الأحد، 14 مارس 2021

الجهاد الافغاني بين غلو التقديس وغلو التخوين
حقائق غائبة


الحلقة السابعة عشر
نشوء حركة طالبان

كما ذكرنا سابقا فقد أدى اقتتال المجاهدين بعد دخولهم كابل إلى تداعيات خطيرة جعلت الحياة جحيما لا يطاق في معظم المناطق داخل أفغانستان وقبل أن نتحدث عن نشوء حركة طالبان لابد من التذكير ببعض الحقائق التي ذكرنا بعضها فيما سبق

وأول تلك الحقائق أن غياب الرئيس الباكستاني الأسبق ضياء الحق وكذلك الشيخ عبد الله عزام قد أثر سلبا على الجهاد الأفغاني حيث لعب الرجلان دورا لا يمكن انكاره بتخفيف حدة الخلافات بين فصائل المجاهدين ومع ذلك لم يدخر الدعاة من خارج أفغانستان جهدا لوقف الاقتتال بين فصائل المجاهدين لكن تأثيرهم لم يكن كتأثير الشيخ عبد الله عزام(رحمه الله) الذي كان يحظى باحترام كبير عند زعماء المجاهدين لأنه أمضى سنوات من عمره معهم فتعرف عليهم وشاركهم الجهاد في الخطوط الأولى للجبهات لذلك كانوا يعتبرونه واحدا منهم بعكس الآخرين الذين يأتون من البلدان الأخرى ويقضون بعض الوقت في فنادق مدينة بيشاور يلتقون خلالها ببعض الزعامات ليعودوا بعد ذلك إلى بلدانهم وشتان بين رجال الخنادق ونزلاء الفنادق

كذلك سعى بعض القادة الأفغان كالقائد جلال الدين حقاني(رحمه الله) وهو من الذين لم يتورطوا في الاقتتال وكان دائما يسعى للتوفيق بين الفصائل المتناحرة ولكن دون جدوى إذ كانت المشكلة في غاية التعقيد مما جعلها عصية على الحل لتداخل الكثير من العوامل الذاتية وكذلك المؤامرات الخارجية والتي تحدث عنها اللواء حميد جول رئيس الاستخبارات العسكرية الباكستانية السابق(رحمه الله) في مقابلة له مع مجلة المجتمع الكويتية وأكد على أن لديه أدلة على تورط بعض الدول بإذكاء الفتنة بين فصائل المجاهدين لكنه لم يسم دولة بعينها والمتابعون للشأن الأفغاني يعرفون تلك الدول

وكما ذكرنا سابقا فإن أفغانستان تعتبر العمق الاستراتيجي لباكستان والتي من مصلحتها استقرار أفغانستان مع وجود حكومة أفغانية قويه ولا تضمر العداء لإسلام أباد لذا كان الإسلاميون الأفغان الخيار الأفضل لباكستان لبعدهم عن النزعة القومية من جهة ولوجود الترابط الفكري وحتى العضوي بين الإسلاميين في كلا البلدين من جهة أخرى  وهذا الموضوع من الأمور الثابتة في السياسة الباكستانية والتي تدعمها بقوة المؤسسة العسكرية(ذات التأثير في سياسة الحكومة الباكستانية) ويشكل البشتون العمود الفقري للجيش الباكستاني(حيث يشكلون ٤٠ بالمئة من الجيش الباكستاني رغم أنهم لا يشكلون سوى ١٨ بالمئة من مجموع السكان)

وهنا نعود للحديث عن نشأة حركة طالبان

لقد أدت الأوضاع المأساوية التي تحدثنا عنها داخل أفغانستان إلى تذمر شديد عند الغالبية العظمى من الأفغان فصار الجميع متلهفا لكل من يسعى لانتشالهم مما هم فيه

وبذلك صارت الظروف مهيئة لظهور طالبان أما كيف تشكلت الحركة فهناك من يقول أن المخابرات الباكستانية بادرت إلى تأسيسها وهذا ما يتبناه المناوئون للحركة من الأفغان وهناك من يتحدث عن اجتماع عدد من قادة الجهاد السابقين من بينهم الملا جلال الدين حقاني(رحمه الله)ومعهم عدد من طلبة العلوم الشرعية و الذين اتخذوا قرارهم بتأسيس الحركة وانطلقوا من مدينة قندهار حيث كانت معظم مناطق أفغانستان تعاني فراغا أمنيا ولا سيطرة لحكومة كابل عليها إنما تخضع لسيطرة القادة المحليين وبذلك تمكنت الحركة من السيطرة بسرعة فائقة على مناطق شاسعة في جنوب وشرق أفغانستان حيث يتركز البشتون وخاصة أنصار الحزب الإسلامي الذي يتزعمه غلب الدين حكمتيار والحزب الإسلامي الذي يتزعمه الملا يونس خالص(رحمه الله) حيث انضم قسم كبير من عناصر الحزبين  للحركة دون مواجهات تذكر خاصة جماعة يونس خالص حيث أن الملا حقاني كان أكبر القادة الميدانيين في هذه الجماعة وعندها بادرت الحكومة الباكستانية لاحتضان الحركة ظنا منهم أن بإمكانهم التحكم بحركة طالبان مستقبلا وهذا ما أثبتت الأحداث فيما بعد عدم صحته

لقد نجحت الحركة بتحقيق الأمن في المناطق التي سيطرت عليها فقامت بمكافحة كل أشكال الجريمة بكل حزم وبذلك شعر الناس بالأمان وبذلك اكتسبت طالبان الشرعية وباشرت بتوسيع مناطق نفوذها حيث بدأ الكثير من المخلصين بالانضمام للحركة

طواعية ومن أبى ذلك كان لابد من مقاتلته إذ أن القيادات السابقة قد أثبتت فشلها وأذاقت المسلمين الويلات وبذلك فقدت شرعيتها فكان عليها أن تتنحى ومن أبى التنحي كان لابد من مقاتلته لأن مصلحة الأمة مقدمة على كل المصالح الضيقة

وبعد عامين من تأسيس الحركة دخل مجاهدوها مدينة كابل

لتدخل بعد ذلك حركة طالبان ومعها أفغانستان في مرحلة جديدة سنتحدث عنها في الفصل القادم إن شاء الله




20201-03-15
كاتب من بيت المقدس


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق