الأربعاء، 10 مارس 2021

 الجهاد الافغاني بين غلو التقديس وغلو التخوين
حقائق غائبة

الحلقة السادسة عشر
الاقتتال بين فصائل المجاهدين

دخل المجاهدون مدينة كابل نهاية شهر نيسان عام ١٩٩٢ بعد أن اقتتلوا على مداخلها كما ذكرنا سابقا والاقتتال بين المسلمين من الامور الموجعة لكل مسلم وهي من الصفحات السوداء في تاريخنا السياسي وهذا الأمر قد حصل عندما كانت أمتنا في حالة القوة والتمكين كما حصل أيضا عندما كنا في مراحل الضعف بل عندما كنا مهددين بالغزو الخارجي وهذا موضوع فيه تفصيل كثير وسنكتفي هنا بالحديث عن أفغانستان حيث تطرقنا سابقا للحديث عن أسباب التشرذم في ساحة الجهاد ولا حاجة لتكرار كل ما ذكرناه سابقا

لقد دخلت الجماعات الإسلامية ساحة الجهاد بصورة متفرقة فكان لكل جماعة زعامتها ورايتها الخاصة بها ولم يعد بالإمكان توحيد تلك الجماعات بعد أن صارت ذات شوكة وقد ذكر الشيخ عبد الله عزام رحمه الله أن فصائل المجاهدين قد اقتتلت فيما بينها عام ٨١ وقد وفق الله الداعية كمال السنانيري(كما ذكرنا سابقا) لوقف ذلك الاقتتال وبمرور الوقت ترسخت الولاءات الحزبية وغيرها من الولاءات الضيقة لدى فصائل الجهاد التي تحولت إلى جماعات مقاتلة تحمل أسماء إسلامية مثل الحزب الإسلامي والجمعية الاسلامية وعلى رأسها زعامات(لا قيادات) ذات طابع قبلي أو عرقي أو غيره أما القواعد فتضم كل من  هب ودب ويذكر الأخ محمود سعيد عزام في كتابه شيخي الذي عرفت أن الشيخ عبد الله عزام سأل حكمتيار عن اغتيال أحد قادته الميدانيين لمجموعة من قادة الجمعية الإسلامية هل له علم بذلك فأجابه بالنفي فقال له الشيخ كيف يحصل ذلك دون علمك فأجابه حكمتيار بأن بعض القبائل عندما تنضم لحزب معين تضع شرطا أن يؤمر عليهم شخصا هم يحددونه وقد يكون هذا الشخص أميا فيضطر الحزب للقبول بهذا الشرط وإلا ستنضم القبيلة لحزب آخر

وهذه الرواية تبين أن فصائل الجهاد كانت تضم في صفوفها بل ويصل إلى سلم القيادة فيها كل من هب ودب وهكذا تصبح الولاءات الضيقة سيدة الموقف

فلا مكان لإخوة العقيدة عند الكثيرين بل إن العقل قد يغيب تماما في كثير من الأحيان فتندلع الخلافات لأتفه الأسباب ويكون الاحتكام إلى السلاح سيد الموقف

لقد سعى الكثير من الدعاة وعلى رأسهم الشيخ عبد الله عزام لجمع فصائل المجاهدين تحت راية واحدة ولكن دون جدوى وكذلك فعل الرئيس الباكستاني ضياء الحق رحمه الله وبمرور الوقت اضطر الجميع للتسليم بالواقع القائم بعد أن يئسوا من توحيد الراية فصاروا يركزون على الهدف الرئيسي وهو محاربة الروس وعملائهم دون الالتفات إلى السلبيات الموجودة في صفوف المجاهدين والتي كان أخطرها تعدد الرايات

وبغياب ضياء الحق والشيخ عبد الله عزام رحمهما الله بات وقوع الفتنة بين فصائل المجاهدين أمرا مؤكدا وهذا ما حذر منه الكثيرون منذ وقت مبكر وهنا لابد لي أن أشير لدراسة كتبها محمد مزمل زمان  وهو أحد الدعاة الأفغان وينتمي لجماعة عبد رب الرسول سياف بعد انسحاب الروس حيث نشر في مجلة الجهاد دراستين الأولى بعنوان كابل تبحث عن الفاتحين خلص فيها إلى حتمية سقوط نظام كابل وفي دراسته الثانية والتي كان عنوانها كابل أدركوها قبل الفتح والتي بين فيها إلى حتمية اقتتال فصائل المجاهدين بعد دخول كابل مبينا جميع الأسباب المؤدية لذلك ومع ذلك لم يستطع أحد تدارك الفتنة لفوات الأوان

وكما ذكرنا سابقا فإن الاقتتال كان بشكل رئيسي بين أكبر فصيلين وهما الجمعية الإسلامية والحزب الإسلامي حيث دخل مقاتلو الجمعية مدينة كابل بقيادة أحمد شاه مسعود والذي اصبح وزيرا للدفاع في الحكومة الجديدة كما صار برهان الدين رباني زعيم الجمعية رئيسا للحكومة الجديدة مما أدى لشعور غلب الدين حكمتيار بالغبن فبادر لقصف مدينة كابل من الجبال المحيطة بها كما حصل اقتتال داخل مدينة كابل بين جماعة سياف(الاتحاد الإسلامي)والرافضة " حزب الوحدة  الإسلامية" وكان هذا الاقتتال مادة للتندر في القنوات الفضائية

لقد أدى هذا الاقتتال لالحاق دمار كبير في المدينة وقتل الآلاف من سكانها كما دمر العديد من المساجد الأثرية أيضا

لقد ظلت كابل آمنة طوال الفترة الماضية لأنها كانت تحت سيطرة الروس وعملائهم فلم تكن ساحة حرب كما كانت الأرياف والمناطق النائية

لقد استغلت إيران النفاق ذلك الاقتتال فقامت بسرقة الكثير من المعدات العسكرية بما فيها الطائرات من منطقة هيرات. كما تفشت زراعة المخدرات وانتشرت عصابات الاجرام وقطاع الطرق فلم يعد أحد من الأفغان يأمن على نفسه وعرضه وماله وهكذا شهدت البلاد موجة جديدة من النزوح الى البلدان المجاورة بدل عودتهم إلى أفغانستان

و هكذا تحول قادة الجهاد إلى امراء حرب فسقطوا معنويا وفقدوا احترامهم لدى مسلمي أفغانستان مما مهد الطريق لظهور حركة طالبان بعد عامين من دخول المجاهدين إلى كابل

وهذا ما سنتحدث عنه في الفصل القادم إن شاء الله.



20201-03-10
كاتب من بيت المقدس


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق