السبت، 6 مارس 2021

 الجهاد الافغاني بين غلو التقديس وغلو التخوين
حقائق غائبة

الحلقة الخامسة عشر
الطريق إلى كابل

كما ذكرنا سابقا فقد أتم الروس انسحابهم من أفغانستان ربيع عام ٨٩ بعد أن تركوا خلفهم ترسانة كبيرة من السلاح مع جيش عرمرم من القوات النظامية والأجهزة الأمنية والميليشيات الموالية للنظام

ظن كثيرون أن نظام كابل سيسقط بمجرد انسحاب الروس لكن الواقع أثبت عكس ذلك إذ استطاع نظام كابل الصمود ثلاث سنوات بعد انسحاب الروس وهذا الأمر له أسباب عدة

أولها كما ذكرنا تفوق الجيش الأفغاني من ناحية العدد والعدة وحتى من ناحية تكتيكات المعارك حيث كان الروس وعملاؤهم يقاتلون بطريقة مدروسة بعكس فصائل المجاهدين التي كانت تقاتل بصورة غير مدروسة وأحيانا بصورة عبثية وقد شاهدت بأم عيني أثناء زيارتي لأحد جبهات القتال كيفية تموضع المجاهدين بطريقة عشوائية تشبه معسكرات الكشافة أو معسكرات الجيوش في حالات السلم أي أن الإنسان لا يشعر أنه في جبهة قتال يمكن أن يتعرض للقصف في أية لحظة

كما سألني الاخوة عما إذا كنت أرغب بإطلاق الصواريخ باتجاه الأعداء وقد وقفت أمام راجمة الصواريخ ومع ذلك فقد رفضت الضغط على الزر المخصص لذلك طالبا منهم ألا يضيعوا الذخيرة عبثا بلا هدف محدد ومدروس كمهاجمة أحد المواقع مثلا وقد قرأت في أحد دوريات المجاهدين في حينها عن عمليات إضاعة الذخيرة عبثا فعلمت أن ما رأيته لم يكن حالة استثنائية

٢- تورط جميع رموز نظام كابل بمن فيهم ضباط الجيش وقادة الميليشيات بالجرائم التي وقعت أثناء الاحتلال الروسي فكان عليهم القتال حتى النهاية لأنهم سيتعرضون للقتل إذا وقعوا بأيدي المجاهدين رغم اعلان المجاهدين العفو عن كل من يتخلى عن نظام كابل ومع ذلك فقد تمسك الكثيرون بمواقعهم وظلوا يقاتلون طوال هذه السنوات

٣- ومن الأسباب أيضا تفرق صف المجاهدين وعدم وجود التنسيق فيما بينهم وهذا ما سنتحدث عنه لاحقا إن شاء الله

٤- انتقال المجاهدين من مرحلة حرب الاستنزاف إلى مرحلة تحرير المدن التي تختلف تماما عما سبقها إضافة لما يتطلبه تحرير المدن من أسلحة ثقيلة وجيوش نظامية لا تتوفر لدى فصائل المجاهدين كما أن الروس قد حصنوا المدن الرئيسية بخطوط دفاع قوية قبل انسحابهم مما صعب المهمة على المجاهدين وقد شاهدت بأم عيني محاولة المجاهدين تحرير مدينة جلال أباد في ربيع عام ٨٩ والتي كلفت المجاهدين الكثير دون تحقيق أي تقدم مما أرغمهم في التخلي عن هذا الهدف

٥- كانت معظم المدن تكتظ بالأهالي لأنها كانت مناطق آمنة لا تتعرض للقصف من قبل الروس وعملائهم لأنها تحت سيطرتهم وهذا أيضا مما صعب على المجاهدين عملهم

٦- حقول الألغام الكثيرة التي زرعها الروس وعملاؤهم حول المواقع العسكرية والتي أوقعت ألاف الضحايا في صفوف الأفغان وقد ذكرت سابقا أن الروس سلموا مسؤولي الأمم المتحدة خرائط بألفي حقل للألغام

وعلى أية حال سنكتفي بالحديث عن هذا الموضوع بصورة مجملة

في هذه الأثناء لجأ النظام لاستعمال كل ما لديه من أسلحة حيث بالغ باستعمال صواريخ سكود التي بحوزته ومع ذلك لم يحرز أي انجاز يستحق الذكر

إذ تابع المجاهدون عملهم في الأطراف باستنزاف القوات الحكومية واستمرت عمليات فرار الجنود وحتى كبار الضباط لأن غالبيتهم كانوا مقتنعين باستحالة هزيمة المجاهدين رغم كل ما ذكرناه سابقا

ومهما يكن من أمر فقد سقط الاتحاد السوفييتي نهاية عام ٩١ وانشغل العالم وخاصة الدول الغربية بتداعيات ذلك الحدث كما انكشفت جميع الأنظمة التي كانت تعتمد عليه لأن روسيا الاتحادية التي ورثت تركة الاتحاد السوفييتي كانت تعاني من أزمة اقتصادية طاحنة جعلت الروس يتخلون عن جميع أتباعهم ومن بينهم نظام كابل مما أثر على معنويات كبار ضباط الجيش وقادة الميليشيات الذين سارع بعضهم بالانشقاق عن نظام كابل ومنهم عبد الرشيد دوستم قائد الميلشيات الأوزبكية مما سهل على المجاهدين دخول كابل رغم اقتتالهم على أبوابها وهنا دخلت قضية المسلمين في أفغانستان في أخطر مراحلها حيث كان الاقتتال بين فصائل المجاهدين سيد الموقف

وهذا ما سنتحدث عنه في الفصل القادم إن شاء الله


20201-03-06
كاتب من بيت المقدس




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق