وهنا نمت البذرة الأولى لظاهرة الجهاد العالمي والتي فرضت نفسها فيما بعد كأخطر ظاهرة تهدد النظام العالمي القائم كما تحدث عن ذلك العديد من المحللين الاستراتيجيين بل إن تصرف أركان النظام العالمي مع تلك الظاهرة خير دليل على جديتها ومدى خطورتها وعلى أية حال فهذا موضوع شائك ولايمكننا الإلمام به في هذه العجالة
وبخصوص الشباب الذين فروا من بلدانهم فإن معظمهم كان مسجلا لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والتي ساعدت بعضهم باللجوء إلى أوروبا وأمريكا واستراليا وأعرف بعض الأخوة الذين جاءوا إلى دول شمال أوروبا
ومع انتهاء الجهاد الأفغاني اشتدت المضايقات على الفارين من بلدانهم حيث اندلعت في هذه الأثناء المواجهات بين نظام الحكم في الجزائر والإسلاميين هناك بعد الانقلاب على نتائج الانتخابات وكذلك حصلت بعض المواجهات مع النظام المصري كما اندلعت الحرب في الشيشان والبلقان ضد المسلمين هناك وكذلك الحرب بين أذربيجان والأرمن الذين احتلوا إقليم ناغورنو كاراباخ فانتقل بعض المجاهدين العرب إلى ساحات المعارك في تلك البلدان نصرة لإخوانهم المسلمين في تلك البلدان وهذا الأمر لم يكن ليرضي أهل الكفر والنفاق على اختلاف نحلهم فظهر في هذه الفترة (بداية تسعينات القرن الماضي)مصطلح العرب الأفغان والتي باتت المادة الرئيسية في وسائل الإعلام والتي يتحكم بها أعداء الأمة فصار المجاهدون العرب الذين تقطعت بهم السبل مطاردين من قبل جميع أجهزة المخابرات العالمية وحتى من قبل بعض الأفغان الذين تأثروا بما يتلقونه من وسائل الإعلام التي تصف المجاهدين العرب بالوهابيين وهذه كلمة لا أصل لها إنما اخترعها الرافضة فتلقاها بعض المسلمين بعد أن تم تشويهها كثيرا في أذهانهم وخاصه غير الناطقين بالعربية وهذا الموضوع فيه كلام كثير إنما يكفي أن نقول أن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله لم تكن سوى دعوة إصلاحية تهدف لاعادة المسلمين إلى التمسك بالكتاب والسنة وظهرت في وقت عم فيه الجهل وانتشرت فيه البدع والخرافات مع التقليد الأعمى بين المسلمين فكان من الطبيعي أن تواجه تلك الدعوة ردود فعل عنيفة من قبل قطاع لا بأس به من أبناء الأمة الذين يصعب عليهم الخروج على ما ألفوه والذي زاد الطين بلة هو بعض التصرفات(التي تفتقد الحكمة)  من قبل بعض أتباع الدعوة يضاف إلى ذلك تسييس الدعوة بعد تفريغها من محتواها وتحويلها لأداة لتطويع الأمة للساسة الذين يدورون في فلك الأعداء مما سهل على الأعداء تشويه الدعوة واستعمال كلمة الوهابية لمحاربة كل مخلص لدينه وأمته وبالتالي ينساق أبناء الأمة في مخططات الأعداء وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا
وعلى أية حال فقد التجأ من تبقى من المجاهدين العرب إلى الإمارة الإسلامية في أفغانستان وهنا لابد من الاشارة للمواقف المشرفة لبعض قادة الجهاد الأفغاني الذين آووا إخوانهم العرب قبل تأسيس الإمارة الإسلامية في أفغانستان ويأتي في مقدمتهم الملا جلال الدين حقاني رحمه الله وجعل ذلك العمل في ميزان حسناته
كما ينبغي أن نشير إلى أن بعض المجاهدين العرب قد رفضوا العروض المقدمة إليهم بالهجرة إلى أوروبا وأمريكا وآثروا البقاء في ساحة الجهاد
بعد تأسيس الإمارة الإسلامية في أفغانستان أعلن قادة المجاهدين العرب مبايعتهم للملا عمر محمد رحمه الله والذي بدوره أحسن استقبالهم وقد أشرنا سابقا إلى نجاح ثلة قليلة من المجاهدين العرب بحماية مدينة كابل من تحالف الشمال مما رفع من أسهمهم عند قادة طالبان كل ذلك أدى لأن يشعر المجاهدون العرب بالحرية التامة في أفغانستان فكان من نتيجة ذلك تأسيس ما أطلق عليه الجبهة الإسلامية العالمية لمحاربة اليهود والنصارى وباشرت عملها ضد المصالح الأمريكية حيث نفذت عدة عمليات في الجزيرة العربية وشرق أفريقيا  قام بعدها الأمريكيون بقصف أفغانستان ب ٧٥ صاروخا من طراز كروز في صيف ١٩٩٨ كما اشتد الحصار على الإمارة الإسلامية ومع ذلك لم يغير ذلك من موقف الإمارة الإسلامية من ضيوفهم العرب واستمرت الأمور على هذه الحالة حتى وقعت أحداث ١١ أيلول عام ٢٠٠١ لتدخل الإمارة الإسلامية في أفغانستان بامتحان أشد مما تعرضت له فيما مصى
وهذا ماسنتحدث عنه في الفصل القادم إن شاء الله




20201-03-30
كاتب من بيت المقدس

الجمعة، 26 مارس 2021


الجهاد الافغاني بين غلو التقديس وغلو التخوين
حقائق غائبة

الحلقة التاسعة عشر
الابتلاءات التي تعرضت لها الامارة الإسلامية
لقد اشتد البلاء على الامارة الإسلامية الوليدة بعد دخول كابل ثم مزار شريف بعد ذلك ففي هذه الفترة أي بين عامي ٩٦ وحتى عام ٢٠٠١ لم تتوقف المناوشات مع تحالف الشمال الذين  هاجموا في احدى المرات مدينة كابل عندما كان مجاهدوا الحركة منشغلين في الشمال فتصدى لهم مجموعة صغيرة من المجاهدين العرب لم يتجاوز عددهم الخمسين وتمكنوا من دحر ذلك الهجوم وهنا ارتفعت أسهم المجاهدين العرب عند حركة طالبان وأنصارها على عكس جماعة تحالف الشمال الذين صاروا يحقدون على جميع العرب وهذا ماسنتطرق له لاحقا إن شاء الله
وفي هذه الأثناء إلتجأ إلى أفغانستان مجموعة من مجاهدي تركستان الشرقية والذين كانوا يقاتلون ملاحدة الصين الذين يحتلون بلادهم منذ عقود وهنا طالب ملاحدة الصين الإمارة الإسلامية تسليمها أولئك المجاهدين فرفض الملا عمر ذلك الطلب
في هذه الفترة أمر الملا عمر (رحمه الله) بازالة أصنام بوذا الموجودة في منطقة باميان وقد صدرت فتوى من علماء أفغانستان بذلك كما أن حركة طالبان كانت تستفتي الشيخ حمود عقلا  الشعيبي(رحمه الله)في الكثير من القضايا لأنه(رحمه الله) موضع ثقة عند علماء الحركة وقد عرضت في حينها اليابان وغيرها من الدول  على الإمارة الإسلامية مبالغ طائلة من المال مقابل نقل تلك الأصنام إلى اليابان أوإلى أماكن أخرى في وقت  اشتد فيه البلاء على الأفغان بسبب الجفاف الذي أصاب البلاد إضافة للحصار الجائر الذي فرضته دول الكفر على الأفغان ومع ذلك فقد رفض الملا عمر(رحمه الله) ذلك العرض وقال كلمته المشهورة أريد أن يحشرني الله مع هادمي الأصنام لا مع بائعي الأصنام وقد بدا النفاق العالمي جليا حيث لم يكترث العالم لأطفال أفغانستان الذين كانوا يموتون نتيجة الجوع والمرض بسبب القحط والحصار الجائر ولم يقدموا تلك الأموال لانقاذ أولئك المساكين وكانت حجتهم أن الأموال مخصصة لأصنام بوذا التي يعتبرونها "تراثا حضاريا"يجب المحافظة عليه
وهنا لابد أن نذكر مواقف بعض الإسلاميين المقاصديين او المصالحيين أومن يحلو لهم التسمي بالوسطيين او المعتدلين والذين يبالغون بالحديث عن مقاصد الشريعة والمصالح ودرء المفاسد وعن "الوسطية والاعتدال"  حيث سافر وفد من هؤلاء إلى أفغانستان والتقوا الملا عمر محمد (رحمه الله)  لثنيه عن تدمير تلك الأصنام وكان على  رأسهم الشيخ يوسف القرضاوي ومفتي مصر في تلك الأثناء نصر فريد واصل إضافة لمحمد سليم العوا وفهمي هويدي وعلي قره داغي مع آخرين كما رافقهم بعض الشخصيات الرسمية من حكومة قطر
حيث ظهر جليا أن ظاهرة الغثائية في أمتنا لاتقتصر على عامة الناس بل تمتد إلى النخب ممن يتصدرون المشهد عندنا والذين يتحركون وفق مصالح ورغبات أعداء الأمة وفي أحسن الأحوال يتأثرون بالتهويش الإعلامي الذي يمارسه الأعداء فيبنون قناعاتهم ومواقفهم بناء على المعلومات المأخوذة من الأعداء وهكذا
يتحركون ضد مصالح الأمة وبما يخدم مصالح الأعداء سواء أعلموا ذلك أو لم يعلموا
على أية حال فقد نجح قادة طالبان بإحراج ذلك الوفد عندما قالوا لهم لقد تأخرتم كثيرا بمجيئكم لقد مضى سنوات عديدة على هدم المسجد البابري (الذي هدمه مجوس الهند عام ١٩٩١) أي أنهم لم يتحركوا انتصارا لمسلمي الهند وإنما تحركوا انتصارا لأصنام بوذا.
وعلى أية حال لم يستطع الوفد تقديم أي دليل شرعي يبين خطأ هدم الأصنام ورجع أعضاؤه إلى بلدانهم بعد أن ناقشوا قضايا أخرى مع قادة طالبان مثل تعليم البنات حيث شرح قادة الحركة لأعضاء الوفد صعوبة ايجاد مدارس كافية للبنين لذا كان عليهم أولا تدريس الأبناء وبعد ذلك يمكن تدريس البنات وعلى أية حال فقد اقتنع بعض أعضاء الوفد بما سمعه من قادة طالبان فتوقفوا عن مهاجمتهم بعد عودتهم كالشيخ يوسف القرضاوي بل أنصفهم في بعض الأحيان. وبعض أعضاء الوفد واصل انتقاد حركة طالبان كسليم العوا
وهكذا كانت تعاني الإمارة الإسلامية من الإبتلاءات والتي كان أشدها إيلاما ظلم المسلمين لها الذين كانوا يستعملون نفس المصطلحات التي يستعملها الأعداء وهذا هو شأن كل من يتبنى مشروعا جادا يمثل هموم أمتنا فإنه سيجد الصدود والتسفيه بل العداء والمحاربة لمشروعه من أبناء أمتنا والذين سيقفون في صف الأعداء في محاربته وهكذا ندور في حلقة مفرغة من التآكل الذاتي لنوفر على الأعداء تكاليف الدخول بمواجهات مكشوفة مع أمتنا
ومن المصاعب التي واجهت الامارة الإسلامية الخراب الكبير الذي أصاب البلاد نتيجة الحرب حيث دمرت البني التحتية وقنوات الري والطرقات والمصانع ومع ذلك فقد تمكنت الإمارة الإسلامية بامكاناتها الذاتية وبمساعدة الباكستانيين من إعادة تشغيل ٦٠ مصنعا من أصل ٢٥٠ مصنعا مدمرا
كما أن حقول الألغام كانت تتسبب بقتل الكثير من الناس حيث زرع الروس عشرات الملايين منها في افغانستان قبل انسحابهم وقد ذكرت سابقا أن الروس سلموا مسؤولي الأمم المتحدة خرائط بألفي حقل ألغام وقد تمكنت الإمارة الإسلامية من تنظيف العديد من المناطق لكن ماتزال الكثير من تلك الألغام موجودة حتى يومنا هذا
وهكذا عانت الإمارة الإسلامية من العديد من الابتلاءات خلال السنوات الخمسة التي تلت دخول مدينة كابل حتى إذا وقعت أحداث ١١ أيلول من عام ٢٠٠١ دخلت الإمارة الإسلامية بامتحان جديد هو الأصعب والذي سنتحدث عنه في الفصل القادم إن شاء الله
وقبل أن نتحدث عن هذا الموضوع سنتوقف عند موضوع المجاهدين العرب في أفغانستان




20201-03-19
كاتب من بيت المقدس

الجمعة، 19 مارس 2021

الجهاد الافغاني بين غلو التقديس وغلو التخوين
حقائق غائبة 


الحلقة الثامنة عشر
دخول حركة طالبان إلى كابل

كما ذكرنا سابقا فقد تمكنت طالبان من إحكام سيطرتها على مدينة كابل في ٢٧ أيلول من عام ١٩٩٦ بعد مواجهات عنيفة مع الفصائل التي كانت تسيطر على المدينة وفي مقدمتها الجمعية الإسلامية التي يتزعمها برهان الدين رباني واتحاد المجاهدين الذي يتزعمه عبد رب الرسول سياف وأول عمل قام به مجاهدوا الحركة قتل نجيب الله آخر حكام أفغانستان من الشيوعيين مع شقيقه واللذان كانا مختبئين في مبنى "الأمم المتحدة "منذ ربيع عام ١٩٩٢ وعندها أثبتت الحركة أنها ليست أداة بيد الحكومة الباكستانية كما كان يتهمها الكثيرون بمن فيهم بعض الطيبين من الإسلاميين وعندها دخلت الحركة في مواجهة مع النظام العالمي الذي تهيمن عليه قوى الكفر التي راحت تدعم أعداء الحركة الذين تجمعوا بجبهة واحدة أطلقوا عليها اسم "الجبهة الإسلامية المتحدة" والتي كانت تضم اضافة لجماعة رباني وسياف فلول الشيوعيين الذين انشقوا عن نظام كابل قبيل سقوطه وعلى رأسهم عبد الرشيد دوستم اضافة لأحزاب الرافضة والجماعات والفصائل الصوفية والقومية أما غلب الدين حكمتيار فقد خرج إلى أيران بعد أن انضم معظم أعضاء جماعته لحركة طالبان والذين لم ينضموا للحركة فقد توقفوا عن القتال
أما الذين تسموا" بالجبهة الإسلامية المتحدة أو ماعرف فيما بعد ذلك باسم تحالف الشمال فقد أصروا على مقاتلة حركة طالبان وراحوا يتلقون الدعم المادي والمعنوي من قوى الكفر العالمي في الشرق والغرب وعلى رأسهم إيران النفاق ومجوس الهند بل إن القائد أحمد مسعود شاه والذي كان يتسلم منصب وزير الدفاع في حكومة "المجاهدين" قام بزيارة للدول الأوروبية وهذا ماشاهدته على شاشات التلفزة وكان يرتدي الملابس الأوروبية
وهنا سقط أولئك الذين تسموا بالمجاهدين حيث قبلوا لأنفسهم التحالف مع المشركين (الرافضة)والمرتدين (فلول الشيوعيين) داخل أفغانستان كما تحالفوا مع قوى الكفر العالمي خارج أفغانستان أما حركة طالبان فقد أعلنت عن تأسيس الإمارة الإسلامية في أفغانستان فكان عليها مواصلة الحرب بعد أن اكتسبت الشرعية بما حققته من انجازات خاصة على الصعيد الأمني حيث شعر الأفغان لأول مرة بالأمن الذي فقدوه في السنوات الماضية نتيجة لاقتتال الفصائل الذي تحدثنا عنه سابقا
وبالطبع لم يكن هذا ليرضي قوى الكفر العالمي ومن يدور في فلكها من حكومات في العالم الإسلامي وهنا بدأت الإمارة الإسلامية تواجه الابتلاءات ففي الداخل كان عليها مواجهة تحالف الشمال لانتزاع ماتبقى من البلاد وقد تمكنت الامارة الاسلامية بعد عامين من احكام سيطرتها على ٩٠ بالمئة من أفغانستان بعد أن قدمت تضحيات كبيرة حيث تم تحرير مدينة مزار شريف في أقصى شمال أفغانستان عام ٩٨ وفي هذه الأثناء قتل ١١ شخصا في القنصلية الإيرانية في مزار شريف يحملون صفة دبلوماسيين وهم رجال مخابرات كانوا يساعدون حلفاءهم من الرافضة وعندها شاهدنا كيف توحد الرافضة على اختلاف توجهاتهم وراحوا يهاجمون حركة طالبان ويصفونهم بعملاء أمريكا وغيرها من الترهات التي يرمون بها خصومهم وهددت إيران الامارة الإسلامية التي لم تكترث بتلك التهديدات بل أعلنت استعدادها للمواجهة فالتزم الرافضة الصمت وراحوا يكيدون في الخفاء كعادتهم
وعلى أية حال فقد تحصن جماعة تحالف الشمال في المناطق الجبلية حتى نهاية عام ٢٠٠١ عندما دخلوا كابل مع الغزو الصليبي لأفغانستان وهذا ماسنتحدث عنه لاحقا إن شاء الله
على الصعيد الخارجي لم تعترف بالامارة الإسلامية سوى ثلاث دول هي باكستان وكذلك الإمارات العربية والسعودية واللتان سحبتا اعترافهما بعد أحداث أيلول ٢٠٠١ أما عن الصعوبات والابتلاءات التي واجهت تلك الدولة الوليدة فسنتحدث عنها في الفصل القادم إن شاء الله




20201-03-19
كاتب من بيت المقدس

الأحد، 14 مارس 2021

الجهاد الافغاني بين غلو التقديس وغلو التخوين
حقائق غائبة


الحلقة السابعة عشر
نشوء حركة طالبان

كما ذكرنا سابقا فقد أدى اقتتال المجاهدين بعد دخولهم كابل إلى تداعيات خطيرة جعلت الحياة جحيما لا يطاق في معظم المناطق داخل أفغانستان وقبل أن نتحدث عن نشوء حركة طالبان لابد من التذكير ببعض الحقائق التي ذكرنا بعضها فيما سبق

وأول تلك الحقائق أن غياب الرئيس الباكستاني الأسبق ضياء الحق وكذلك الشيخ عبد الله عزام قد أثر سلبا على الجهاد الأفغاني حيث لعب الرجلان دورا لا يمكن انكاره بتخفيف حدة الخلافات بين فصائل المجاهدين ومع ذلك لم يدخر الدعاة من خارج أفغانستان جهدا لوقف الاقتتال بين فصائل المجاهدين لكن تأثيرهم لم يكن كتأثير الشيخ عبد الله عزام(رحمه الله) الذي كان يحظى باحترام كبير عند زعماء المجاهدين لأنه أمضى سنوات من عمره معهم فتعرف عليهم وشاركهم الجهاد في الخطوط الأولى للجبهات لذلك كانوا يعتبرونه واحدا منهم بعكس الآخرين الذين يأتون من البلدان الأخرى ويقضون بعض الوقت في فنادق مدينة بيشاور يلتقون خلالها ببعض الزعامات ليعودوا بعد ذلك إلى بلدانهم وشتان بين رجال الخنادق ونزلاء الفنادق

كذلك سعى بعض القادة الأفغان كالقائد جلال الدين حقاني(رحمه الله) وهو من الذين لم يتورطوا في الاقتتال وكان دائما يسعى للتوفيق بين الفصائل المتناحرة ولكن دون جدوى إذ كانت المشكلة في غاية التعقيد مما جعلها عصية على الحل لتداخل الكثير من العوامل الذاتية وكذلك المؤامرات الخارجية والتي تحدث عنها اللواء حميد جول رئيس الاستخبارات العسكرية الباكستانية السابق(رحمه الله) في مقابلة له مع مجلة المجتمع الكويتية وأكد على أن لديه أدلة على تورط بعض الدول بإذكاء الفتنة بين فصائل المجاهدين لكنه لم يسم دولة بعينها والمتابعون للشأن الأفغاني يعرفون تلك الدول

وكما ذكرنا سابقا فإن أفغانستان تعتبر العمق الاستراتيجي لباكستان والتي من مصلحتها استقرار أفغانستان مع وجود حكومة أفغانية قويه ولا تضمر العداء لإسلام أباد لذا كان الإسلاميون الأفغان الخيار الأفضل لباكستان لبعدهم عن النزعة القومية من جهة ولوجود الترابط الفكري وحتى العضوي بين الإسلاميين في كلا البلدين من جهة أخرى  وهذا الموضوع من الأمور الثابتة في السياسة الباكستانية والتي تدعمها بقوة المؤسسة العسكرية(ذات التأثير في سياسة الحكومة الباكستانية) ويشكل البشتون العمود الفقري للجيش الباكستاني(حيث يشكلون ٤٠ بالمئة من الجيش الباكستاني رغم أنهم لا يشكلون سوى ١٨ بالمئة من مجموع السكان)

وهنا نعود للحديث عن نشأة حركة طالبان

لقد أدت الأوضاع المأساوية التي تحدثنا عنها داخل أفغانستان إلى تذمر شديد عند الغالبية العظمى من الأفغان فصار الجميع متلهفا لكل من يسعى لانتشالهم مما هم فيه

وبذلك صارت الظروف مهيئة لظهور طالبان أما كيف تشكلت الحركة فهناك من يقول أن المخابرات الباكستانية بادرت إلى تأسيسها وهذا ما يتبناه المناوئون للحركة من الأفغان وهناك من يتحدث عن اجتماع عدد من قادة الجهاد السابقين من بينهم الملا جلال الدين حقاني(رحمه الله)ومعهم عدد من طلبة العلوم الشرعية و الذين اتخذوا قرارهم بتأسيس الحركة وانطلقوا من مدينة قندهار حيث كانت معظم مناطق أفغانستان تعاني فراغا أمنيا ولا سيطرة لحكومة كابل عليها إنما تخضع لسيطرة القادة المحليين وبذلك تمكنت الحركة من السيطرة بسرعة فائقة على مناطق شاسعة في جنوب وشرق أفغانستان حيث يتركز البشتون وخاصة أنصار الحزب الإسلامي الذي يتزعمه غلب الدين حكمتيار والحزب الإسلامي الذي يتزعمه الملا يونس خالص(رحمه الله) حيث انضم قسم كبير من عناصر الحزبين  للحركة دون مواجهات تذكر خاصة جماعة يونس خالص حيث أن الملا حقاني كان أكبر القادة الميدانيين في هذه الجماعة وعندها بادرت الحكومة الباكستانية لاحتضان الحركة ظنا منهم أن بإمكانهم التحكم بحركة طالبان مستقبلا وهذا ما أثبتت الأحداث فيما بعد عدم صحته

لقد نجحت الحركة بتحقيق الأمن في المناطق التي سيطرت عليها فقامت بمكافحة كل أشكال الجريمة بكل حزم وبذلك شعر الناس بالأمان وبذلك اكتسبت طالبان الشرعية وباشرت بتوسيع مناطق نفوذها حيث بدأ الكثير من المخلصين بالانضمام للحركة

طواعية ومن أبى ذلك كان لابد من مقاتلته إذ أن القيادات السابقة قد أثبتت فشلها وأذاقت المسلمين الويلات وبذلك فقدت شرعيتها فكان عليها أن تتنحى ومن أبى التنحي كان لابد من مقاتلته لأن مصلحة الأمة مقدمة على كل المصالح الضيقة

وبعد عامين من تأسيس الحركة دخل مجاهدوها مدينة كابل

لتدخل بعد ذلك حركة طالبان ومعها أفغانستان في مرحلة جديدة سنتحدث عنها في الفصل القادم إن شاء الله




20201-03-15
كاتب من بيت المقدس


الأربعاء، 10 مارس 2021

 الجهاد الافغاني بين غلو التقديس وغلو التخوين
حقائق غائبة

الحلقة السادسة عشر
الاقتتال بين فصائل المجاهدين

دخل المجاهدون مدينة كابل نهاية شهر نيسان عام ١٩٩٢ بعد أن اقتتلوا على مداخلها كما ذكرنا سابقا والاقتتال بين المسلمين من الامور الموجعة لكل مسلم وهي من الصفحات السوداء في تاريخنا السياسي وهذا الأمر قد حصل عندما كانت أمتنا في حالة القوة والتمكين كما حصل أيضا عندما كنا في مراحل الضعف بل عندما كنا مهددين بالغزو الخارجي وهذا موضوع فيه تفصيل كثير وسنكتفي هنا بالحديث عن أفغانستان حيث تطرقنا سابقا للحديث عن أسباب التشرذم في ساحة الجهاد ولا حاجة لتكرار كل ما ذكرناه سابقا

لقد دخلت الجماعات الإسلامية ساحة الجهاد بصورة متفرقة فكان لكل جماعة زعامتها ورايتها الخاصة بها ولم يعد بالإمكان توحيد تلك الجماعات بعد أن صارت ذات شوكة وقد ذكر الشيخ عبد الله عزام رحمه الله أن فصائل المجاهدين قد اقتتلت فيما بينها عام ٨١ وقد وفق الله الداعية كمال السنانيري(كما ذكرنا سابقا) لوقف ذلك الاقتتال وبمرور الوقت ترسخت الولاءات الحزبية وغيرها من الولاءات الضيقة لدى فصائل الجهاد التي تحولت إلى جماعات مقاتلة تحمل أسماء إسلامية مثل الحزب الإسلامي والجمعية الاسلامية وعلى رأسها زعامات(لا قيادات) ذات طابع قبلي أو عرقي أو غيره أما القواعد فتضم كل من  هب ودب ويذكر الأخ محمود سعيد عزام في كتابه شيخي الذي عرفت أن الشيخ عبد الله عزام سأل حكمتيار عن اغتيال أحد قادته الميدانيين لمجموعة من قادة الجمعية الإسلامية هل له علم بذلك فأجابه بالنفي فقال له الشيخ كيف يحصل ذلك دون علمك فأجابه حكمتيار بأن بعض القبائل عندما تنضم لحزب معين تضع شرطا أن يؤمر عليهم شخصا هم يحددونه وقد يكون هذا الشخص أميا فيضطر الحزب للقبول بهذا الشرط وإلا ستنضم القبيلة لحزب آخر

وهذه الرواية تبين أن فصائل الجهاد كانت تضم في صفوفها بل ويصل إلى سلم القيادة فيها كل من هب ودب وهكذا تصبح الولاءات الضيقة سيدة الموقف

فلا مكان لإخوة العقيدة عند الكثيرين بل إن العقل قد يغيب تماما في كثير من الأحيان فتندلع الخلافات لأتفه الأسباب ويكون الاحتكام إلى السلاح سيد الموقف

لقد سعى الكثير من الدعاة وعلى رأسهم الشيخ عبد الله عزام لجمع فصائل المجاهدين تحت راية واحدة ولكن دون جدوى وكذلك فعل الرئيس الباكستاني ضياء الحق رحمه الله وبمرور الوقت اضطر الجميع للتسليم بالواقع القائم بعد أن يئسوا من توحيد الراية فصاروا يركزون على الهدف الرئيسي وهو محاربة الروس وعملائهم دون الالتفات إلى السلبيات الموجودة في صفوف المجاهدين والتي كان أخطرها تعدد الرايات

وبغياب ضياء الحق والشيخ عبد الله عزام رحمهما الله بات وقوع الفتنة بين فصائل المجاهدين أمرا مؤكدا وهذا ما حذر منه الكثيرون منذ وقت مبكر وهنا لابد لي أن أشير لدراسة كتبها محمد مزمل زمان  وهو أحد الدعاة الأفغان وينتمي لجماعة عبد رب الرسول سياف بعد انسحاب الروس حيث نشر في مجلة الجهاد دراستين الأولى بعنوان كابل تبحث عن الفاتحين خلص فيها إلى حتمية سقوط نظام كابل وفي دراسته الثانية والتي كان عنوانها كابل أدركوها قبل الفتح والتي بين فيها إلى حتمية اقتتال فصائل المجاهدين بعد دخول كابل مبينا جميع الأسباب المؤدية لذلك ومع ذلك لم يستطع أحد تدارك الفتنة لفوات الأوان

وكما ذكرنا سابقا فإن الاقتتال كان بشكل رئيسي بين أكبر فصيلين وهما الجمعية الإسلامية والحزب الإسلامي حيث دخل مقاتلو الجمعية مدينة كابل بقيادة أحمد شاه مسعود والذي اصبح وزيرا للدفاع في الحكومة الجديدة كما صار برهان الدين رباني زعيم الجمعية رئيسا للحكومة الجديدة مما أدى لشعور غلب الدين حكمتيار بالغبن فبادر لقصف مدينة كابل من الجبال المحيطة بها كما حصل اقتتال داخل مدينة كابل بين جماعة سياف(الاتحاد الإسلامي)والرافضة " حزب الوحدة  الإسلامية" وكان هذا الاقتتال مادة للتندر في القنوات الفضائية

لقد أدى هذا الاقتتال لالحاق دمار كبير في المدينة وقتل الآلاف من سكانها كما دمر العديد من المساجد الأثرية أيضا

لقد ظلت كابل آمنة طوال الفترة الماضية لأنها كانت تحت سيطرة الروس وعملائهم فلم تكن ساحة حرب كما كانت الأرياف والمناطق النائية

لقد استغلت إيران النفاق ذلك الاقتتال فقامت بسرقة الكثير من المعدات العسكرية بما فيها الطائرات من منطقة هيرات. كما تفشت زراعة المخدرات وانتشرت عصابات الاجرام وقطاع الطرق فلم يعد أحد من الأفغان يأمن على نفسه وعرضه وماله وهكذا شهدت البلاد موجة جديدة من النزوح الى البلدان المجاورة بدل عودتهم إلى أفغانستان

و هكذا تحول قادة الجهاد إلى امراء حرب فسقطوا معنويا وفقدوا احترامهم لدى مسلمي أفغانستان مما مهد الطريق لظهور حركة طالبان بعد عامين من دخول المجاهدين إلى كابل

وهذا ما سنتحدث عنه في الفصل القادم إن شاء الله.



20201-03-10
كاتب من بيت المقدس


السبت، 6 مارس 2021

 الجهاد الافغاني بين غلو التقديس وغلو التخوين
حقائق غائبة

الحلقة الخامسة عشر
الطريق إلى كابل

كما ذكرنا سابقا فقد أتم الروس انسحابهم من أفغانستان ربيع عام ٨٩ بعد أن تركوا خلفهم ترسانة كبيرة من السلاح مع جيش عرمرم من القوات النظامية والأجهزة الأمنية والميليشيات الموالية للنظام

ظن كثيرون أن نظام كابل سيسقط بمجرد انسحاب الروس لكن الواقع أثبت عكس ذلك إذ استطاع نظام كابل الصمود ثلاث سنوات بعد انسحاب الروس وهذا الأمر له أسباب عدة

أولها كما ذكرنا تفوق الجيش الأفغاني من ناحية العدد والعدة وحتى من ناحية تكتيكات المعارك حيث كان الروس وعملاؤهم يقاتلون بطريقة مدروسة بعكس فصائل المجاهدين التي كانت تقاتل بصورة غير مدروسة وأحيانا بصورة عبثية وقد شاهدت بأم عيني أثناء زيارتي لأحد جبهات القتال كيفية تموضع المجاهدين بطريقة عشوائية تشبه معسكرات الكشافة أو معسكرات الجيوش في حالات السلم أي أن الإنسان لا يشعر أنه في جبهة قتال يمكن أن يتعرض للقصف في أية لحظة

كما سألني الاخوة عما إذا كنت أرغب بإطلاق الصواريخ باتجاه الأعداء وقد وقفت أمام راجمة الصواريخ ومع ذلك فقد رفضت الضغط على الزر المخصص لذلك طالبا منهم ألا يضيعوا الذخيرة عبثا بلا هدف محدد ومدروس كمهاجمة أحد المواقع مثلا وقد قرأت في أحد دوريات المجاهدين في حينها عن عمليات إضاعة الذخيرة عبثا فعلمت أن ما رأيته لم يكن حالة استثنائية

٢- تورط جميع رموز نظام كابل بمن فيهم ضباط الجيش وقادة الميليشيات بالجرائم التي وقعت أثناء الاحتلال الروسي فكان عليهم القتال حتى النهاية لأنهم سيتعرضون للقتل إذا وقعوا بأيدي المجاهدين رغم اعلان المجاهدين العفو عن كل من يتخلى عن نظام كابل ومع ذلك فقد تمسك الكثيرون بمواقعهم وظلوا يقاتلون طوال هذه السنوات

٣- ومن الأسباب أيضا تفرق صف المجاهدين وعدم وجود التنسيق فيما بينهم وهذا ما سنتحدث عنه لاحقا إن شاء الله

٤- انتقال المجاهدين من مرحلة حرب الاستنزاف إلى مرحلة تحرير المدن التي تختلف تماما عما سبقها إضافة لما يتطلبه تحرير المدن من أسلحة ثقيلة وجيوش نظامية لا تتوفر لدى فصائل المجاهدين كما أن الروس قد حصنوا المدن الرئيسية بخطوط دفاع قوية قبل انسحابهم مما صعب المهمة على المجاهدين وقد شاهدت بأم عيني محاولة المجاهدين تحرير مدينة جلال أباد في ربيع عام ٨٩ والتي كلفت المجاهدين الكثير دون تحقيق أي تقدم مما أرغمهم في التخلي عن هذا الهدف

٥- كانت معظم المدن تكتظ بالأهالي لأنها كانت مناطق آمنة لا تتعرض للقصف من قبل الروس وعملائهم لأنها تحت سيطرتهم وهذا أيضا مما صعب على المجاهدين عملهم

٦- حقول الألغام الكثيرة التي زرعها الروس وعملاؤهم حول المواقع العسكرية والتي أوقعت ألاف الضحايا في صفوف الأفغان وقد ذكرت سابقا أن الروس سلموا مسؤولي الأمم المتحدة خرائط بألفي حقل للألغام

وعلى أية حال سنكتفي بالحديث عن هذا الموضوع بصورة مجملة

في هذه الأثناء لجأ النظام لاستعمال كل ما لديه من أسلحة حيث بالغ باستعمال صواريخ سكود التي بحوزته ومع ذلك لم يحرز أي انجاز يستحق الذكر

إذ تابع المجاهدون عملهم في الأطراف باستنزاف القوات الحكومية واستمرت عمليات فرار الجنود وحتى كبار الضباط لأن غالبيتهم كانوا مقتنعين باستحالة هزيمة المجاهدين رغم كل ما ذكرناه سابقا

ومهما يكن من أمر فقد سقط الاتحاد السوفييتي نهاية عام ٩١ وانشغل العالم وخاصة الدول الغربية بتداعيات ذلك الحدث كما انكشفت جميع الأنظمة التي كانت تعتمد عليه لأن روسيا الاتحادية التي ورثت تركة الاتحاد السوفييتي كانت تعاني من أزمة اقتصادية طاحنة جعلت الروس يتخلون عن جميع أتباعهم ومن بينهم نظام كابل مما أثر على معنويات كبار ضباط الجيش وقادة الميليشيات الذين سارع بعضهم بالانشقاق عن نظام كابل ومنهم عبد الرشيد دوستم قائد الميلشيات الأوزبكية مما سهل على المجاهدين دخول كابل رغم اقتتالهم على أبوابها وهنا دخلت قضية المسلمين في أفغانستان في أخطر مراحلها حيث كان الاقتتال بين فصائل المجاهدين سيد الموقف

وهذا ما سنتحدث عنه في الفصل القادم إن شاء الله


20201-03-06
كاتب من بيت المقدس




الاثنين، 1 مارس 2021

الجهاد الافغاني بين غلو التقديس و غلو التخوين

حقائق غائبة 

الحلقة الرابعة عشر 

أهم الأحداث في عقد التسعينات
كما ذكرنا سابقا فقد انتهى عقد الثمانينات باغتيال رئيس باكستان ضياء الحق رحمه الله وانسحاب الروس من أفغانستان واغتيال الشيخ عبدالله عزام رحمه الله ودخل عقد التسعينات الذي كان حافلا بالكثير من الأحداث الجسيمة التي أثرت على أمتنا وعلى الجهاد الأفغاني بشكل خاص وهنا  لابد من نظرة سريعة على تلك الأحداث انطلاقا من النظرة الشمولية التي تعتمد على ترابط جميع قضايا المسلمين ببعضها
١-حرب الخليج الثانية
بدأ هذا العقد باجتياح العراق للكويت وهذا الحدث أدى لشرخ كبير في النظام  الرسمي العربي حيث وقفت بعض الدول العربية مع الحل الأمريكي للأزمة بتأييدها استدعاء القوات الأمريكية ومن تحالف معها إلى جزيرة العرب بحجة"تحرير الكويت" والذي كانت نتيجته تدمير العراق والكويت ومحاصرة العراق ثم احتلاله من قبل الأمريكان وتقديمه إلى إيران فيما بعد
وفي الطرف المقابل وقفت بعض الدول العربية ضد الحل الأمريكي للأزمة ولم يكن لموقفها أي تأثير في مجريات الأحداث
في ساحة العمل الإسلامي تماهت مواقف بعض الجماعات الإسلامية مع مواقف الحكومات في هذا البلد أوذاك ولم يكن لجميع فصائل العمل الإسلامي( رغم ثقلها الكمي) أي تأثير في مجريات الأحداث
في تلك الأثناء دعا أمير الجماعة الإسلامية في باكستان القاضي حسين أحمد رحمه الله إلى مؤتمر حضره عدد كبير من قيادا ت فصائل العمل الإسلامي في مختلف البلدان ومن بينهم بعض قادة الجهاد الأفغاني وأدان الحاضرون الحرب الأمريكية على العراق بل ذهبوا لأبعد من ذلك بأن نزعوا الشرعية عن جميع  الحكومات "الإسلامية" المشاركة في تلك الحرب.ولاننسى هنا المواقف الجريئة لبعض الدعاة الذين وقفوا ضد استدعاء القوات الصليبية إلى جزيرة العرب وبينوا الحكم الشرعي في هذه المسألة وخطورة تلك الحرب على حاضر الأمة ومستقبلها
هناك أظهرالأمريكيون ومن يدور في فلكهم  عداءهم الصريح للجماعات الإسلامية والذي لم يكن واضحا في العقد السابق وطفا على السطح مصطلحات جديدة مثل التشدد والتطرف والإسلام السياسي والعنف........الخ وهنا بدأ التمايز في الصف الإسلامي تتضح معالمه فظهر من يسعى لمجاملة الآخرين بحجة الواقعية ومقاصد الشريعة مع المبالغة في استعمال بعض الكلمات  كالوسطية كرد فعل على كلمة التشدد والتطرف وهنا بدأ  بعض الإسلاميين تحت ضغط الواقع بالعمل على مجاملة الآخرين  ولو على حساب ثوابت الدين وبرز في الطرف المقابل من يؤكد على صورة الإسلام الذي ارتضاه الله لعباده
٢- مؤتمر مدريد
وكان من تداعيات حرب الخليج الثانية انطلاق ما سمي بمحادثات السلام بين الكيان اليهودي والحكومات العربية في مدريد وما تبعها من محادثات في أوسلو بين "منظمة التحرير الفلسطينية"والكيان اليهودي والتي أدت لما سمي بالحكم الذاتي في الضفة الغربية وقطاع عزة وهكذا انفتح الباب أمام التطبيع بين الأنظمة العربية والكيان اليهودي مما أدى لقيام بعض المعارضين للتطبيع للتجمع في محاولة لعرقلة عملية التطبيع فعقدت المؤتمرات وصدرت البيانات وتسابق البعض للمزايدة في هذا المجال حيث دخل على خط: مقاومة التطبيع "الرافضة والنصيريون ومختلف الأحزاب العلمانية(بعثيون ناصريون قوميون .....)كما دخل بعض النصارى(الأنبا شنودة زعيم أقباط مصر وكذلك نصر الله صفير زعيم المارونيين في لبنان )على نفس الخط ولكل طرف أهدافه ونواياه الخاصة
وبالطبع دخل بعض الإسلاميين في نفس المسار مع الآخرين مما أدى الى المزيد من حالة الضبابية والميوعة في المفاهيم داخل الساحة الإسلامية ولعل أخطرهأ تشويش عقيدة الولاء والبراء في أذهان بعض المسلمين
٣-أحداث الجزائر
وفي بداية العقد نجحت الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الانتخابات التي جرت هناك بداية العقد فقام العسكر الموالون لفرنسا بانقلاب عسكري اندلعت بعده مواجهة مسلحة بين الإسلاميين والحكومة الجزائرية ارتكب فيها أنصار فرنسا جرائم تقشعر منها الأبدان ضد المسلمين هناك وانتهت تلك الجولة ببقاء أنصار فرنسا في سدة الحكم
هنا ظهرت المواقف المتناقضة لبعض الإسلاميين الذين أيدوا الجهاد ضد حكومة كابل الشيوعية كما أيدوا محاربة النظام العراقي في حرب الخليج الثانية بينما وقفوا ضد اسلاميي الجزائر في مواجهتهم مع العسكر الذين انقلبوا على خيار المسلمين هناك بحجة عصمة دماء المسلمين وأدت هذه التناقضات المخجلة عند بعض الدعاة والعلماء إلى سقوط هيبتهم عند قطاع كبير من المسلمين مما أفقد الأمة المرجعية التي يجب احترامها
٤- كما ظهرت في مصر الجماعة الإسلامية التي تبنت خيار الجهاد ضد نظام حسني مبارك والتي تمكن النظام المصري من اخمادها
٥-بروز ظاهرة الجهاد العالمي
وهذا ماسنتحدث عنه لاحقا إن شاء الله بشيء من التفصيل



20201-02-28
كاتب من بيت المقدس


الثلاثاء، 23 فبراير 2021

الجهاد الافغاني بين غلو التقديس وغلو التخوين
حقائق غائبة 


الحلقة الثالثة عشر الجزء الثاني
الشيخ عبد الله عزام رحمه الله

لا يستطيع أي دارس للتجربة الأفغانية أن يتجاهل هذا الرجل لا لدوره المميز في القضية بل للأثر الذي تركه من بعده ونسأل الله أن يجعل ذلك في ميزان حسناته. وهنا لابد لنا من لمحة مختصرة عن خلفية الشيخ نبني عليها ما بعدها

ولد الشيخ في سيلة الحارثية التابعة لمدينة جنين في الضفة الغربية لنهر الأردن عام ١٩٤١ وأتم دراسته فيها ثم تخرج من كلية الشريعة في جامعة دمشق عام ١٩٦٦ وكان قد التحق بجماعة الإخوان المسلمين قبل ذلك وفي عام ٦٧  احتل الكيان اليهودي الضفة الغربية فانتقل الشيخ إلى شرق الأردن ليلتحق بمعسكر الشيوخ التابع لمنظمة فتح الذي تجمع فيه الشباب المسلم الراغب بالجهاد ضد الكيان اليهودي وبقي هناك حتى أيلول عام ١٩٧٠ عندما اندلعت الاشتباكات بين "فصائل المقاومة" والجيش ”الأردني" حيث وقف الإسلاميون على الحياد في تلك الحرب وأثناء هذه  الفترة حصل على درجة الماجستير من جامعة الأزهر ثم حصل على الدكتوراة بعد ذلك وعمل أستاذا في الجامعة الأردنية وصدر قرار بفصله من التدريس وتم تخييره بين العودة للعمل على ألا يتكلم في أمور السياسة ولكنه ترك العمل وانتقل للعمل في جامعة الملك عبد العزيز في جدة في بداية الثمانينات والتي عمل فيها ثلاثة فصول دراسية لينتقل

بعد ذلك إلى إسلام أباد ليعمل في الجامعة الإسلامية هنآك ومنها انتقل إلى مدينة بيشاور الباكستانية ليبدأ رحلته  التي ترك فيها أثرا تاريخيا له ما بعده

ب -التحاقه بالجهاد الأفغاني

نلاحظ مما سبق أن الشيخ قد جمع عدة مزايا تؤهله ليكون رجل المرحلة فهو يحمل مؤهلا في العلم الشرعي كما يحمل التفكير الحركي ذو البعد العالمي بسبب انضمامه للإخوان المسلمين كما أخذ السلفية من خلال احتكاكه بعلماء الجزيرة العربية يضاف إلى ذلك ممارسته الفعلية في ساحة الجهاد ضد العدو اليهودي فاذا أضفنا إلى ذلك شعوره الدائم بالظلم الذي يتعرض له المسلمون في شتى بقاع الأرض كيف لا وهو أحد ضحايا ذلك الظلم لأن بلده(بيت المقدس) بات مغتصبا من الكيان اليهودي كل ذلك أثر على تفكيره  مما جعله يقدم طرحا مميزا في الفكر الإسلامي المعاصر لذلك يعتبره الكثيرون الأب الروحي لظاهرة الجهاد العالمي التي فرضت نفسها فيما بعد لذلك وجد في الجهاد الأفغاني فرصته المناسبة لممارسة فريضة الجهاد التي كان تواقا لها بعد أن تعذر عليه ممارستها في بيت المقدس ولإيمانه بأن جراح المسلمين واحدة سواء أكانت في بيت المقدس أو أفغانستان أو غيرها لذلك لعب الشيخ دورا مهما بعد انتقاله إلى بيشاور حيث كان صلة الوصل بين الأفغان واخوانهم العرب إضافة للمشاريع الكثيرة التي أسسها وسنكتفي بذكر بعضها وأولها مكتب خدمات المجاهدين إضافة لمجلة الجهاد التي كان يبث من خلالها طروحاته وكذلك قام بتأسيس العديد من المدارس والمشاريع التعليمية في المنطقة الحدودية وداخل أفغانستان ومن أراد معرفة المزيد فيمكنه الرجوع لكتاب شيخي الذي عرفت وموسوعة الذخائر وهي موجودة الكترونيا ولعل أخطر الأعمال التي قام بها طروحاته المميزة التي كان يركز فيها على فرضية الجهاد في عصرنا الحاضر والذي سماه بالفريضة الغائبة وكذلك تأكيده على ضرورة استعادة الخلافة الإسلامية والتي سماها المنارة المفقودة وكان يؤكد دائما على أن تحقيق هذا الهدف لم ولن يتم إلا بالجهاد

والعمل الثاني الذي أداه والذي لا يقل خطورة عما سبق هو سعيه الدؤوب للتوفيق بين فصائل المجاهدين الأفغان وقد دفع حياته ومعه أثنين من أبنائه ثمنا لذلك

ج-اغتيال الشيخ عبد الله عزام

لقد حرص أعداء امتنا على تفرقة صفوف المجاهدين حتى لا يتحقق الهدف النهائي للجهاد وهو اقامة حكم الله في الأرض اضافة لتوهين عزيمة الأمة وابعادها عن طريق الجهاد وذلك بتشويه صورة المجاهدين الذين يتقاتلون فيما بينهم وهذا ما حصل بالفعل لذلك حرص الشيخ عبد الله عزام ومعه المخلصون من أبناء الأمة على وحدة الكلمة ونزع فتيل الصراع في كل مرة يحصل فيها الاقتتال بين الفصائل وهذا الأمر لم يرق لأعداء الأمة الذين كانوا يرصدون جميع تحركاته وآخر ما قام به في هذا المجال هو محاولته جمع غلب الدين حكمتيار(زعيم الحزب الإسلامي)وأحمد شاه مسعود(من الجمعية الإسلامية) وقد تكبد عناء السفر مع حكمتيار إلى وادي بنشير وأثناء تلك الرحلة قام أحد قادة الحزب الإسلامي بفتل عدد من قادة الجمعية الإسلامية فرجع حكمتيار من تلك الرحلة وتابع الشيخ السفر حيث التقى بأحمد شاه مسعود وأخذ منه تعهدا بأن يقتصر على القصاص من القاتل دون غيره وقال له أحمد مسعود بأنه على استعداد للموافقة على أية ترتيبات يقترحها الشيخ مع حكمتيار وهذا ما ذكره الشيخ في أكثر من مناسبة بعد ذلك وقد قرأت ذلك في نشرة صدى الجهاد التي صدرت في تلك الفترة

هناك اصيب الأمريكيون بالجنون حيث قالت مسؤولة الملف الأفغاني في القنصلية الأمريكية في بيشاور بأننا لن نسمح لأحد أن يتدخل بالوضع السياسي في أفغانستان أي بتعبير آخر لا يريدون أي محاولة لتوحيد الفصائل الأفغانية وخاصة الحزب الإسلامي والجمعية الإسلامية لأن ذلك يخرب خططهم المستقبلية

بعد ذلك أصبح اغتيال الشيخ رحمه الله أمرا ملحا وقد جرت المحاولة الأولى لاغتياله بوضع قنبلة تحت المنبر الذي كان يخطب فيه يوم الجمعة لكن الله سلمه من تلك المحاولة حيث اكتشفت القنبلة وتم تفكيكها وبعد اسبوعين كانت المحاولة الثانية حيث تم زرع قنبلة يتم التحكم بها عن بعد بأحد قنوات الصرف الصحي قرب المسجد الذي يؤدي فيه صلاة الجمعة وتم تفجيرها عند مرور سيارة الشيخ فقتل مع أثنين من أبنائه رحمهم الله جميعا

ورغم مرور أكثر من ثلاثة عقود على تلك الجريمة فإن السلطات الباكستانية لم تفصح عن هوية الجناة بل إن مدير شرطة بيشاور في تلك الفترة قد صرح في مقابلة له مع مجلة الجهاد بأن الافصاح عن هوية الجناة يخص القيادة السياسية وليس من اختصاص أجهزة الأمن وهكذا غاب الشيخ عبد الله عزام رحمه الله عن ساحة الجهاد الأفغاني وترك ثغرة لم يستطع أحد سدها



20201-02-20
كاتب من بيت المقدس


الجمعة، 19 فبراير 2021

 

الجهاد الافغاني بين غلو التقديس وغلو التخوين
حقائق غائبة

الحلقة الثالثة عشر الجزء الأول

المؤمرات العالمية على الجهاد الأفغاني

مع وصول كورباتشوف إلى الكرملين أيقن الأمريكيون أن انسحاب الروس من أفغانستان بات مسألة وقت حيث أن  خسائر  الروس كانت تزداد بمرور الوقت وكان الأمريكيون يعلمون حجم تلك الخسائر لذلك عملوا على إطالة أمد الحرب لإيقاع أكبر قدر من الخسائر في طرفي الصراع بغية تحقيق هدفهم الاستراتيجي باسقاط الإتحاد السوفييتي وايقاع أكبر قدر من الخسائر بالمسلمين ظنا منهم أن ذلك يدمر أو يعرقل الصحوة الإسلامية التي أطلت برأسها في تلك الفترة  لذلك منعوا إيصال السلاح الفعال وخاصة الصواريخ المضادة للطائرات للأفغان وسمحوا بإيصال ٦٥٠ من صواريخ

ستيلنغر  المحمولة على الكتف عام ٨٨ عندما أيقنوا ان الحرب قد انتهت بهزيمة الروس ولم يكن لتلك الصواريخ أي تأثير في الحرب بل إن قسما منها لم يستخدم وعمل الأمريكان جاهدين لاستعادتها بعد سقوط نظام كابل وقد شاهدت بأم عيني أحد تلك الصواريخ داخل احدى سيارات الجيب التابعة للجمعية الإسلامية أي لم يكن محمولا بوضعية قتالية فكان وجوده لهدف استعراضي فقط كما لم أجد تلك الصواريخ في الجبهات التي زرتها وقد روج الأمريكيون ومن يدور في فلكهم بعد ذلك بأن المجاهدين فد تمكنوا من هزيمة الروس بسبب صواريخ ستيلنغر ويردد هذه المقولة بعض المخلصين من الإسلاميين الذين يجهلون هذه التفاصيل

التي تحدثنا عنها سابقا ولعل غاية الأمريكيين من ارسال تلك الصواريخ تشويه صورة الجهاد الأفغاني عند

المسلمين أو اقناع عامة المسلمين بأنه لا يمكنهم الاعتماد على الذات بعد التوكل على الله بل لابد من مساعدة الآخرين كما سعى الأمريكيون لإقناع المسلمين بعمالة المجاهدين الأفغان لهم ومن أجل ذلك استدرجوا وفدا من زعماء الجهاد لمقابلة الرئيس الأمريكي رونالد ريغن في البيت الأبيض وهذا أمر مخالف لأعراف السياسة الأمريكية حيث أن الرئيس الأمريكي لا يستقبل غير رؤساء الدول ومثل هؤلاء الناس يقابلون ضباطا في المخابرات الأمريكية فقط. وقد سلطت وسائل الاعلام الضوء على تلك المقابلة حيث امتدح ريغن الأفغان بعبارات رنانة وقد حذر الشيخ عبدالله عزام رحمه الله من كيد الأمريكيين في أكثر من مناسبة ومما أذكره مقالة له في مجلة الجهاد حول هذا الموضوع بعنوان أمريكا وتجارة الدماء كما انتقد تلك الزيارة المشؤومة واستدل بأقوال لعجوز السياسة الأمريكية الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون الذي طالب أثناء زيارته لباكستان في تلك الأثناء بتعاون أمريكا والاتحاد السوفيتي ضد الخطر الإسلامي القادم

ولم يتوقف الأمر عند هذا الأمر بل إن أمريكا مارست ضغوطا على باكستان لتقييد حركة الشيخ عبد الله عزام رحمه الله كما سعت لمنع تدفق الشباب العربي إلى أفغانستان وهذا ما ذكره الشيخ عبد الله رحمه الله وبالفعل فقد قامت سفارات باكستان بتعقيد إجراءات الحصول على تأشيرات السفر وهذا ما حصل معي شخصيا وقد تمكنت من الحصول على "الفيزا" بعد تزكية من لجنة أفغانستان السويدية وهي منظمة سويدية كانت تعمل في أفغانستان في تلك الأثناء كما حرصت أمريكا ومن يدور في فلكها على تكريس التفرقة بين الفصائل الأفغانية من خلال تقديم الدعم المادي لكل فصيل على حدا وحاربت بقوة كل محاولة للتقريب بين الفصائل القائمة فتم تصفية الشيخ كمال السنانيري رحمه الله في سجون السادات عام ٨١ بعد عودته من باكستان بسبب نجاحه بوقف الاقتتال الذي نشب بين الفصائل الأفغانية في تلك الفترة كما اغتيل الرئيس الباكستاني ضياء الحق(رحمه الله)مع ٢٨ من كبار ضباطه بحادث تحطم طائرة عسكرية وذلك في صيف عام ٨٨  وقتل معه السفير الأمريكي في باكستان والذي حرص ضياء الحق على اصطحابه لأنه كان لديه قناعة بأنه بات رأسه مطلوبا للأمريكيين بسبب موقفه من الجهاد الأفغاني ومن الملف النووي .كما أغتيل الشيخ عبد الله عزام في العام التالي لنفس السبب وهذا ما سنتطرق إليه بشيء من

التفصيل لاحقا إن شاء الله. كما أوقعت مخابرات إحدى الدول العربية الاقتتال بين الحزب الإسلامي وجماعة الدعوة إلى الكتاب والسنة في منطقة كونر واغتالت الشيخ جميل الرحمن رحمه الله في صيف عام ١٩٩١

وهكذا تكرست الخلافات بين الفصائل الأفغانية لتقع الفتنة الكبرى بعد دخول كابل

وقبل أن نختم هذا الفصل لابد لي أن أشير إلى معلومة سمعتها من مدير لجنة أفغانستان السويدية في بيشاور بداية عام ٨٩ حيث قال لي بأن الروس قدموا إلى مسؤولين كبار

في الأمم المتحدة خرائط لألفي حقل ألغام زرعوها في أفغانستان ولم يعرف الأفغان شيئا عن تلك الخرائط وقد دفعوا ثمن ذلك عشرات الآلاف من الضحايا وماتزال مناطق كثيرة من أفغانستان مزروعة بتلك الألغام التي تحصد المزيد من الضحايا وهذا يؤكد صحة هذه المعلومة

ونفس الأمر حصل في الصحراء الغربية في مصر أثناء الحرب العالمية الثانية حيث زرع الإنكليز والألمان ملايين الألغام ولم يقدموا أية معلومات عنها لحكومات مصر المتعاقبة وكانت النتيجة ألاف الضحايا وهذا يبين موقف أهل الكفر على اختلاف مللهم ونحلهم من أمة الإسلام فالعداء تاريخي والحرب مستمرة بكل أشكالها(ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا)



20201-02-19
كاتب من بيت المقدس


الخميس، 18 فبراير 2021

 الجهاد الافغاني بين غلو التقديس و غلو التخوين

حقائق غائبة


الحلقة الثانية عشر الجزء الثاني

كما أسلفنا فقد وصل إلى سدة الحكم عام ١٩٨٥ ميخائيل كورباتشوف والذي كان عليه مواجهة الكثير من المشكلات وكانت حرب أفغانستان أكثرها إلحاحا

لقد أيقن كورباتشوف استحالة الانتصار في تلك الحرب لذلك فكر بالانسحاب من أفغانستان فصدرت عنه التصريحات التي أشرنا إليها سابقا لكنه توسع بالعمليات العسكريه وهذا ما أشار إليه الشيخ عبد الله عزام(رحمه الله) في مقال افتتاحي لمجلة الجهاد  في ذلك العام حيث كان عنوان الافتتاحية الآن حمي الوطيس حيث شن الروس وعملاؤهم هجمات واسعة في عدد كبير من الجبهات مستخدمين كافة الأسلحة وتوسعوا باستخدام الطيران والصواريخ بعيدة المدى واستعملوا لأول مرة قوات الكوماندوس(الوحدات الخاصة) لمهاجمة مواقع المجاهدين في أعالي الجبال لكن تلك الهجمات باءت بالفشل ومني الروس بخسائر فادحة في الأرواح والعتاد هناك لجأ الروس للمكر والخديعة فأعلنوا استعدادهم للانسحاب من أفغانستان وعينوا عميلهم محمد نجيب الله رئيسا للبلاد بدل بابرك كارمال

لقد عمل نجيب الله في السنوات السابقة رئيسا لجهاز المخابرات(خاد)وكان الروس راضين عن أدائه لذلك وجدوه مناسبا لتلك المرحلة التي تميزت بالمؤامرات والدسائس على جميع الأصعدة

بدأ نجيب الله بإطلاق المبادرات التي تهدف لاستمالة الشعب فأعلن عن العفو عمن سماهم"الاخوة الغضاب" يعني المجاهدين والذين كان يسميهم قبل ذلك بالأشرار

كما بدأ بمراسلة بعض زعماء القبائل وحتى بعض قادة الجهاد ومنهم القائد الميداني الملا جلال الدين حقاني(حفظه الله) والذي كان يجيبه في كل مرة بجملة مختصرة(لا نجاة لك إلا بالإسلام) 

كما قام بتغييرات شكلية بدستور الدولة بحيث توحي لعامة الناس أن حكومة أفغانستان إسلامية كما غير اسم المخابرات(خاد)الذي كان اسمها يثير الرعب عند الناس فصار الاسم الجديد وزارة استعلاماتي دولتي(واد) 

إما على الصعيد العسكري فقد ازدادت خسائر الروس وعملائهم خاصة بعد أن نجح المجاهدون بالتعامل مع الحوامات كما أسلفنا وقد شاهدت بأم عيني الآليات المدمرة أو المعطوبة خلال زيارتي لأفغانستان كما شاهدت أكواما من الخردة في الجانب الباكستاني عند معبر الحدود مع أفغانستان كما شاهدت الأفغان ينقلون قطع الآليات المدمرة التي يستطيعون تحميلها على الدواب متجهين نحو معبر الحدود لبيعها للباكستانيين

هناك بدأ الروس بالتفاوض مع قادة المجاهدين وأعلنوا نيتهم الانسحاب وبالفعل فقد سحب الروس وحدات الدفاع الجوي المرافقة لقواتهم عام ٨٦ ثم  قاموا بسحب بقية قواتهم في عامي ٨٨ و٨٩ حيث أتم الروس انسحابهم في ربيع ذلك العام لكنهم واصلوا دعمهم لنظام كابل الذي استطاع الصمود ثلاث سنوات أخرى عندما دخل المجاهدون كابل عام ١٩٩٢ وقد تميزت هذه الفترة بكثرة المؤامرات على الجهاد الأفغاني وهذا ما سنتحدث عنه في الفصل القادم  إن شاء الله



20201-02-17
كاتب من بيت المقدس


الاثنين، 15 فبراير 2021

 

الجهاد الافغاني بين غلو التقديس و غلو التخوين

حقائق غائبة

مجريات الحرب في الساحة الأفغانية

الحلقة الثانية عشر
الجزء الأول

وهنا سنتحدث عن مجريات الأحداث خلال النصف الأول من عقد الثمانينات

كما ذكرنا سابقا بأن الجهاد في أفغانستان قد بدأ بصورة متواضعة في زمن محمد داوود خان في النصف الأول من عقد السبعينات ازداد ضراوة بعد وصول الشيوعيين إلى الحكم عام ١٩٧٨ ثم توسع أكثر بعد الغزو الروسي حيث أخذت القضية بعدا عالميا حيث تلاقت مصالح العالم الغربي ومعه الصين مع مصلحة المسلمين مع الإختلاف بمشاريع الأطراف المشاركة في الصراع ولايمكننا الحديث عن مجريات المعارك خلال تلك الفترة التي امتدت حتى بداية عام ٨٥ وسنكتفي هنا بتناول الموضوع بصورة مجملة نركز فيه على أهم الأحداث

كما ذكرنا سابقا دخل الروس إلى أفغانستان نهاية عام ٧٩ وكأي قوة احتلال فإنهم سيطروا على مراكز المدن الكبرى والطرق الرئيسية والمطارات وبالطبع فقد كان الروس متواجدين هناك قبل الغزو كما أسلفنا حيث كانوا يتحكمون بالجيش الأفغاني وأجهزة الأمن وجميع مفاصل الدولة وقاموا بتوسيع المؤسسة الأمنية التي كانت تسمى ألخاد وهي اختصار ل(خدمات أمن دولتي)وللروس خبرة كبيرة في قمع الحركات الشعبية كما أسلفنا

قام الروس أيضا بزيادة عدد الجيش الأفغاني مع تسليحه بأحدث الأسلحة وبالنسبة لتعداد الجيش الروسي فكانت حسب الأرقام المعلنة بحدود ١٢٠ الف وهذا الرقم يعتبر صغيرا(إذا صحت تلك المعلومات) بالنسبة لمساحة أفغانستان وتضاريسها الوعرة لذلك حاول الروس أن يجعلوا من الأفغان وقودا لتلك الحرب وهذا يعني الاعتماد الكبير على الجيش الأفغاني والميلشيات التي شكلوها وكانت الغالبية الساحقة من المجندين بشكل اجباري لذلك كانت عمليات الفرار تتم بصورة دائمة وعلى نطاق واسع مما أرغم الروس على الاعتماد على جيشهم في الكثير من العمليات فلجؤوا لعمليات الإبادة الجماعية للمناطق التي يتواجد بها المجاهدون واستخدموا كافة الأسلحة برا وجوا فاستعملوا القنابل العنفودية والفراغية والقنابل الحارقة والصواريخ الثقيلة وكان المجاهدون يحتمون في الجبال ويبقى الشيوخ والنساء والأطفال عرضة للموت نتيجة تلك العمليات مما أدى لموجة نزوح جماعية إلى باكستان وإيران

وأثناء الحرب توسع الروس باستعمال سلاح الجو وخاصة الحوامات(الهليوكوبتر) والتي كانت تؤذي المجاهدين أكثر من القوات البرية ولم يكن لدى المجاهدين وسائط دفاع جوي فعالة كالصواريخ المحمولة على الكتف بل إن أمريكا منعت إيصال هذا السلاح إلى الأفغان(كما حصل في الشام مع التفاوت باهداف الأمريكيين في الساحتين) بغية إطالة أمد الحرب لايقاع أكبر قدر من الخسائر في طرفي الصراع

لقد كانت  تلك الفترة قاسية جدا على الأفغان حيث استنفذ الروس كل مالديهم من قوة وخسة في تلك الحرب حتى أن بعض المراقبين قالوا إن الروس قد انتصروا تكتيكيا في تلك الفترة لكن المجاهدين كثفوا من استعمال المضادات الأرضية وصار لديهم خبرة كافية بالتعامل مع الحوامات والتي كانت مصفحة ضد الرصاص لكنها تحتوي نقطة ضعف قاتلة وهي المروحتين العلوية والخلفية فصار المجاهدون يركزون طلقاتهم نحو المراوح كما تمكنوا من اسقاطها في بعض الحالات باستعمال مضادات الدروع عندما تكون الحوامات محلقة فوق الوديان موازية لسفوح الجبال فيمكن استهدافها عند ذلك(وهذا ماذكره لي عدد من الاخوة الذين شاهدوا ذلك) ونجح المجاهدون بفضل الله وتسديده من اسقاط عدد كبير من المروحيات في السنوات التالية اضافة للخسائر الهائلة التي لحقت بالروس على الأرض فصارت أفغانستان مقبرة للجيش الروسي





20201-02-10

كاتب من بيت المقدس

الجمعة، 12 فبراير 2021


الجهاد الافغاني بين غلو التقديس و غلو التخوين

حقائق غائبة

الحلقة الحادية عشرة الجزء الثاني

اوضاع الإتحاد السوفييتي
كما ذكرنا سابقا كان الشيوعيون يشعرون بالنشوة في النصف الثاني من عقد السبعينات للأسباب التي ذكرناها سابقا يضاف إلى ذلك وجود ليونيد بريجينيف في سدة الحكم وهو ينتمي للجيل القديم من الشيوعيين أومن يسمون في عالم السياسة بالحرس القديم وهؤلاء قد عاصروا الإتحاد السوفيتي من بداية تأسيسه فتكلست أفكارهم على المفاهيم القديمة التي عفا عليها الزمن وتجاوزها الواقع فكانوا لايرون ما يجري حولهم من تحولات بمعنى أنهم لم يكونوا يرون إلا الإنجازات التي استطاع الشيوعيون تحقيقها في العقود الماضية وزاد من العمه(عمى البصيرة)عندهم ما أشرنا إليه سابقا من نجاحات  خلال عقد السبعينات
لذلك ارتكب بريجينيف حماقته بغزو أفغانستان كما أسلفنا ولم يكترث لكل المعطيات التي كانت تدل على أن أفغانستان لن تكون لقمة سائغة يسهل ابتلاعها وهضمها فواصل حماقته بارسال الجيوش وارتكاب المجازر واتبع سياسة الأرض المحروقة ولكن الله أهلكه نهاية عام ١٩٨٢ ليحل مكانه يوري أندروبوف والذي عمل رئيسا للمخابرات الروسية فكان أكثر إجراما من سلفه لكن الله أهلكه بعد ١٥ شهرا من تسلمه الحكم ليحل مكانه قسطنطين تشيرينكو فواصل نهج أسلافه بل تفوق عليهم فأهلكه الله بعد ١٣ شهرا من تسلمه الحكم فكان آخر الزعماء من الحرس القديم وهنا وجد الروس أن عليهم أن يضخوا دماء جديدة في قيادة الحزب الشيوعي فاختاروا رئيسا جديدا لاينتمي لجيل الحرس القديم لعله يوقف عجلة الإنهيار التي بدت ملامحها تلوح في تلك الفترة فاختاروا ميخائيل كورباتشوف لعله يستطيع أن يوقف عجلة الانهيار الذي بات وشيكا ولكن قد فات الأوان
في شهر آذار من عام ١٩٨٥ وصل إلى سدة الحكم آخر رؤساء الإتحاد السوفييتي ميخائيل كورباتشوف وهو من مواليد ١٩٣١ ويحمل مؤهلا جامعيا في القانون أي أنه محامي وكان يتمتع بثقافة عالية بعكس سابقيه الذين كان مؤهلهم الوحيد أقدميتهم في الحزب الحاكم
وصل غوربشوف إلى الحكم والإتحاد السوفييتي في حالة مزرية على جميع الأصعدة ماعدا الصعيد العسكري وأفضل وصف للإتحاد السوفييتي في ذلك الوقت بأنه دولة من العالم الثالث تملك ترسانة نووية وآلة عسكرية ضخمة فقط
لقد كان على غورباتشوف مواجهة الكثير من المعضلات بعد أن  وضع  الباحثون الروس أمامه كما هائلا من الدراسات والتقارير عن الكثير من المشكلات والمعضلات التي يعاني منها الاتحاد السوفييتي ومنها على سبيل المثال استفحال مشكلة الادمان على الكحول التي كانت تبتلع مليون ضحية في العام ومنها تأكل البنية التحتية وخاصة السكك الحديدية والنقل الجوي حتى صار سجل شركة الطيران ايروفلوت الروسية الأسوأ عالميا من حيث عدد الحوادث اضافة للتخلف في المجال العلمي والتقني مع انتشار كل أنواع الفساد وتفشي الرشوة والاختلاس وانتشارعصابات الاجرام حيث تفوقت المافيا الروسية على نظيراتها في دول العالم الأخرى إضافة للحرب في أفغانستان التي كلفت الروس خسائر مادية وبشرية فادحة وبعد عام من توليه الحكم وقعت كارثة مفاعل شارنوبيل التي تكتم عليها الروس واضطروا للافصاح عنها مرغمين بعد أن تحدثت الدول المجاورة(السويد بشكل خاص) عن وجود نشاط إشعاعي غير طبيعي في البيئة ولم يتمكن الروس من السيطرة على تلك الكارثة فطلبوا العون من الدول الغربية. فكانت تلك الحادثة فضيحه كبيرة للروس قوت من مركز غورباتشوف للمضي في برنامجه الإصلاحي الذي كان يصطدم ببقايا الحرس القديم
وبالفعل بدأ غورباتشوف برنامجه الإصلاحي فألف كتابه الشهير البريسترويكا والذي يعني إعادة البناء ودعا لما سماه الغلاسنوست أي الانفناح والشفافية وفيما يخص أفغانستان فقد وصف الحرب هناك بأنها جرح نازف في ظهر الإتحاد السوفييتي واعترف لأول مرة بأن الخسائر البشرية بلغت ١٥ ألف قتيل و٣٥ ألف جريح(كان ذلك عام ٨٦)ووافق على التفاوض مع الأفغان لإنهاء الحرب وفي عهده انسحب الروس من أفغانستان وفي عهده أيضا انتهت الحرب الباردة مع العالم الغربي وسقطت الأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية وسقط معها جدار برلين وتوحدت ألمانيا وفي عام ١٩٩٠ وبعد اجتياح الكويت من قبل العراق  تلقى الإتحاد السوفييتي قرضا مقداره أربع مليارات دولار من احدى الدول العربية الغنية ماليا(الفقيرة والغبية فيما عدا ذلك)كرشوة حتى لايستخدم الروس حق الفيتو في مجلس الأمن عند التصويت على جميع القرارات التي اتخذها المجلس آنذاك ضد العراق والتي كانت نتيجتها فرض العقوبات على العراق ثم شن الحرب ضده بداية العام التالي ثم فرض الحصار  عليه واحتلاله عام ٢٠٠٣ وتقديمه بعد ذلك على طبق من ذهب لإيران التي تمددت في المشرق العربي فباتت تحاصر جزيرة العرب من جميع الجهات

وفي العام التالي أي ١٩٩١ تفكك الاتحاد السوفييتي وسقطت الشيوعية كما تنبأ بذلك الكثيرون ومنهم سيد قطب رحمه الله والشيخ عبدالله عزام رحمه الله والذي تنبأ بأن غزو أفغانستان سيكون سببا في سقوط الاتحاد السوفييتي كما كان سببا بسقوط الامبراطورية البريطانية
وهكذا دخل العالم مرحلة تاريخية جديدة وهذا موضوع آخر لسنا بصدد الحديث عنه



2021-02-11
كاتب من بيت المقدس

 

الأربعاء، 10 فبراير 2021

الجهاد الافغاني بين غلو التقديس و غلو التخوين

حقائق غائبة


الحلقة الحادية عشر الجزء الأول

العوامل الإيجابية المؤثرة على ساحة الجهاد

كما ذكرنا سابقا فإن العالم الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية قد حزم أمره بدعم المقاومة الأفغانية (كما سموها) وذلك حماية لمصالحهم في جزيرة العرب كهدف آني كما كان الأمريكيون يريدون ترقيع هيبتهم بعد هزيمتهم المهينة في فيتنام وكان لديهم رغبة جامحة بهزيمة الاتحاد السوفيتي وتفكيكه وهذا ماحصل فيما بعد أما الصين فكان لديهم رغبة أيضا بهزيمة الروس كما أسلفنا

وأما الأمريكيون فكان لديهم هدف آخر(أفصحوا عنه لاحقا) وهو جعل أفغانستان محرقة لشباب الصحوة الإسلامية لذلك عمل الأمريكان على إطالة أمد الحرب بغية ايقاع أكبر قدر من الخسائر في طرفي الصراع وهذا ماسنفصل الحديث عنه لاحقا إن شاء الله

وكما ذكرنا فقد أوكلت مهمة دعم المجاهدين للدول العربية وباكستان التي تحولت لقاعدة خلفية للجهاد وذلك بحكم مجاورتها لأفغانستان مع وجود تداخل اجتماعي على طرفي الحدود. اضافة إلى ذلك فإن باكستان تعتبر أفغانستان عمقها الاستراتيجي في مواجهة مجوس الهند عدو المسلمين اللدود كما أن باكستان هي البوابة الوحيدة لأفغانستان على العالم كل ذلك أدى لتشابك في المصالح الحيوية لكلا البلدين اضافة للتداخل الاجتماعي على جانبي الحدود

وهناك عامل آخر أكثر أهمية من كل ما سبق وهو إمكانية تهديد الأمن الداخلي لباكستان عند وجود حكومة أفغانية تعادي باكستان حيث توجد عصبيات جاهلية عند بعض البشتون في منطقة الحدود (وهم على أية حال أقلية) وهذا ماحصل في عهد محمد داوود خان الذي استطاع تحريك بعض البشتون ضد حكومة إسلام أباد كما أن أحد الزعماء القوميين للبشتون قد هلك في تلك الفترة ونقلت جثته إلى جلال أباد ليدفن هناك لأنه يعتبر  باكستان دولة احتلال. كل هذه العوامل جعلت القضية الأفغانية مسألة مصيرية بالنسبة لباكستان حكومة وشعبا

 وأما مجوس الهند فلديهم درجة عالية من الخبث والدهاء فكانوا متحالفين مع الروس بسبب عدائهم مع الصين في ذلك الوقت بسبب خلافات حدودية كما أنهم يدورون في فلك السياسة الأمريكية كحال  نظام الهالك عبد الناصر ونظام النصيريين  في الشام لكن الهندوس يتعاملون مع الأمريكان من موقع الندية بعكس أنظمة الحكم العربية التي تتعامل معهم من موقع الدونية أي موقع العبد مع سيده

وعلى أية حال لم يكن الهندوس راضين عن الجهاد الأفغاني بل إنهم قدموا بعض الدعم لنظام كابل العميل للروس ولم يكن باستطاعتهم اشعال الحرب مع باكستان لجدية العالم الغربي ومعه الصين في حربهم مع الروس على الأرض الأفغانية إضافة لما سبق فقد كانت الهند تعاني من اضطرابات داخلية مع طائفة السيخ حيث قام الجيش الهندي بمهاجمة مايسمى "بالمعبد الذهبي" للسيخ وقتلوا عددا كبيرا منهم فرد السيخ باغتيال أنديرا غاندي رئيسة الوزراء في ذلك الوقت ومع ذلك فقد قامت المخابرات الهندية بتدبير بعض التفجيرات في باكستان تمكنت الأجهزة الأمنية الباكستانية من التعامل معها

وأما إيران النفاق فكانت منشغلة في تلك الفترة بالحرب مع العراق ومع ذلك فإنها لم تأل جهدا بالكيد للمسلمين في أفغانستان فأسست عدة مجموعات مسلحة من الشيعة الأفغان الذين كانوا يقومون بقطع طرق الإمداد على المجاهدين ولم يقوموا بأعمال تستحق الذكر ضد الروس أثناء فترة الجهاد وظهر دورهم التخرببي بعد انسحاب الروس كما سنرى لاحقا

على أية حال فقد تلاقت مصلحة المسلمين مع مصلحة العالم الغربي ومعه الصين فوق جبال الهندوكوش ولكل طرف مشروعه

فالعالم الغربي بقيادة أمريكا يريد حماية مصالحه في جزيرة العرب وتحطيم الإتحاد السوفييتي إضافة لتدمير الصحوة الإسلامية. والصين كانت تريد هزيمة الروس للأسباب التي ذكرناها

وأما المجاهدون الأفغان فكانوا يريدون تحرير بلدهم من الاحتلال الروسي واسقاط نظام كابل العميل وتفصيل نظام إسلامي على مقاس بلدهم كبقية فصائل العمل الإسلامي في مختلف البلدان ولم يتحدث أحد من قادة الجهاد (في حدود معرفتي) عن توحيد الأمة الإسلامية وإعادة الخلافة

وأما الحكومات العربية فليس لها أي هدف يستحق الذكر  سوى البقاء في كرسي الحكم وكما يقول المثل الانكليزي إذا لم يكن لديك مشروع فأنت جزء في مشروع الآخرين وهذا هو حال الحكومات العربية التي تنفذ مشاريع الآخرين مقابل البقاء في كرسي الحكم

وأما الشباب المسلم الذين هبوا لمساعدة  اخوانهم الأفغان فبعضهم جاء لهذه الغاية دون التفكير بأية أهداف لاحقة وأما الشيخ عبد الله عزام ومن التف حوله من الشباب المسلم فكان ينظر لأبعد من ذلك حيث كان يرى أفغانستان كبداية لانطلاقة كبرى تعيد للأمة الخلافة الاسلامية أو المنارة المفقودة كما سماها الشيخ عبد الله عزام رحمه الله وسنفرد فصلا كاملا لهذا الموضوع إن شاء الله

وحتى تكتمل الصورة لابد من الحديث عن حالة الاتحاد السوفييتي كأحد العوامل التي كانت في صالح الجهاد الأفغاني



20201-02-10

كاتب من بيت المقدس