الجمعة، 26 مارس 2021


الجهاد الافغاني بين غلو التقديس وغلو التخوين
حقائق غائبة

الحلقة التاسعة عشر
الابتلاءات التي تعرضت لها الامارة الإسلامية
لقد اشتد البلاء على الامارة الإسلامية الوليدة بعد دخول كابل ثم مزار شريف بعد ذلك ففي هذه الفترة أي بين عامي ٩٦ وحتى عام ٢٠٠١ لم تتوقف المناوشات مع تحالف الشمال الذين  هاجموا في احدى المرات مدينة كابل عندما كان مجاهدوا الحركة منشغلين في الشمال فتصدى لهم مجموعة صغيرة من المجاهدين العرب لم يتجاوز عددهم الخمسين وتمكنوا من دحر ذلك الهجوم وهنا ارتفعت أسهم المجاهدين العرب عند حركة طالبان وأنصارها على عكس جماعة تحالف الشمال الذين صاروا يحقدون على جميع العرب وهذا ماسنتطرق له لاحقا إن شاء الله
وفي هذه الأثناء إلتجأ إلى أفغانستان مجموعة من مجاهدي تركستان الشرقية والذين كانوا يقاتلون ملاحدة الصين الذين يحتلون بلادهم منذ عقود وهنا طالب ملاحدة الصين الإمارة الإسلامية تسليمها أولئك المجاهدين فرفض الملا عمر ذلك الطلب
في هذه الفترة أمر الملا عمر (رحمه الله) بازالة أصنام بوذا الموجودة في منطقة باميان وقد صدرت فتوى من علماء أفغانستان بذلك كما أن حركة طالبان كانت تستفتي الشيخ حمود عقلا  الشعيبي(رحمه الله)في الكثير من القضايا لأنه(رحمه الله) موضع ثقة عند علماء الحركة وقد عرضت في حينها اليابان وغيرها من الدول  على الإمارة الإسلامية مبالغ طائلة من المال مقابل نقل تلك الأصنام إلى اليابان أوإلى أماكن أخرى في وقت  اشتد فيه البلاء على الأفغان بسبب الجفاف الذي أصاب البلاد إضافة للحصار الجائر الذي فرضته دول الكفر على الأفغان ومع ذلك فقد رفض الملا عمر(رحمه الله) ذلك العرض وقال كلمته المشهورة أريد أن يحشرني الله مع هادمي الأصنام لا مع بائعي الأصنام وقد بدا النفاق العالمي جليا حيث لم يكترث العالم لأطفال أفغانستان الذين كانوا يموتون نتيجة الجوع والمرض بسبب القحط والحصار الجائر ولم يقدموا تلك الأموال لانقاذ أولئك المساكين وكانت حجتهم أن الأموال مخصصة لأصنام بوذا التي يعتبرونها "تراثا حضاريا"يجب المحافظة عليه
وهنا لابد أن نذكر مواقف بعض الإسلاميين المقاصديين او المصالحيين أومن يحلو لهم التسمي بالوسطيين او المعتدلين والذين يبالغون بالحديث عن مقاصد الشريعة والمصالح ودرء المفاسد وعن "الوسطية والاعتدال"  حيث سافر وفد من هؤلاء إلى أفغانستان والتقوا الملا عمر محمد (رحمه الله)  لثنيه عن تدمير تلك الأصنام وكان على  رأسهم الشيخ يوسف القرضاوي ومفتي مصر في تلك الأثناء نصر فريد واصل إضافة لمحمد سليم العوا وفهمي هويدي وعلي قره داغي مع آخرين كما رافقهم بعض الشخصيات الرسمية من حكومة قطر
حيث ظهر جليا أن ظاهرة الغثائية في أمتنا لاتقتصر على عامة الناس بل تمتد إلى النخب ممن يتصدرون المشهد عندنا والذين يتحركون وفق مصالح ورغبات أعداء الأمة وفي أحسن الأحوال يتأثرون بالتهويش الإعلامي الذي يمارسه الأعداء فيبنون قناعاتهم ومواقفهم بناء على المعلومات المأخوذة من الأعداء وهكذا
يتحركون ضد مصالح الأمة وبما يخدم مصالح الأعداء سواء أعلموا ذلك أو لم يعلموا
على أية حال فقد نجح قادة طالبان بإحراج ذلك الوفد عندما قالوا لهم لقد تأخرتم كثيرا بمجيئكم لقد مضى سنوات عديدة على هدم المسجد البابري (الذي هدمه مجوس الهند عام ١٩٩١) أي أنهم لم يتحركوا انتصارا لمسلمي الهند وإنما تحركوا انتصارا لأصنام بوذا.
وعلى أية حال لم يستطع الوفد تقديم أي دليل شرعي يبين خطأ هدم الأصنام ورجع أعضاؤه إلى بلدانهم بعد أن ناقشوا قضايا أخرى مع قادة طالبان مثل تعليم البنات حيث شرح قادة الحركة لأعضاء الوفد صعوبة ايجاد مدارس كافية للبنين لذا كان عليهم أولا تدريس الأبناء وبعد ذلك يمكن تدريس البنات وعلى أية حال فقد اقتنع بعض أعضاء الوفد بما سمعه من قادة طالبان فتوقفوا عن مهاجمتهم بعد عودتهم كالشيخ يوسف القرضاوي بل أنصفهم في بعض الأحيان. وبعض أعضاء الوفد واصل انتقاد حركة طالبان كسليم العوا
وهكذا كانت تعاني الإمارة الإسلامية من الإبتلاءات والتي كان أشدها إيلاما ظلم المسلمين لها الذين كانوا يستعملون نفس المصطلحات التي يستعملها الأعداء وهذا هو شأن كل من يتبنى مشروعا جادا يمثل هموم أمتنا فإنه سيجد الصدود والتسفيه بل العداء والمحاربة لمشروعه من أبناء أمتنا والذين سيقفون في صف الأعداء في محاربته وهكذا ندور في حلقة مفرغة من التآكل الذاتي لنوفر على الأعداء تكاليف الدخول بمواجهات مكشوفة مع أمتنا
ومن المصاعب التي واجهت الامارة الإسلامية الخراب الكبير الذي أصاب البلاد نتيجة الحرب حيث دمرت البني التحتية وقنوات الري والطرقات والمصانع ومع ذلك فقد تمكنت الإمارة الإسلامية بامكاناتها الذاتية وبمساعدة الباكستانيين من إعادة تشغيل ٦٠ مصنعا من أصل ٢٥٠ مصنعا مدمرا
كما أن حقول الألغام كانت تتسبب بقتل الكثير من الناس حيث زرع الروس عشرات الملايين منها في افغانستان قبل انسحابهم وقد ذكرت سابقا أن الروس سلموا مسؤولي الأمم المتحدة خرائط بألفي حقل ألغام وقد تمكنت الإمارة الإسلامية من تنظيف العديد من المناطق لكن ماتزال الكثير من تلك الألغام موجودة حتى يومنا هذا
وهكذا عانت الإمارة الإسلامية من العديد من الابتلاءات خلال السنوات الخمسة التي تلت دخول مدينة كابل حتى إذا وقعت أحداث ١١ أيلول من عام ٢٠٠١ دخلت الإمارة الإسلامية بامتحان جديد هو الأصعب والذي سنتحدث عنه في الفصل القادم إن شاء الله
وقبل أن نتحدث عن هذا الموضوع سنتوقف عند موضوع المجاهدين العرب في أفغانستان




20201-03-19
كاتب من بيت المقدس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق