الحلقة الخامسة عشر
الطريق إلى كابل
كما ذكرنا سابقا فقد أتم الروس انسحابهم من أفغانستان ربيع عام ٨٩ بعد أن تركوا خلفهم ترسانة كبيرة من السلاح مع جيش عرمرم من القوات النظامية والأجهزة الأمنية والميليشيات الموالية للنظام
ظن كثيرون أن نظام كابل سيسقط بمجرد انسحاب الروس لكن الواقع أثبت عكس ذلك إذ استطاع نظام كابل الصمود ثلاث سنوات بعد انسحاب الروس وهذا الأمر له أسباب عدة
أولها كما ذكرنا تفوق الجيش الأفغاني من ناحية العدد والعدة وحتى من ناحية تكتيكات المعارك حيث كان الروس وعملاؤهم يقاتلون بطريقة مدروسة بعكس فصائل المجاهدين التي كانت تقاتل بصورة غير مدروسة وأحيانا بصورة عبثية وقد شاهدت بأم عيني أثناء زيارتي لأحد جبهات القتال كيفية تموضع المجاهدين بطريقة عشوائية تشبه معسكرات الكشافة أو معسكرات الجيوش في حالات السلم أي أن الإنسان لا يشعر أنه في جبهة قتال يمكن أن يتعرض للقصف في أية لحظة
كما سألني الاخوة عما إذا كنت أرغب بإطلاق الصواريخ باتجاه الأعداء وقد وقفت أمام راجمة الصواريخ ومع ذلك فقد رفضت الضغط على الزر المخصص لذلك طالبا منهم ألا يضيعوا الذخيرة عبثا بلا هدف محدد ومدروس كمهاجمة أحد المواقع مثلا وقد قرأت في أحد دوريات المجاهدين في حينها عن عمليات إضاعة الذخيرة عبثا فعلمت أن ما رأيته لم يكن حالة استثنائية
٢- تورط جميع رموز نظام كابل بمن فيهم ضباط الجيش وقادة الميليشيات بالجرائم التي وقعت أثناء الاحتلال الروسي فكان عليهم القتال حتى النهاية لأنهم سيتعرضون للقتل إذا وقعوا بأيدي المجاهدين رغم اعلان المجاهدين العفو عن كل من يتخلى عن نظام كابل ومع ذلك فقد تمسك الكثيرون بمواقعهم وظلوا يقاتلون طوال هذه السنوات
٣- ومن الأسباب أيضا تفرق صف المجاهدين وعدم وجود التنسيق فيما بينهم وهذا ما سنتحدث عنه لاحقا إن شاء الله
٤- انتقال المجاهدين من مرحلة حرب الاستنزاف إلى مرحلة تحرير المدن التي تختلف تماما عما سبقها إضافة لما يتطلبه تحرير المدن من أسلحة ثقيلة وجيوش نظامية لا تتوفر لدى فصائل المجاهدين كما أن الروس قد حصنوا المدن الرئيسية بخطوط دفاع قوية قبل انسحابهم مما صعب المهمة على المجاهدين وقد شاهدت بأم عيني محاولة المجاهدين تحرير مدينة جلال أباد في ربيع عام ٨٩ والتي كلفت المجاهدين الكثير دون تحقيق أي تقدم مما أرغمهم في التخلي عن هذا الهدف
٥- كانت معظم المدن تكتظ بالأهالي لأنها كانت مناطق آمنة لا تتعرض للقصف من قبل الروس وعملائهم لأنها تحت سيطرتهم وهذا أيضا مما صعب على المجاهدين عملهم
٦- حقول الألغام الكثيرة التي زرعها الروس وعملاؤهم حول المواقع العسكرية والتي أوقعت ألاف الضحايا في صفوف الأفغان وقد ذكرت سابقا أن الروس سلموا مسؤولي الأمم المتحدة خرائط بألفي حقل للألغام
وعلى أية حال سنكتفي بالحديث عن هذا الموضوع بصورة مجملة
في هذه الأثناء لجأ النظام لاستعمال كل ما لديه من أسلحة حيث بالغ باستعمال صواريخ سكود التي بحوزته ومع ذلك لم يحرز أي انجاز يستحق الذكر
إذ تابع المجاهدون عملهم في الأطراف باستنزاف القوات الحكومية واستمرت عمليات فرار الجنود وحتى كبار الضباط لأن غالبيتهم كانوا مقتنعين باستحالة هزيمة المجاهدين رغم كل ما ذكرناه سابقا
ومهما يكن من أمر فقد سقط الاتحاد السوفييتي نهاية عام ٩١ وانشغل العالم وخاصة الدول الغربية بتداعيات ذلك الحدث كما انكشفت جميع الأنظمة التي كانت تعتمد عليه لأن روسيا الاتحادية التي ورثت تركة الاتحاد السوفييتي كانت تعاني من أزمة اقتصادية طاحنة جعلت الروس يتخلون عن جميع أتباعهم ومن بينهم نظام كابل مما أثر على معنويات كبار ضباط الجيش وقادة الميليشيات الذين سارع بعضهم بالانشقاق عن نظام كابل ومنهم عبد الرشيد دوستم قائد الميلشيات الأوزبكية مما سهل على المجاهدين دخول كابل رغم اقتتالهم على أبوابها وهنا دخلت قضية المسلمين في أفغانستان في أخطر مراحلها حيث كان الاقتتال بين فصائل المجاهدين سيد الموقف
وهذا ما سنتحدث عنه في الفصل القادم إن شاء الله
20201-03-06
كاتب من بيت المقدس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق