حقائق غائبة
كاتب من بيت المقدس
(يقول عمر الفاروق رضي الله عنه نحن قوم اعزنا الله بالإسلام فان ابتغينا العزة بغيره اذلنا الله)
الحلقة الثامنة عشر
دخول حركة طالبان إلى كابل
الحلقة السابعة عشر
نشوء حركة طالبان
كما ذكرنا سابقا فقد أدى اقتتال المجاهدين بعد دخولهم كابل إلى تداعيات خطيرة جعلت الحياة جحيما لا يطاق في معظم المناطق داخل أفغانستان وقبل أن نتحدث عن نشوء حركة طالبان لابد من التذكير ببعض الحقائق التي ذكرنا بعضها فيما سبق
وأول تلك الحقائق أن غياب الرئيس الباكستاني الأسبق ضياء الحق وكذلك الشيخ عبد الله عزام قد أثر سلبا على الجهاد الأفغاني حيث لعب الرجلان دورا لا يمكن انكاره بتخفيف حدة الخلافات بين فصائل المجاهدين ومع ذلك لم يدخر الدعاة من خارج أفغانستان جهدا لوقف الاقتتال بين فصائل المجاهدين لكن تأثيرهم لم يكن كتأثير الشيخ عبد الله عزام(رحمه الله) الذي كان يحظى باحترام كبير عند زعماء المجاهدين لأنه أمضى سنوات من عمره معهم فتعرف عليهم وشاركهم الجهاد في الخطوط الأولى للجبهات لذلك كانوا يعتبرونه واحدا منهم بعكس الآخرين الذين يأتون من البلدان الأخرى ويقضون بعض الوقت في فنادق مدينة بيشاور يلتقون خلالها ببعض الزعامات ليعودوا بعد ذلك إلى بلدانهم وشتان بين رجال الخنادق ونزلاء الفنادق
كذلك سعى بعض القادة الأفغان كالقائد جلال الدين حقاني(رحمه الله) وهو من الذين لم يتورطوا في الاقتتال وكان دائما يسعى للتوفيق بين الفصائل المتناحرة ولكن دون جدوى إذ كانت المشكلة في غاية التعقيد مما جعلها عصية على الحل لتداخل الكثير من العوامل الذاتية وكذلك المؤامرات الخارجية والتي تحدث عنها اللواء حميد جول رئيس الاستخبارات العسكرية الباكستانية السابق(رحمه الله) في مقابلة له مع مجلة المجتمع الكويتية وأكد على أن لديه أدلة على تورط بعض الدول بإذكاء الفتنة بين فصائل المجاهدين لكنه لم يسم دولة بعينها والمتابعون للشأن الأفغاني يعرفون تلك الدول
وكما ذكرنا سابقا فإن أفغانستان تعتبر العمق الاستراتيجي لباكستان والتي من مصلحتها استقرار أفغانستان مع وجود حكومة أفغانية قويه ولا تضمر العداء لإسلام أباد لذا كان الإسلاميون الأفغان الخيار الأفضل لباكستان لبعدهم عن النزعة القومية من جهة ولوجود الترابط الفكري وحتى العضوي بين الإسلاميين في كلا البلدين من جهة أخرى وهذا الموضوع من الأمور الثابتة في السياسة الباكستانية والتي تدعمها بقوة المؤسسة العسكرية(ذات التأثير في سياسة الحكومة الباكستانية) ويشكل البشتون العمود الفقري للجيش الباكستاني(حيث يشكلون ٤٠ بالمئة من الجيش الباكستاني رغم أنهم لا يشكلون سوى ١٨ بالمئة من مجموع السكان)
وهنا نعود للحديث عن نشأة حركة طالبان
لقد أدت الأوضاع المأساوية التي تحدثنا عنها داخل أفغانستان إلى تذمر شديد عند الغالبية العظمى من الأفغان فصار الجميع متلهفا لكل من يسعى لانتشالهم مما هم فيه
وبذلك صارت الظروف مهيئة لظهور طالبان أما كيف تشكلت الحركة فهناك من يقول أن المخابرات الباكستانية بادرت إلى تأسيسها وهذا ما يتبناه المناوئون للحركة من الأفغان وهناك من يتحدث عن اجتماع عدد من قادة الجهاد السابقين من بينهم الملا جلال الدين حقاني(رحمه الله)ومعهم عدد من طلبة العلوم الشرعية و الذين اتخذوا قرارهم بتأسيس الحركة وانطلقوا من مدينة قندهار حيث كانت معظم مناطق أفغانستان تعاني فراغا أمنيا ولا سيطرة لحكومة كابل عليها إنما تخضع لسيطرة القادة المحليين وبذلك تمكنت الحركة من السيطرة بسرعة فائقة على مناطق شاسعة في جنوب وشرق أفغانستان حيث يتركز البشتون وخاصة أنصار الحزب الإسلامي الذي يتزعمه غلب الدين حكمتيار والحزب الإسلامي الذي يتزعمه الملا يونس خالص(رحمه الله) حيث انضم قسم كبير من عناصر الحزبين للحركة دون مواجهات تذكر خاصة جماعة يونس خالص حيث أن الملا حقاني كان أكبر القادة الميدانيين في هذه الجماعة وعندها بادرت الحكومة الباكستانية لاحتضان الحركة ظنا منهم أن بإمكانهم التحكم بحركة طالبان مستقبلا وهذا ما أثبتت الأحداث فيما بعد عدم صحته
لقد نجحت الحركة بتحقيق الأمن في المناطق التي سيطرت عليها فقامت بمكافحة كل أشكال الجريمة بكل حزم وبذلك شعر الناس بالأمان وبذلك اكتسبت طالبان الشرعية وباشرت بتوسيع مناطق نفوذها حيث بدأ الكثير من المخلصين بالانضمام للحركة
طواعية ومن أبى ذلك كان لابد من مقاتلته إذ أن القيادات السابقة قد أثبتت فشلها وأذاقت المسلمين الويلات وبذلك فقدت شرعيتها فكان عليها أن تتنحى ومن أبى التنحي كان لابد من مقاتلته لأن مصلحة الأمة مقدمة على كل المصالح الضيقة
وبعد عامين من تأسيس الحركة دخل مجاهدوها مدينة كابل
لتدخل بعد ذلك حركة طالبان ومعها أفغانستان في مرحلة جديدة سنتحدث عنها في الفصل القادم إن شاء الله
20201-03-15
كاتب من بيت المقدس
دخل المجاهدون مدينة كابل نهاية شهر نيسان عام ١٩٩٢ بعد أن اقتتلوا على مداخلها كما ذكرنا سابقا والاقتتال بين المسلمين من الامور الموجعة لكل مسلم وهي من الصفحات السوداء في تاريخنا السياسي وهذا الأمر قد حصل عندما كانت أمتنا في حالة القوة والتمكين كما حصل أيضا عندما كنا في مراحل الضعف بل عندما كنا مهددين بالغزو الخارجي وهذا موضوع فيه تفصيل كثير وسنكتفي هنا بالحديث عن أفغانستان حيث تطرقنا سابقا للحديث عن أسباب التشرذم في ساحة الجهاد ولا حاجة لتكرار كل ما ذكرناه سابقا
لقد دخلت الجماعات الإسلامية ساحة الجهاد بصورة متفرقة فكان لكل جماعة زعامتها ورايتها الخاصة بها ولم يعد بالإمكان توحيد تلك الجماعات بعد أن صارت ذات شوكة وقد ذكر الشيخ عبد الله عزام رحمه الله أن فصائل المجاهدين قد اقتتلت فيما بينها عام ٨١ وقد وفق الله الداعية كمال السنانيري(كما ذكرنا سابقا) لوقف ذلك الاقتتال وبمرور الوقت ترسخت الولاءات الحزبية وغيرها من الولاءات الضيقة لدى فصائل الجهاد التي تحولت إلى جماعات مقاتلة تحمل أسماء إسلامية مثل الحزب الإسلامي والجمعية الاسلامية وعلى رأسها زعامات(لا قيادات) ذات طابع قبلي أو عرقي أو غيره أما القواعد فتضم كل من هب ودب ويذكر الأخ محمود سعيد عزام في كتابه شيخي الذي عرفت أن الشيخ عبد الله عزام سأل حكمتيار عن اغتيال أحد قادته الميدانيين لمجموعة من قادة الجمعية الإسلامية هل له علم بذلك فأجابه بالنفي فقال له الشيخ كيف يحصل ذلك دون علمك فأجابه حكمتيار بأن بعض القبائل عندما تنضم لحزب معين تضع شرطا أن يؤمر عليهم شخصا هم يحددونه وقد يكون هذا الشخص أميا فيضطر الحزب للقبول بهذا الشرط وإلا ستنضم القبيلة لحزب آخر
وهذه الرواية تبين أن فصائل الجهاد كانت تضم في صفوفها بل ويصل إلى سلم القيادة فيها كل من هب ودب وهكذا تصبح الولاءات الضيقة سيدة الموقف
فلا مكان لإخوة العقيدة عند الكثيرين بل إن العقل قد يغيب تماما في كثير من الأحيان فتندلع الخلافات لأتفه الأسباب ويكون الاحتكام إلى السلاح سيد الموقف
لقد سعى الكثير من الدعاة وعلى رأسهم الشيخ عبد الله عزام لجمع فصائل المجاهدين تحت راية واحدة ولكن دون جدوى وكذلك فعل الرئيس الباكستاني ضياء الحق رحمه الله وبمرور الوقت اضطر الجميع للتسليم بالواقع القائم بعد أن يئسوا من توحيد الراية فصاروا يركزون على الهدف الرئيسي وهو محاربة الروس وعملائهم دون الالتفات إلى السلبيات الموجودة في صفوف المجاهدين والتي كان أخطرها تعدد الرايات
وبغياب ضياء الحق والشيخ عبد الله عزام رحمهما الله بات وقوع الفتنة بين فصائل المجاهدين أمرا مؤكدا وهذا ما حذر منه الكثيرون منذ وقت مبكر وهنا لابد لي أن أشير لدراسة كتبها محمد مزمل زمان وهو أحد الدعاة الأفغان وينتمي لجماعة عبد رب الرسول سياف بعد انسحاب الروس حيث نشر في مجلة الجهاد دراستين الأولى بعنوان كابل تبحث عن الفاتحين خلص فيها إلى حتمية سقوط نظام كابل وفي دراسته الثانية والتي كان عنوانها كابل أدركوها قبل الفتح والتي بين فيها إلى حتمية اقتتال فصائل المجاهدين بعد دخول كابل مبينا جميع الأسباب المؤدية لذلك ومع ذلك لم يستطع أحد تدارك الفتنة لفوات الأوان
وكما ذكرنا سابقا فإن الاقتتال كان بشكل رئيسي بين أكبر فصيلين وهما الجمعية الإسلامية والحزب الإسلامي حيث دخل مقاتلو الجمعية مدينة كابل بقيادة أحمد شاه مسعود والذي اصبح وزيرا للدفاع في الحكومة الجديدة كما صار برهان الدين رباني زعيم الجمعية رئيسا للحكومة الجديدة مما أدى لشعور غلب الدين حكمتيار بالغبن فبادر لقصف مدينة كابل من الجبال المحيطة بها كما حصل اقتتال داخل مدينة كابل بين جماعة سياف(الاتحاد الإسلامي)والرافضة " حزب الوحدة الإسلامية" وكان هذا الاقتتال مادة للتندر في القنوات الفضائية
لقد أدى هذا الاقتتال لالحاق دمار كبير في المدينة وقتل الآلاف من سكانها كما دمر العديد من المساجد الأثرية أيضا
لقد ظلت كابل آمنة طوال الفترة الماضية لأنها كانت تحت سيطرة الروس وعملائهم فلم تكن ساحة حرب كما كانت الأرياف والمناطق النائية
لقد استغلت إيران النفاق ذلك الاقتتال فقامت بسرقة الكثير من المعدات العسكرية بما فيها الطائرات من منطقة هيرات. كما تفشت زراعة المخدرات وانتشرت عصابات الاجرام وقطاع الطرق فلم يعد أحد من الأفغان يأمن على نفسه وعرضه وماله وهكذا شهدت البلاد موجة جديدة من النزوح الى البلدان المجاورة بدل عودتهم إلى أفغانستان
و هكذا تحول قادة الجهاد إلى امراء حرب فسقطوا معنويا وفقدوا احترامهم لدى مسلمي أفغانستان مما مهد الطريق لظهور حركة طالبان بعد عامين من دخول المجاهدين إلى كابل
وهذا ما سنتحدث عنه في الفصل القادم إن شاء الله.
20201-03-10
كاتب من بيت المقدس
الحلقة الخامسة عشر
الطريق إلى كابل
كما ذكرنا سابقا فقد أتم الروس انسحابهم من أفغانستان ربيع عام ٨٩ بعد أن تركوا خلفهم ترسانة كبيرة من السلاح مع جيش عرمرم من القوات النظامية والأجهزة الأمنية والميليشيات الموالية للنظام
ظن كثيرون أن نظام كابل سيسقط بمجرد انسحاب الروس لكن الواقع أثبت عكس ذلك إذ استطاع نظام كابل الصمود ثلاث سنوات بعد انسحاب الروس وهذا الأمر له أسباب عدة
أولها كما ذكرنا تفوق الجيش الأفغاني من ناحية العدد والعدة وحتى من ناحية تكتيكات المعارك حيث كان الروس وعملاؤهم يقاتلون بطريقة مدروسة بعكس فصائل المجاهدين التي كانت تقاتل بصورة غير مدروسة وأحيانا بصورة عبثية وقد شاهدت بأم عيني أثناء زيارتي لأحد جبهات القتال كيفية تموضع المجاهدين بطريقة عشوائية تشبه معسكرات الكشافة أو معسكرات الجيوش في حالات السلم أي أن الإنسان لا يشعر أنه في جبهة قتال يمكن أن يتعرض للقصف في أية لحظة
كما سألني الاخوة عما إذا كنت أرغب بإطلاق الصواريخ باتجاه الأعداء وقد وقفت أمام راجمة الصواريخ ومع ذلك فقد رفضت الضغط على الزر المخصص لذلك طالبا منهم ألا يضيعوا الذخيرة عبثا بلا هدف محدد ومدروس كمهاجمة أحد المواقع مثلا وقد قرأت في أحد دوريات المجاهدين في حينها عن عمليات إضاعة الذخيرة عبثا فعلمت أن ما رأيته لم يكن حالة استثنائية
٢- تورط جميع رموز نظام كابل بمن فيهم ضباط الجيش وقادة الميليشيات بالجرائم التي وقعت أثناء الاحتلال الروسي فكان عليهم القتال حتى النهاية لأنهم سيتعرضون للقتل إذا وقعوا بأيدي المجاهدين رغم اعلان المجاهدين العفو عن كل من يتخلى عن نظام كابل ومع ذلك فقد تمسك الكثيرون بمواقعهم وظلوا يقاتلون طوال هذه السنوات
٣- ومن الأسباب أيضا تفرق صف المجاهدين وعدم وجود التنسيق فيما بينهم وهذا ما سنتحدث عنه لاحقا إن شاء الله
٤- انتقال المجاهدين من مرحلة حرب الاستنزاف إلى مرحلة تحرير المدن التي تختلف تماما عما سبقها إضافة لما يتطلبه تحرير المدن من أسلحة ثقيلة وجيوش نظامية لا تتوفر لدى فصائل المجاهدين كما أن الروس قد حصنوا المدن الرئيسية بخطوط دفاع قوية قبل انسحابهم مما صعب المهمة على المجاهدين وقد شاهدت بأم عيني محاولة المجاهدين تحرير مدينة جلال أباد في ربيع عام ٨٩ والتي كلفت المجاهدين الكثير دون تحقيق أي تقدم مما أرغمهم في التخلي عن هذا الهدف
٥- كانت معظم المدن تكتظ بالأهالي لأنها كانت مناطق آمنة لا تتعرض للقصف من قبل الروس وعملائهم لأنها تحت سيطرتهم وهذا أيضا مما صعب على المجاهدين عملهم
٦- حقول الألغام الكثيرة التي زرعها الروس وعملاؤهم حول المواقع العسكرية والتي أوقعت ألاف الضحايا في صفوف الأفغان وقد ذكرت سابقا أن الروس سلموا مسؤولي الأمم المتحدة خرائط بألفي حقل للألغام
وعلى أية حال سنكتفي بالحديث عن هذا الموضوع بصورة مجملة
في هذه الأثناء لجأ النظام لاستعمال كل ما لديه من أسلحة حيث بالغ باستعمال صواريخ سكود التي بحوزته ومع ذلك لم يحرز أي انجاز يستحق الذكر
إذ تابع المجاهدون عملهم في الأطراف باستنزاف القوات الحكومية واستمرت عمليات فرار الجنود وحتى كبار الضباط لأن غالبيتهم كانوا مقتنعين باستحالة هزيمة المجاهدين رغم كل ما ذكرناه سابقا
ومهما يكن من أمر فقد سقط الاتحاد السوفييتي نهاية عام ٩١ وانشغل العالم وخاصة الدول الغربية بتداعيات ذلك الحدث كما انكشفت جميع الأنظمة التي كانت تعتمد عليه لأن روسيا الاتحادية التي ورثت تركة الاتحاد السوفييتي كانت تعاني من أزمة اقتصادية طاحنة جعلت الروس يتخلون عن جميع أتباعهم ومن بينهم نظام كابل مما أثر على معنويات كبار ضباط الجيش وقادة الميليشيات الذين سارع بعضهم بالانشقاق عن نظام كابل ومنهم عبد الرشيد دوستم قائد الميلشيات الأوزبكية مما سهل على المجاهدين دخول كابل رغم اقتتالهم على أبوابها وهنا دخلت قضية المسلمين في أفغانستان في أخطر مراحلها حيث كان الاقتتال بين فصائل المجاهدين سيد الموقف
وهذا ما سنتحدث عنه في الفصل القادم إن شاء الله
20201-03-06
كاتب من بيت المقدس
الجهاد الافغاني بين غلو التقديس و غلو التخوين
حقائق غائبة
الحلقة الرابعة عشر
20201-02-28
كاتب من بيت المقدس