الثلاثاء، 23 فبراير 2021

الجهاد الافغاني بين غلو التقديس وغلو التخوين
حقائق غائبة 


الحلقة الثالثة عشر الجزء الثاني
الشيخ عبد الله عزام رحمه الله

لا يستطيع أي دارس للتجربة الأفغانية أن يتجاهل هذا الرجل لا لدوره المميز في القضية بل للأثر الذي تركه من بعده ونسأل الله أن يجعل ذلك في ميزان حسناته. وهنا لابد لنا من لمحة مختصرة عن خلفية الشيخ نبني عليها ما بعدها

ولد الشيخ في سيلة الحارثية التابعة لمدينة جنين في الضفة الغربية لنهر الأردن عام ١٩٤١ وأتم دراسته فيها ثم تخرج من كلية الشريعة في جامعة دمشق عام ١٩٦٦ وكان قد التحق بجماعة الإخوان المسلمين قبل ذلك وفي عام ٦٧  احتل الكيان اليهودي الضفة الغربية فانتقل الشيخ إلى شرق الأردن ليلتحق بمعسكر الشيوخ التابع لمنظمة فتح الذي تجمع فيه الشباب المسلم الراغب بالجهاد ضد الكيان اليهودي وبقي هناك حتى أيلول عام ١٩٧٠ عندما اندلعت الاشتباكات بين "فصائل المقاومة" والجيش ”الأردني" حيث وقف الإسلاميون على الحياد في تلك الحرب وأثناء هذه  الفترة حصل على درجة الماجستير من جامعة الأزهر ثم حصل على الدكتوراة بعد ذلك وعمل أستاذا في الجامعة الأردنية وصدر قرار بفصله من التدريس وتم تخييره بين العودة للعمل على ألا يتكلم في أمور السياسة ولكنه ترك العمل وانتقل للعمل في جامعة الملك عبد العزيز في جدة في بداية الثمانينات والتي عمل فيها ثلاثة فصول دراسية لينتقل

بعد ذلك إلى إسلام أباد ليعمل في الجامعة الإسلامية هنآك ومنها انتقل إلى مدينة بيشاور الباكستانية ليبدأ رحلته  التي ترك فيها أثرا تاريخيا له ما بعده

ب -التحاقه بالجهاد الأفغاني

نلاحظ مما سبق أن الشيخ قد جمع عدة مزايا تؤهله ليكون رجل المرحلة فهو يحمل مؤهلا في العلم الشرعي كما يحمل التفكير الحركي ذو البعد العالمي بسبب انضمامه للإخوان المسلمين كما أخذ السلفية من خلال احتكاكه بعلماء الجزيرة العربية يضاف إلى ذلك ممارسته الفعلية في ساحة الجهاد ضد العدو اليهودي فاذا أضفنا إلى ذلك شعوره الدائم بالظلم الذي يتعرض له المسلمون في شتى بقاع الأرض كيف لا وهو أحد ضحايا ذلك الظلم لأن بلده(بيت المقدس) بات مغتصبا من الكيان اليهودي كل ذلك أثر على تفكيره  مما جعله يقدم طرحا مميزا في الفكر الإسلامي المعاصر لذلك يعتبره الكثيرون الأب الروحي لظاهرة الجهاد العالمي التي فرضت نفسها فيما بعد لذلك وجد في الجهاد الأفغاني فرصته المناسبة لممارسة فريضة الجهاد التي كان تواقا لها بعد أن تعذر عليه ممارستها في بيت المقدس ولإيمانه بأن جراح المسلمين واحدة سواء أكانت في بيت المقدس أو أفغانستان أو غيرها لذلك لعب الشيخ دورا مهما بعد انتقاله إلى بيشاور حيث كان صلة الوصل بين الأفغان واخوانهم العرب إضافة للمشاريع الكثيرة التي أسسها وسنكتفي بذكر بعضها وأولها مكتب خدمات المجاهدين إضافة لمجلة الجهاد التي كان يبث من خلالها طروحاته وكذلك قام بتأسيس العديد من المدارس والمشاريع التعليمية في المنطقة الحدودية وداخل أفغانستان ومن أراد معرفة المزيد فيمكنه الرجوع لكتاب شيخي الذي عرفت وموسوعة الذخائر وهي موجودة الكترونيا ولعل أخطر الأعمال التي قام بها طروحاته المميزة التي كان يركز فيها على فرضية الجهاد في عصرنا الحاضر والذي سماه بالفريضة الغائبة وكذلك تأكيده على ضرورة استعادة الخلافة الإسلامية والتي سماها المنارة المفقودة وكان يؤكد دائما على أن تحقيق هذا الهدف لم ولن يتم إلا بالجهاد

والعمل الثاني الذي أداه والذي لا يقل خطورة عما سبق هو سعيه الدؤوب للتوفيق بين فصائل المجاهدين الأفغان وقد دفع حياته ومعه أثنين من أبنائه ثمنا لذلك

ج-اغتيال الشيخ عبد الله عزام

لقد حرص أعداء امتنا على تفرقة صفوف المجاهدين حتى لا يتحقق الهدف النهائي للجهاد وهو اقامة حكم الله في الأرض اضافة لتوهين عزيمة الأمة وابعادها عن طريق الجهاد وذلك بتشويه صورة المجاهدين الذين يتقاتلون فيما بينهم وهذا ما حصل بالفعل لذلك حرص الشيخ عبد الله عزام ومعه المخلصون من أبناء الأمة على وحدة الكلمة ونزع فتيل الصراع في كل مرة يحصل فيها الاقتتال بين الفصائل وهذا الأمر لم يرق لأعداء الأمة الذين كانوا يرصدون جميع تحركاته وآخر ما قام به في هذا المجال هو محاولته جمع غلب الدين حكمتيار(زعيم الحزب الإسلامي)وأحمد شاه مسعود(من الجمعية الإسلامية) وقد تكبد عناء السفر مع حكمتيار إلى وادي بنشير وأثناء تلك الرحلة قام أحد قادة الحزب الإسلامي بفتل عدد من قادة الجمعية الإسلامية فرجع حكمتيار من تلك الرحلة وتابع الشيخ السفر حيث التقى بأحمد شاه مسعود وأخذ منه تعهدا بأن يقتصر على القصاص من القاتل دون غيره وقال له أحمد مسعود بأنه على استعداد للموافقة على أية ترتيبات يقترحها الشيخ مع حكمتيار وهذا ما ذكره الشيخ في أكثر من مناسبة بعد ذلك وقد قرأت ذلك في نشرة صدى الجهاد التي صدرت في تلك الفترة

هناك اصيب الأمريكيون بالجنون حيث قالت مسؤولة الملف الأفغاني في القنصلية الأمريكية في بيشاور بأننا لن نسمح لأحد أن يتدخل بالوضع السياسي في أفغانستان أي بتعبير آخر لا يريدون أي محاولة لتوحيد الفصائل الأفغانية وخاصة الحزب الإسلامي والجمعية الإسلامية لأن ذلك يخرب خططهم المستقبلية

بعد ذلك أصبح اغتيال الشيخ رحمه الله أمرا ملحا وقد جرت المحاولة الأولى لاغتياله بوضع قنبلة تحت المنبر الذي كان يخطب فيه يوم الجمعة لكن الله سلمه من تلك المحاولة حيث اكتشفت القنبلة وتم تفكيكها وبعد اسبوعين كانت المحاولة الثانية حيث تم زرع قنبلة يتم التحكم بها عن بعد بأحد قنوات الصرف الصحي قرب المسجد الذي يؤدي فيه صلاة الجمعة وتم تفجيرها عند مرور سيارة الشيخ فقتل مع أثنين من أبنائه رحمهم الله جميعا

ورغم مرور أكثر من ثلاثة عقود على تلك الجريمة فإن السلطات الباكستانية لم تفصح عن هوية الجناة بل إن مدير شرطة بيشاور في تلك الفترة قد صرح في مقابلة له مع مجلة الجهاد بأن الافصاح عن هوية الجناة يخص القيادة السياسية وليس من اختصاص أجهزة الأمن وهكذا غاب الشيخ عبد الله عزام رحمه الله عن ساحة الجهاد الأفغاني وترك ثغرة لم يستطع أحد سدها



20201-02-20
كاتب من بيت المقدس


الجمعة، 19 فبراير 2021

 

الجهاد الافغاني بين غلو التقديس وغلو التخوين
حقائق غائبة

الحلقة الثالثة عشر الجزء الأول

المؤمرات العالمية على الجهاد الأفغاني

مع وصول كورباتشوف إلى الكرملين أيقن الأمريكيون أن انسحاب الروس من أفغانستان بات مسألة وقت حيث أن  خسائر  الروس كانت تزداد بمرور الوقت وكان الأمريكيون يعلمون حجم تلك الخسائر لذلك عملوا على إطالة أمد الحرب لإيقاع أكبر قدر من الخسائر في طرفي الصراع بغية تحقيق هدفهم الاستراتيجي باسقاط الإتحاد السوفييتي وايقاع أكبر قدر من الخسائر بالمسلمين ظنا منهم أن ذلك يدمر أو يعرقل الصحوة الإسلامية التي أطلت برأسها في تلك الفترة  لذلك منعوا إيصال السلاح الفعال وخاصة الصواريخ المضادة للطائرات للأفغان وسمحوا بإيصال ٦٥٠ من صواريخ

ستيلنغر  المحمولة على الكتف عام ٨٨ عندما أيقنوا ان الحرب قد انتهت بهزيمة الروس ولم يكن لتلك الصواريخ أي تأثير في الحرب بل إن قسما منها لم يستخدم وعمل الأمريكان جاهدين لاستعادتها بعد سقوط نظام كابل وقد شاهدت بأم عيني أحد تلك الصواريخ داخل احدى سيارات الجيب التابعة للجمعية الإسلامية أي لم يكن محمولا بوضعية قتالية فكان وجوده لهدف استعراضي فقط كما لم أجد تلك الصواريخ في الجبهات التي زرتها وقد روج الأمريكيون ومن يدور في فلكهم بعد ذلك بأن المجاهدين فد تمكنوا من هزيمة الروس بسبب صواريخ ستيلنغر ويردد هذه المقولة بعض المخلصين من الإسلاميين الذين يجهلون هذه التفاصيل

التي تحدثنا عنها سابقا ولعل غاية الأمريكيين من ارسال تلك الصواريخ تشويه صورة الجهاد الأفغاني عند

المسلمين أو اقناع عامة المسلمين بأنه لا يمكنهم الاعتماد على الذات بعد التوكل على الله بل لابد من مساعدة الآخرين كما سعى الأمريكيون لإقناع المسلمين بعمالة المجاهدين الأفغان لهم ومن أجل ذلك استدرجوا وفدا من زعماء الجهاد لمقابلة الرئيس الأمريكي رونالد ريغن في البيت الأبيض وهذا أمر مخالف لأعراف السياسة الأمريكية حيث أن الرئيس الأمريكي لا يستقبل غير رؤساء الدول ومثل هؤلاء الناس يقابلون ضباطا في المخابرات الأمريكية فقط. وقد سلطت وسائل الاعلام الضوء على تلك المقابلة حيث امتدح ريغن الأفغان بعبارات رنانة وقد حذر الشيخ عبدالله عزام رحمه الله من كيد الأمريكيين في أكثر من مناسبة ومما أذكره مقالة له في مجلة الجهاد حول هذا الموضوع بعنوان أمريكا وتجارة الدماء كما انتقد تلك الزيارة المشؤومة واستدل بأقوال لعجوز السياسة الأمريكية الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون الذي طالب أثناء زيارته لباكستان في تلك الأثناء بتعاون أمريكا والاتحاد السوفيتي ضد الخطر الإسلامي القادم

ولم يتوقف الأمر عند هذا الأمر بل إن أمريكا مارست ضغوطا على باكستان لتقييد حركة الشيخ عبد الله عزام رحمه الله كما سعت لمنع تدفق الشباب العربي إلى أفغانستان وهذا ما ذكره الشيخ عبد الله رحمه الله وبالفعل فقد قامت سفارات باكستان بتعقيد إجراءات الحصول على تأشيرات السفر وهذا ما حصل معي شخصيا وقد تمكنت من الحصول على "الفيزا" بعد تزكية من لجنة أفغانستان السويدية وهي منظمة سويدية كانت تعمل في أفغانستان في تلك الأثناء كما حرصت أمريكا ومن يدور في فلكها على تكريس التفرقة بين الفصائل الأفغانية من خلال تقديم الدعم المادي لكل فصيل على حدا وحاربت بقوة كل محاولة للتقريب بين الفصائل القائمة فتم تصفية الشيخ كمال السنانيري رحمه الله في سجون السادات عام ٨١ بعد عودته من باكستان بسبب نجاحه بوقف الاقتتال الذي نشب بين الفصائل الأفغانية في تلك الفترة كما اغتيل الرئيس الباكستاني ضياء الحق(رحمه الله)مع ٢٨ من كبار ضباطه بحادث تحطم طائرة عسكرية وذلك في صيف عام ٨٨  وقتل معه السفير الأمريكي في باكستان والذي حرص ضياء الحق على اصطحابه لأنه كان لديه قناعة بأنه بات رأسه مطلوبا للأمريكيين بسبب موقفه من الجهاد الأفغاني ومن الملف النووي .كما أغتيل الشيخ عبد الله عزام في العام التالي لنفس السبب وهذا ما سنتطرق إليه بشيء من

التفصيل لاحقا إن شاء الله. كما أوقعت مخابرات إحدى الدول العربية الاقتتال بين الحزب الإسلامي وجماعة الدعوة إلى الكتاب والسنة في منطقة كونر واغتالت الشيخ جميل الرحمن رحمه الله في صيف عام ١٩٩١

وهكذا تكرست الخلافات بين الفصائل الأفغانية لتقع الفتنة الكبرى بعد دخول كابل

وقبل أن نختم هذا الفصل لابد لي أن أشير إلى معلومة سمعتها من مدير لجنة أفغانستان السويدية في بيشاور بداية عام ٨٩ حيث قال لي بأن الروس قدموا إلى مسؤولين كبار

في الأمم المتحدة خرائط لألفي حقل ألغام زرعوها في أفغانستان ولم يعرف الأفغان شيئا عن تلك الخرائط وقد دفعوا ثمن ذلك عشرات الآلاف من الضحايا وماتزال مناطق كثيرة من أفغانستان مزروعة بتلك الألغام التي تحصد المزيد من الضحايا وهذا يؤكد صحة هذه المعلومة

ونفس الأمر حصل في الصحراء الغربية في مصر أثناء الحرب العالمية الثانية حيث زرع الإنكليز والألمان ملايين الألغام ولم يقدموا أية معلومات عنها لحكومات مصر المتعاقبة وكانت النتيجة ألاف الضحايا وهذا يبين موقف أهل الكفر على اختلاف مللهم ونحلهم من أمة الإسلام فالعداء تاريخي والحرب مستمرة بكل أشكالها(ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا)



20201-02-19
كاتب من بيت المقدس


الخميس، 18 فبراير 2021

 الجهاد الافغاني بين غلو التقديس و غلو التخوين

حقائق غائبة


الحلقة الثانية عشر الجزء الثاني

كما أسلفنا فقد وصل إلى سدة الحكم عام ١٩٨٥ ميخائيل كورباتشوف والذي كان عليه مواجهة الكثير من المشكلات وكانت حرب أفغانستان أكثرها إلحاحا

لقد أيقن كورباتشوف استحالة الانتصار في تلك الحرب لذلك فكر بالانسحاب من أفغانستان فصدرت عنه التصريحات التي أشرنا إليها سابقا لكنه توسع بالعمليات العسكريه وهذا ما أشار إليه الشيخ عبد الله عزام(رحمه الله) في مقال افتتاحي لمجلة الجهاد  في ذلك العام حيث كان عنوان الافتتاحية الآن حمي الوطيس حيث شن الروس وعملاؤهم هجمات واسعة في عدد كبير من الجبهات مستخدمين كافة الأسلحة وتوسعوا باستخدام الطيران والصواريخ بعيدة المدى واستعملوا لأول مرة قوات الكوماندوس(الوحدات الخاصة) لمهاجمة مواقع المجاهدين في أعالي الجبال لكن تلك الهجمات باءت بالفشل ومني الروس بخسائر فادحة في الأرواح والعتاد هناك لجأ الروس للمكر والخديعة فأعلنوا استعدادهم للانسحاب من أفغانستان وعينوا عميلهم محمد نجيب الله رئيسا للبلاد بدل بابرك كارمال

لقد عمل نجيب الله في السنوات السابقة رئيسا لجهاز المخابرات(خاد)وكان الروس راضين عن أدائه لذلك وجدوه مناسبا لتلك المرحلة التي تميزت بالمؤامرات والدسائس على جميع الأصعدة

بدأ نجيب الله بإطلاق المبادرات التي تهدف لاستمالة الشعب فأعلن عن العفو عمن سماهم"الاخوة الغضاب" يعني المجاهدين والذين كان يسميهم قبل ذلك بالأشرار

كما بدأ بمراسلة بعض زعماء القبائل وحتى بعض قادة الجهاد ومنهم القائد الميداني الملا جلال الدين حقاني(حفظه الله) والذي كان يجيبه في كل مرة بجملة مختصرة(لا نجاة لك إلا بالإسلام) 

كما قام بتغييرات شكلية بدستور الدولة بحيث توحي لعامة الناس أن حكومة أفغانستان إسلامية كما غير اسم المخابرات(خاد)الذي كان اسمها يثير الرعب عند الناس فصار الاسم الجديد وزارة استعلاماتي دولتي(واد) 

إما على الصعيد العسكري فقد ازدادت خسائر الروس وعملائهم خاصة بعد أن نجح المجاهدون بالتعامل مع الحوامات كما أسلفنا وقد شاهدت بأم عيني الآليات المدمرة أو المعطوبة خلال زيارتي لأفغانستان كما شاهدت أكواما من الخردة في الجانب الباكستاني عند معبر الحدود مع أفغانستان كما شاهدت الأفغان ينقلون قطع الآليات المدمرة التي يستطيعون تحميلها على الدواب متجهين نحو معبر الحدود لبيعها للباكستانيين

هناك بدأ الروس بالتفاوض مع قادة المجاهدين وأعلنوا نيتهم الانسحاب وبالفعل فقد سحب الروس وحدات الدفاع الجوي المرافقة لقواتهم عام ٨٦ ثم  قاموا بسحب بقية قواتهم في عامي ٨٨ و٨٩ حيث أتم الروس انسحابهم في ربيع ذلك العام لكنهم واصلوا دعمهم لنظام كابل الذي استطاع الصمود ثلاث سنوات أخرى عندما دخل المجاهدون كابل عام ١٩٩٢ وقد تميزت هذه الفترة بكثرة المؤامرات على الجهاد الأفغاني وهذا ما سنتحدث عنه في الفصل القادم  إن شاء الله



20201-02-17
كاتب من بيت المقدس


الاثنين، 15 فبراير 2021

 

الجهاد الافغاني بين غلو التقديس و غلو التخوين

حقائق غائبة

مجريات الحرب في الساحة الأفغانية

الحلقة الثانية عشر
الجزء الأول

وهنا سنتحدث عن مجريات الأحداث خلال النصف الأول من عقد الثمانينات

كما ذكرنا سابقا بأن الجهاد في أفغانستان قد بدأ بصورة متواضعة في زمن محمد داوود خان في النصف الأول من عقد السبعينات ازداد ضراوة بعد وصول الشيوعيين إلى الحكم عام ١٩٧٨ ثم توسع أكثر بعد الغزو الروسي حيث أخذت القضية بعدا عالميا حيث تلاقت مصالح العالم الغربي ومعه الصين مع مصلحة المسلمين مع الإختلاف بمشاريع الأطراف المشاركة في الصراع ولايمكننا الحديث عن مجريات المعارك خلال تلك الفترة التي امتدت حتى بداية عام ٨٥ وسنكتفي هنا بتناول الموضوع بصورة مجملة نركز فيه على أهم الأحداث

كما ذكرنا سابقا دخل الروس إلى أفغانستان نهاية عام ٧٩ وكأي قوة احتلال فإنهم سيطروا على مراكز المدن الكبرى والطرق الرئيسية والمطارات وبالطبع فقد كان الروس متواجدين هناك قبل الغزو كما أسلفنا حيث كانوا يتحكمون بالجيش الأفغاني وأجهزة الأمن وجميع مفاصل الدولة وقاموا بتوسيع المؤسسة الأمنية التي كانت تسمى ألخاد وهي اختصار ل(خدمات أمن دولتي)وللروس خبرة كبيرة في قمع الحركات الشعبية كما أسلفنا

قام الروس أيضا بزيادة عدد الجيش الأفغاني مع تسليحه بأحدث الأسلحة وبالنسبة لتعداد الجيش الروسي فكانت حسب الأرقام المعلنة بحدود ١٢٠ الف وهذا الرقم يعتبر صغيرا(إذا صحت تلك المعلومات) بالنسبة لمساحة أفغانستان وتضاريسها الوعرة لذلك حاول الروس أن يجعلوا من الأفغان وقودا لتلك الحرب وهذا يعني الاعتماد الكبير على الجيش الأفغاني والميلشيات التي شكلوها وكانت الغالبية الساحقة من المجندين بشكل اجباري لذلك كانت عمليات الفرار تتم بصورة دائمة وعلى نطاق واسع مما أرغم الروس على الاعتماد على جيشهم في الكثير من العمليات فلجؤوا لعمليات الإبادة الجماعية للمناطق التي يتواجد بها المجاهدون واستخدموا كافة الأسلحة برا وجوا فاستعملوا القنابل العنفودية والفراغية والقنابل الحارقة والصواريخ الثقيلة وكان المجاهدون يحتمون في الجبال ويبقى الشيوخ والنساء والأطفال عرضة للموت نتيجة تلك العمليات مما أدى لموجة نزوح جماعية إلى باكستان وإيران

وأثناء الحرب توسع الروس باستعمال سلاح الجو وخاصة الحوامات(الهليوكوبتر) والتي كانت تؤذي المجاهدين أكثر من القوات البرية ولم يكن لدى المجاهدين وسائط دفاع جوي فعالة كالصواريخ المحمولة على الكتف بل إن أمريكا منعت إيصال هذا السلاح إلى الأفغان(كما حصل في الشام مع التفاوت باهداف الأمريكيين في الساحتين) بغية إطالة أمد الحرب لايقاع أكبر قدر من الخسائر في طرفي الصراع

لقد كانت  تلك الفترة قاسية جدا على الأفغان حيث استنفذ الروس كل مالديهم من قوة وخسة في تلك الحرب حتى أن بعض المراقبين قالوا إن الروس قد انتصروا تكتيكيا في تلك الفترة لكن المجاهدين كثفوا من استعمال المضادات الأرضية وصار لديهم خبرة كافية بالتعامل مع الحوامات والتي كانت مصفحة ضد الرصاص لكنها تحتوي نقطة ضعف قاتلة وهي المروحتين العلوية والخلفية فصار المجاهدون يركزون طلقاتهم نحو المراوح كما تمكنوا من اسقاطها في بعض الحالات باستعمال مضادات الدروع عندما تكون الحوامات محلقة فوق الوديان موازية لسفوح الجبال فيمكن استهدافها عند ذلك(وهذا ماذكره لي عدد من الاخوة الذين شاهدوا ذلك) ونجح المجاهدون بفضل الله وتسديده من اسقاط عدد كبير من المروحيات في السنوات التالية اضافة للخسائر الهائلة التي لحقت بالروس على الأرض فصارت أفغانستان مقبرة للجيش الروسي





20201-02-10

كاتب من بيت المقدس

الجمعة، 12 فبراير 2021


الجهاد الافغاني بين غلو التقديس و غلو التخوين

حقائق غائبة

الحلقة الحادية عشرة الجزء الثاني

اوضاع الإتحاد السوفييتي
كما ذكرنا سابقا كان الشيوعيون يشعرون بالنشوة في النصف الثاني من عقد السبعينات للأسباب التي ذكرناها سابقا يضاف إلى ذلك وجود ليونيد بريجينيف في سدة الحكم وهو ينتمي للجيل القديم من الشيوعيين أومن يسمون في عالم السياسة بالحرس القديم وهؤلاء قد عاصروا الإتحاد السوفيتي من بداية تأسيسه فتكلست أفكارهم على المفاهيم القديمة التي عفا عليها الزمن وتجاوزها الواقع فكانوا لايرون ما يجري حولهم من تحولات بمعنى أنهم لم يكونوا يرون إلا الإنجازات التي استطاع الشيوعيون تحقيقها في العقود الماضية وزاد من العمه(عمى البصيرة)عندهم ما أشرنا إليه سابقا من نجاحات  خلال عقد السبعينات
لذلك ارتكب بريجينيف حماقته بغزو أفغانستان كما أسلفنا ولم يكترث لكل المعطيات التي كانت تدل على أن أفغانستان لن تكون لقمة سائغة يسهل ابتلاعها وهضمها فواصل حماقته بارسال الجيوش وارتكاب المجازر واتبع سياسة الأرض المحروقة ولكن الله أهلكه نهاية عام ١٩٨٢ ليحل مكانه يوري أندروبوف والذي عمل رئيسا للمخابرات الروسية فكان أكثر إجراما من سلفه لكن الله أهلكه بعد ١٥ شهرا من تسلمه الحكم ليحل مكانه قسطنطين تشيرينكو فواصل نهج أسلافه بل تفوق عليهم فأهلكه الله بعد ١٣ شهرا من تسلمه الحكم فكان آخر الزعماء من الحرس القديم وهنا وجد الروس أن عليهم أن يضخوا دماء جديدة في قيادة الحزب الشيوعي فاختاروا رئيسا جديدا لاينتمي لجيل الحرس القديم لعله يوقف عجلة الإنهيار التي بدت ملامحها تلوح في تلك الفترة فاختاروا ميخائيل كورباتشوف لعله يستطيع أن يوقف عجلة الانهيار الذي بات وشيكا ولكن قد فات الأوان
في شهر آذار من عام ١٩٨٥ وصل إلى سدة الحكم آخر رؤساء الإتحاد السوفييتي ميخائيل كورباتشوف وهو من مواليد ١٩٣١ ويحمل مؤهلا جامعيا في القانون أي أنه محامي وكان يتمتع بثقافة عالية بعكس سابقيه الذين كان مؤهلهم الوحيد أقدميتهم في الحزب الحاكم
وصل غوربشوف إلى الحكم والإتحاد السوفييتي في حالة مزرية على جميع الأصعدة ماعدا الصعيد العسكري وأفضل وصف للإتحاد السوفييتي في ذلك الوقت بأنه دولة من العالم الثالث تملك ترسانة نووية وآلة عسكرية ضخمة فقط
لقد كان على غورباتشوف مواجهة الكثير من المعضلات بعد أن  وضع  الباحثون الروس أمامه كما هائلا من الدراسات والتقارير عن الكثير من المشكلات والمعضلات التي يعاني منها الاتحاد السوفييتي ومنها على سبيل المثال استفحال مشكلة الادمان على الكحول التي كانت تبتلع مليون ضحية في العام ومنها تأكل البنية التحتية وخاصة السكك الحديدية والنقل الجوي حتى صار سجل شركة الطيران ايروفلوت الروسية الأسوأ عالميا من حيث عدد الحوادث اضافة للتخلف في المجال العلمي والتقني مع انتشار كل أنواع الفساد وتفشي الرشوة والاختلاس وانتشارعصابات الاجرام حيث تفوقت المافيا الروسية على نظيراتها في دول العالم الأخرى إضافة للحرب في أفغانستان التي كلفت الروس خسائر مادية وبشرية فادحة وبعد عام من توليه الحكم وقعت كارثة مفاعل شارنوبيل التي تكتم عليها الروس واضطروا للافصاح عنها مرغمين بعد أن تحدثت الدول المجاورة(السويد بشكل خاص) عن وجود نشاط إشعاعي غير طبيعي في البيئة ولم يتمكن الروس من السيطرة على تلك الكارثة فطلبوا العون من الدول الغربية. فكانت تلك الحادثة فضيحه كبيرة للروس قوت من مركز غورباتشوف للمضي في برنامجه الإصلاحي الذي كان يصطدم ببقايا الحرس القديم
وبالفعل بدأ غورباتشوف برنامجه الإصلاحي فألف كتابه الشهير البريسترويكا والذي يعني إعادة البناء ودعا لما سماه الغلاسنوست أي الانفناح والشفافية وفيما يخص أفغانستان فقد وصف الحرب هناك بأنها جرح نازف في ظهر الإتحاد السوفييتي واعترف لأول مرة بأن الخسائر البشرية بلغت ١٥ ألف قتيل و٣٥ ألف جريح(كان ذلك عام ٨٦)ووافق على التفاوض مع الأفغان لإنهاء الحرب وفي عهده انسحب الروس من أفغانستان وفي عهده أيضا انتهت الحرب الباردة مع العالم الغربي وسقطت الأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية وسقط معها جدار برلين وتوحدت ألمانيا وفي عام ١٩٩٠ وبعد اجتياح الكويت من قبل العراق  تلقى الإتحاد السوفييتي قرضا مقداره أربع مليارات دولار من احدى الدول العربية الغنية ماليا(الفقيرة والغبية فيما عدا ذلك)كرشوة حتى لايستخدم الروس حق الفيتو في مجلس الأمن عند التصويت على جميع القرارات التي اتخذها المجلس آنذاك ضد العراق والتي كانت نتيجتها فرض العقوبات على العراق ثم شن الحرب ضده بداية العام التالي ثم فرض الحصار  عليه واحتلاله عام ٢٠٠٣ وتقديمه بعد ذلك على طبق من ذهب لإيران التي تمددت في المشرق العربي فباتت تحاصر جزيرة العرب من جميع الجهات

وفي العام التالي أي ١٩٩١ تفكك الاتحاد السوفييتي وسقطت الشيوعية كما تنبأ بذلك الكثيرون ومنهم سيد قطب رحمه الله والشيخ عبدالله عزام رحمه الله والذي تنبأ بأن غزو أفغانستان سيكون سببا في سقوط الاتحاد السوفييتي كما كان سببا بسقوط الامبراطورية البريطانية
وهكذا دخل العالم مرحلة تاريخية جديدة وهذا موضوع آخر لسنا بصدد الحديث عنه



2021-02-11
كاتب من بيت المقدس

 

الأربعاء، 10 فبراير 2021

الجهاد الافغاني بين غلو التقديس و غلو التخوين

حقائق غائبة


الحلقة الحادية عشر الجزء الأول

العوامل الإيجابية المؤثرة على ساحة الجهاد

كما ذكرنا سابقا فإن العالم الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية قد حزم أمره بدعم المقاومة الأفغانية (كما سموها) وذلك حماية لمصالحهم في جزيرة العرب كهدف آني كما كان الأمريكيون يريدون ترقيع هيبتهم بعد هزيمتهم المهينة في فيتنام وكان لديهم رغبة جامحة بهزيمة الاتحاد السوفيتي وتفكيكه وهذا ماحصل فيما بعد أما الصين فكان لديهم رغبة أيضا بهزيمة الروس كما أسلفنا

وأما الأمريكيون فكان لديهم هدف آخر(أفصحوا عنه لاحقا) وهو جعل أفغانستان محرقة لشباب الصحوة الإسلامية لذلك عمل الأمريكان على إطالة أمد الحرب بغية ايقاع أكبر قدر من الخسائر في طرفي الصراع وهذا ماسنفصل الحديث عنه لاحقا إن شاء الله

وكما ذكرنا فقد أوكلت مهمة دعم المجاهدين للدول العربية وباكستان التي تحولت لقاعدة خلفية للجهاد وذلك بحكم مجاورتها لأفغانستان مع وجود تداخل اجتماعي على طرفي الحدود. اضافة إلى ذلك فإن باكستان تعتبر أفغانستان عمقها الاستراتيجي في مواجهة مجوس الهند عدو المسلمين اللدود كما أن باكستان هي البوابة الوحيدة لأفغانستان على العالم كل ذلك أدى لتشابك في المصالح الحيوية لكلا البلدين اضافة للتداخل الاجتماعي على جانبي الحدود

وهناك عامل آخر أكثر أهمية من كل ما سبق وهو إمكانية تهديد الأمن الداخلي لباكستان عند وجود حكومة أفغانية تعادي باكستان حيث توجد عصبيات جاهلية عند بعض البشتون في منطقة الحدود (وهم على أية حال أقلية) وهذا ماحصل في عهد محمد داوود خان الذي استطاع تحريك بعض البشتون ضد حكومة إسلام أباد كما أن أحد الزعماء القوميين للبشتون قد هلك في تلك الفترة ونقلت جثته إلى جلال أباد ليدفن هناك لأنه يعتبر  باكستان دولة احتلال. كل هذه العوامل جعلت القضية الأفغانية مسألة مصيرية بالنسبة لباكستان حكومة وشعبا

 وأما مجوس الهند فلديهم درجة عالية من الخبث والدهاء فكانوا متحالفين مع الروس بسبب عدائهم مع الصين في ذلك الوقت بسبب خلافات حدودية كما أنهم يدورون في فلك السياسة الأمريكية كحال  نظام الهالك عبد الناصر ونظام النصيريين  في الشام لكن الهندوس يتعاملون مع الأمريكان من موقع الندية بعكس أنظمة الحكم العربية التي تتعامل معهم من موقع الدونية أي موقع العبد مع سيده

وعلى أية حال لم يكن الهندوس راضين عن الجهاد الأفغاني بل إنهم قدموا بعض الدعم لنظام كابل العميل للروس ولم يكن باستطاعتهم اشعال الحرب مع باكستان لجدية العالم الغربي ومعه الصين في حربهم مع الروس على الأرض الأفغانية إضافة لما سبق فقد كانت الهند تعاني من اضطرابات داخلية مع طائفة السيخ حيث قام الجيش الهندي بمهاجمة مايسمى "بالمعبد الذهبي" للسيخ وقتلوا عددا كبيرا منهم فرد السيخ باغتيال أنديرا غاندي رئيسة الوزراء في ذلك الوقت ومع ذلك فقد قامت المخابرات الهندية بتدبير بعض التفجيرات في باكستان تمكنت الأجهزة الأمنية الباكستانية من التعامل معها

وأما إيران النفاق فكانت منشغلة في تلك الفترة بالحرب مع العراق ومع ذلك فإنها لم تأل جهدا بالكيد للمسلمين في أفغانستان فأسست عدة مجموعات مسلحة من الشيعة الأفغان الذين كانوا يقومون بقطع طرق الإمداد على المجاهدين ولم يقوموا بأعمال تستحق الذكر ضد الروس أثناء فترة الجهاد وظهر دورهم التخرببي بعد انسحاب الروس كما سنرى لاحقا

على أية حال فقد تلاقت مصلحة المسلمين مع مصلحة العالم الغربي ومعه الصين فوق جبال الهندوكوش ولكل طرف مشروعه

فالعالم الغربي بقيادة أمريكا يريد حماية مصالحه في جزيرة العرب وتحطيم الإتحاد السوفييتي إضافة لتدمير الصحوة الإسلامية. والصين كانت تريد هزيمة الروس للأسباب التي ذكرناها

وأما المجاهدون الأفغان فكانوا يريدون تحرير بلدهم من الاحتلال الروسي واسقاط نظام كابل العميل وتفصيل نظام إسلامي على مقاس بلدهم كبقية فصائل العمل الإسلامي في مختلف البلدان ولم يتحدث أحد من قادة الجهاد (في حدود معرفتي) عن توحيد الأمة الإسلامية وإعادة الخلافة

وأما الحكومات العربية فليس لها أي هدف يستحق الذكر  سوى البقاء في كرسي الحكم وكما يقول المثل الانكليزي إذا لم يكن لديك مشروع فأنت جزء في مشروع الآخرين وهذا هو حال الحكومات العربية التي تنفذ مشاريع الآخرين مقابل البقاء في كرسي الحكم

وأما الشباب المسلم الذين هبوا لمساعدة  اخوانهم الأفغان فبعضهم جاء لهذه الغاية دون التفكير بأية أهداف لاحقة وأما الشيخ عبد الله عزام ومن التف حوله من الشباب المسلم فكان ينظر لأبعد من ذلك حيث كان يرى أفغانستان كبداية لانطلاقة كبرى تعيد للأمة الخلافة الاسلامية أو المنارة المفقودة كما سماها الشيخ عبد الله عزام رحمه الله وسنفرد فصلا كاملا لهذا الموضوع إن شاء الله

وحتى تكتمل الصورة لابد من الحديث عن حالة الاتحاد السوفييتي كأحد العوامل التي كانت في صالح الجهاد الأفغاني



20201-02-10

كاتب من بيت المقدس

الاثنين، 8 فبراير 2021

الجهاد الافغاني بين غلو التقديس و غلو التخوين

حقائق غائبة


الحلقة العاشرة

مجريات الأحداث داخل أفغانستان

كما ذكرنا سابقا فقد ظهر في ساحة الجهاد عدة فصائل أكبرها الحزب الإسلامي والذي يتزعمه غلب الدين حكمتيار وله حضور قوي في وسط البشتون والذي انشق عنه جماعة أخرى تحمل نفس الاسم وكان يتزعمها الشيخ يونس خالص رحمه الله وكان قائده العسكري الملا جلال الدين حقاني وكان تواجده في شرق أفغانستان في ولاية بكتيا على وجه التحديد وأما الجمعية الإسلامية الأفغانية فكانت تتواجد بشكل رئيسي بين الطاجيك وكان يتزعمها برهان الدين رباني وكانت الخلافات شديدة بين الجماعتين بل وصلت حد الاقتتال وسفك الدماء في أكثر من مناسبة ومنذ وقت مبكر (منذ عام١٩٨١)كما يذكر الشيخ عبد الله عزام رحمه الله في كتاباته

كما ظهرت العديد من الجماعات الأخرى الأقل شأنا وهي تمثل الجماعات الصوفية والتقليدية إضافة لجماعة الدعوة إلى الكتاب والسنة وهي جماعة سلفية وكان يتزعمها الشيخ جميل الرحمن رحمه الله وكانت تتواجد في ولاية كونر. وهكذا نرى وجود عدة رايات داخل ساحة الجهاد مما أدى للاقتتال أثناء فترة الجهاد ضد الروس وحتى بعد انسحابهم من أفغانستان والذي أدى لظهور حركة طالبان

والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا لم تتوحد تلك الفصائل تحت راية واحدة. وهذا السؤال يطرح نفسه دوما في ساحات الجهاد والإجابة على هذا السؤال لا يمكن اختزالها بمؤمرات الأعداء أو بأية إجابة مختزلة أخرى إذ لهذا الموضوع أسباب عديدة ولكل بلد من بلدان المسلمين ظروفه الخاصة ولكن ثمة سبب واحد في غاية الأهمية وهو عامل مشترك في جميع ساحات الجهاد وهو أن كل المبادرات الجهادية كانت وماتزال نابعة من اجتهادات فردية تخص فصيلا معينا من فصائل العمل الإسلامي ولاوجود لدولة أوخلافة تجمع المسلمين تحت مظلتها كما هو حال إيران بالنسبة للرافضة وكذلك الكيان اليهودي في بيت المقدس بالنسبة لليهود وأما  دور الحكومات القائمة (إن وجد) في ساحة ما فهو دور خياني أوتخريبي وهذا ماحصل في الساحة الأفغانية وقبلها في بيت المقدس وبعد ذلك في العراق والشام واليمن

ثمة عامل مهم آخر وهو عدم وجود مرجعية شرعية ذات مصداقية للمسلمين كما هو حال الفاتيكان بالنسبة للنصارى الكاثوليك فالعلماء المخلصون عندنا مصيرهم السجن أوالقتل أوالتهميش في أحسن الأحوال

كل ذلك يؤدي إلى التفرقة والتشرذم على مختلف الأصعدة فإذا أضفنا إلى ذلك العوامل الذاتية كحب الزعامة والرياسة وكل أشكال التعصب الجاهلية وأخيرا عمل الأعداء على شق الصف واثارة النعرات والتحريش بين المسلمين مع ضعف النفوس وقلة الوعي والجهل كل ذلك يؤدي إلى الفرقة والتشرذم وهذا أمر يتكرر في ساحات الجهاد

لقد سعى المخلصون من العلماء والدعاة لرأب الصدع وتوحيد الجهود وكان للشيخ عبد الله عزام رحمه الله دور بارز في هذا المجال بل إنه دفع حياته ثمنا لجهوده في التقريب بين غلب الدين حكمتيار وأحمد شاه مسعود أكبر القادة العسكريين في الجمعية الإسلامية الأفغانية

وهنا لابد أن نشير لدور باكستان حيث بذلت الجماعة الإسلامية هناك جهودا طيبة في هذا المجال كما أن الرئيس الباكستاني ضياء الحق رحمه الله قد تدخل بنفسه وجمع القادة الأفغان أكثر من مرة وقد نجحت تلك المحاولات بتأسيس إتحاد مجاهدي أفغانستان واختير عبد رب الرسول سياف رئيسا له ولكن الأتحاد  لم يعمر طويلا إذ خرجت الفصائل منه تباعا وبقي عبد رب الرسول وجماعته يحملون نفس المسمى. ثمة عامل آخر أسهم بتكريس التشرذم وهو تمييز فصائل العمل الاسلامي خارج أفعانستان لفصيل معين دون سواه لأسباب حزبية مما زاد من تعميق الخلافات بين الفصائل

رغم هذه الفوضى والتشرذم في ساحة الجهاد لم تتوقف مسيرة الجهاد لحظة واحدة ضد الروس وهذا ماسنتحدث عنه لاحقا إن شاء الله



2021-02-08

كاتب من بيت المقدس

الأربعاء، 3 فبراير 2021

 الجهاد الافغاني بين غلو التقديس و غلو التخوين

حقائق غائبة


الحلقة التاسعة

مناصرة المسلمين لإخوانهم الأفغان

لقد شهد عقد الثمانينات هدنة مؤقتة بين العالم الإسلامي والعالم الغربي حيث تلاقت مصالح الطرفين فوق جبال أفغانستان فأوعزت الإدارة الأمريكية لوكلائها بدعم المقاومة الأفغانية

 فقامت المنظمات الإسلامية بفتح المشافي ومراكز الإغاثة في المناطق الحدودية من باكستان كما انتقل الشيخ عبد الله عزام(رحمه الله)من العمل في الجامعة الإسلامية في إسلام أباد إلى بيشاور وأفتتح مكتبا سماه مكتب خدمات المجاهدين وأصدر مجلة الجهاد وصدى الجهاد وكان يشرف على الشباب العربي القادم من الدول العربية والدول الغربية (أوروبا وأمريكا) وهناك تزاحم الشباب المسلم بالسفر إلى بيشاور كما قدمت بعض الحكومات العربية تسهيلات لذلك

وفي مدينة بيشاور الباكستانية تجمع عدد كبير من منظمات الإغاثة الإسلامية كالهلال الأحمر الكويتي والسعودي ولجنة الدعوة الإسلامية الكويتية ولجنة البر التابعة للندوة العالمية للشباب المسلم وغيرها وغيرها وغيرها

وأما بخصوص الشباب المسلم فكانت بلدان الجزيرة العربية تحتل المرتبة الأولى بعدد الوافدين منها كما أسهمت بلدان أخرى ولكن بنسبة أقل حيث سافر عدد لابأس به من أوروبا وأمريكا كما لاننسى مساهمة شباب بلاد الرافدين حيث ادى اندلاع الحرب العراقية الإيرانية لفرار عدد كبير من الشباب من ساحات القتال لعدم اقتناعهم بتلك الحرب حيث لم تكن رايتها إسلامية فصارت إيران ملجأ للفارين من الجانب العراقي كما صارت العراق ملجأ للفارين من الجانب الإيراني وبعد ذلك يتابع الفارون طريقهم فمنهم من يتجه للهجرة إلى الدول الغربية وأما الشباب المسلم فيتابع طريقه إلى باكستان ليلتحق بالجهاد الأفغاني كما انضم عدد غير قليل من الشباب المسلم من الشام ممن هاجروا إلى البلدان المجاورة قبل وبعد مجزرة حماه عام ٨٢

كما قامت المراكز الإسلامية في أوروبا وأمريكا بجمع المساعدات المالية والعينية لأفغانستان بل إن الشيخ عبد الله عزام (رحمه الله) قد سافر إلى أمريكا لهذا الغرض وهنا لابد لنا من الاشارة للدور الذي لعبه بتشجيع الشباب المسلم على المشاركة في الجهاد الأفغاني لأنه كان يراه نقطة الانطلاق لاعادة الخلافة الإسلامية أوالمنارة المفقودة كما سماها بأحد مؤلفاته والذي حمل هذا الاسم

أما العلماء والدعاة فكانت مهمتهم اصدار البيانات والفتاوى التي تحث الأمة الإسلامية على مناصرة الجهاد الأفغاني

وهكذا تفاعلت الأمة الإسلامية مع القضية الأفغانية بشكل غير مسبوق للأسباب التي أشرنا إليها سابقا وهكذا صارت أفغانستان قضية المسلمين الأولى في تلك الفترة وسننتحدث في الفصول القادمة عن مجريات الأحداث داخل أفغانستان وظهور حركة طالبان فيما بعد وتأثيرات تلك الأحداث على أمتنا




2021-02-03

كاتب من بيت المقدس

الاثنين، 1 فبراير 2021

الجهاد الافغاني بين غلو التقديس و غلو التخوين

حقائق غائبة


الحلقة الثامنة 

أوضاع العالم الإسلامي في عقد الثمانينات

لقد كان العقدان الأخيران من القرن الماضي مليئين بالأحداث على جميع المستويات ففي بداية هذا العقد وصل إلى البيت الأبيض رونالد ريغن والذي أحدث إنقلابا في السياسة الخارجية الأمريكية كما أسلفنا والذي "أعاد للأمريكيين ثقتهم  بأنفسهم " حسب رأي الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون كما ذكر في كتابه أمريكا والفرصة السانحة

كما شهد العالم الإسلامي عدة أحداث جسيمة حيث اندلعت الحرب العراقية الإيرانية عام١٩٨٠ والتي انتهت بهزيمة إيران حيث اعترف الخميني بتجرعه السم عندما وافق مرغما على وقف الحرب كما شهدت بلاد الشام انتفاضة عارمة ضد النظام النصيري في دمشق انتهت بمجزرة حماة بداية عام ١٩٨٢ كما شهد صيف ذلك العام اجتياح لبنان من قبل الكيان اليهودي مما أدى لخروج الفصائل الفلسطينية من ساحة المواجهة مع العدو اليهودي ليحل مكانها فيما بعد "حزب الله" الرافضي ليكون فيما بعد المسيطر على دويلة الطوائف في لبنان.وفي الثلث الأخير من هذا العقد اندلعت الانتفاضة الأولى في الضفة الغربية وقطاع غزة ضد الكيان اليهودي كما اغتيل خليل الوزير(أبو جهاد) والذي كان يقود العمل العسكري في حركة فتح مما مهد الطريق لما سمي "باتفاقية أوسلو" فيما بعد كما أغتيل في نفس العام (١٩٨٨) رئيس باكستان ضياء الحق (رحمه الله) وكان من أشد المناصرين للجهاد الأفغاني وأغتيل في العام التالي الشيخ عبد الله عزام (رحمه الله) وهذا ماسنتطرق إليه لاحقا إن شاء الله.  كما شهدت نهاية العقد انسحاب القوات الروسية من أفغانستان وهذا ماسنتحدث عنه لاحقا إن شاء الله. وكذلك دخلت القوات العراقية الكويت مما أدى لحصار العراق ثم حرب الخليج الثانية وماتلاها من تداعيات على مختلف الأصعدة

هذه هي أهم الأحداث التي وقعت خلال عقد الثمانينات والآن سنتحدث بصورة مختصرة  عن آثار تلك الأحداث على الأمة الإسلامية بشكل عام وعلى الجهاد الأفغاني بشكل خاص

لقد أدى غزو الروس لأفغانستان واندلاع الحرب العراقية الإيرنية وكذلك أحداث بلاد الشام إلى انقسام (ظاهري ) بمواقف الدول العربية حيث وقفت بلدان الجزيرة العربية ومعها بقية الدول التي تسير في ركب السياسة الأمريكية بصورة علنية مع العراق في حربه ضد إيران وكذلك وقفت مع الجهاد الأفغاني (بايعاز من البيت الأبيض) وبذلك توافقت لأول مرة مواقف بعض الحكومات العربية مع توجهات الإسلاميين وهنا حصل اختراق كبير للفكر الإسلامي حيث أدى ذلك لترسيخ القناعات عند أصحاب الطروحات المهادنة والذين يرفضون بشكل قاطع التغيير الجذري للأوضاع القائمة في العالم الإسلامي ويرون أن مهمة الحركات الإسلامية هي اصلاح الأوضاع القائمة باللطف واللين مع رفض تكفير أنظمة الحكم القائمة (ماعدا بعض الاستثناءات كنظام القذافي والنظام النصيري في الشام ) وذهب بعض الإسلاميين لأبعد من ذلك في الحديث عن"تجسير العلاقة مع أنظمة الحكم" وأصبح سيد قطب  (رحمه الله) في قفص الاتهام بل ذهب بعضهم لوصف كتاب معالم في الطريق " بالزنزانة الفكرية"

وشهدت هذه الفترة أيضا لحظات قصيرة من الإنفراج بالعلاقة مع بعض الحكومات التي أتاحت للإسلاميين هامشا من حرية التعبير فطفت على السطح بعض الحوارات التي تتحدث عن "ترشيد الصحوة الإسلامية" والمتابع لما جرى طرحه في تلك الفترة يصل لقناعة بأن فصائل العمل الإسلامي لاتملك أية خطة واضحة للوصول إلى الهدف المنشود وهو قيام الحكم الإسلامي وهذا أمر قد اعترف به الكثيرون بل إن الدكتور النفيسي قد وصف العمل الإسلامي بالتجميع الكمي العشوائي

وهذا الأمر لايخص جماعة معينة بل إن طيفا واسعا من الإسلاميين أصبح يتبنى طروحات مهادنة لأنظمة الحكم القائمة وباتوا يستعملون نفس اللغة التي تستعملها أنظمة الحكم مثل الوحدة الوطنية واليوم الوطني وصارت ومازالت بعض الدوريات "الإسلامية"تزين صفحاتها بصور أعلام وشعارات تلك البلدان بل وصور الحكام مع كيل المديح لهم

كل ذلك كان يزيد من أزمة المفاهيم التي يعاني منها الشباب المسلم مما أدى لتبلور توجه جديد داخل الصف الإسلامي يرفض تلك الطروحات الجاهلية التي تحاول أن تلبس ثوب الإسلام ولعب الجهاد الأفغاني دورا بارزا في ظهور هذه الظاهرة كما سنرى لاحقا

وعلى الطرف الآخر أدت المهادنة المؤقتة بين الإسلاميين وبعض الأنظمة إلى اطمئنان بعض الإسلاميين للحكومات القائمة فطفت على السطح مشاركة الإسلاميين بالانتخابات البرلمانية والتحالف مع العلمانيين(كالتحالف الوطني لتحرير سورية)بل ذهب بعض الإسلاميين لأبعد من ذلك فوافقوا على الانخراط  في الانتخابات تحت راية الأحزاب العلمانية (الشيخ صلاح أبو إسماعيل في مصر)  وهكذا تسللت الديموقراطية إلى الفكر الإسلامي مما أدى لانحرافات  عقدية ومنهجية تركت آثارها المدمرة على الأمة الإسلامية فيما بعد وهذا موضوع آخر لايمكننا الإلمام بتفاصيله في هذه العجالة

أما كيف أثرت هذه الأوضاع على الجهاد الأفغاني فهذا ماسنتحدث عنه  في الفصل القادم إن شاء الله



2021-02-01

كاتب من بيت المقدس