الثلاثاء، 25 يونيو 2019

وفاة مرسي بين غلوّ التقديس وغلوّ التكفير

توفي قبل ايام الرئيس المصري السابق الدكتور محمد مرسي وكان ذلك ايذاناً لاشعال حربٍ  شعواء على مواقع التواصل الاجتماعي ابطالها فقهاء الفيسبوك وعلماء تويتر ومجاهدو الانستغرام. هذه الحرب اقل ما يقال عنها انها اخرجت نصف الامة من الملة واضافت نواقض جديدة من نواقض الاسلام كما اضافت نبياً جديداً بُعث بعد خاتم الانبياء  واثلجت صدور اعداءالاسلام ومزقت الامة اكثر مما هي عليه من تمزق واغاظت كل من يريد خيراً للاسلام واهله وهنا يجب الاشارة بأن هناك كثير من الاخوة من نشطاء الفيسبوك والتويتر ممَن نحسبهم على خير والله حسيبهم، وانا قصدت بابطال الفيسبوك اولئك الغثاء الذين يتفيقهون وهم لا يفقهون شيئا

هذه الحرب الشعواء جرت وما زالت على اشدها بين فريقين،فريق الاخوان ومريديهم ومن لف لفهم من جهة وبين مبغضيهم  وهم فرق كثيرة متفرقة في كل شئ ولكنهم مجمعون على بغض الاخوان عندما تتصفح صفحات اي الفريقين يصيبك الغثيان والاشمئزاز من شدة اللعن والشتم والشماتة والتكفير لبعضهما واول سؤالٍ يتبادر الى ذهنك هو هل هؤلاء حقاً مسلمون؟ هل هؤلاء مؤمنون؟ ألم يقرأوا قول من لا ينطق عن الهوى من قال لأخيه يا عدو الله أو قال: يا كافر فقد باء بها أحدهما، ألم يقرأوا حديث المصطفى   ليس المؤمن باللعان ولا الطعان ولا الفاحش ولا البذئ؟
في صفحات الاخوان ومريديهم تجد غلواً ما بعده غلو في الرجل إذ جعلوا عدم الترحم على مرسي من الكبائر بل ذهب كثير منهم الى تكفير من لا يفعل ذلك بل جعلوه من نواقض الاسلام!! واكثر من ذلك فقد كتب بعضهم " وماقتلوه ولكن شُبِه لهم بل رفعه الله إليه" اي انهم جعلوه بمنزلة نبي الله عيسى عليه السلام وآخر كتب "صلوا عليه وسلمواتسليما" اي بمنزلة النبي محمد وكتب ضال آخر "قتلناك يا آخر الانبياء" وغير ذلك من الكفريات التي تقشعر منها الأبدان. وارجو ان لا ياتيني احدٌ ليقول لي بان هؤلاء افراد معدودون، بل هو منهج منظم في الغلو في الرجل إذ لم أر احداً من الاخوان ممن اعترض او تبرأ من تلك الكفريات

أما في الطرف الاخر فتقرأ على صفحاتهم النقيض من ذلك حيث امتلأت تلك الصفحات  بالشماتة واللعن والطعن بالرجل وتكفيره وأنه خالد في جهنم وكأن الذي مات هو ابليس وليس رجل من المسلمين بل ذهب بعضهم الى تكفير من لا يكفر مرسي وتكفير واخراج من الملة من ترحم عليه اي اننا قد اكتسبنا فقط في هذين اليومين نقيضين جديدين من نواقض الاسلام، فعند الطرف الاول عدم الترحم على الرجل هو من نواقض الاسلام  يخرجك من الملة وعند الطرف الثاني يعتبر هؤلاء ان الترحم عليه من نواقض الاسلام واعداؤنا يضحكون علينا ويتراقصون فرحاً على تشرذمنا وتشتتنا وانشغالنا بالتفاهات التي لا تُسمن ولاتُغني من جوع تاركين اعدائنا الحقيقيين ينهشون بجسد هذه الامة المكلومة والمبتلاة بضحالة أبنائها.
المصيبة أن الجنة والنار اصبحتا بيد كل من هبّ ودبّ، حيث انهم يفتحون ابواب الجنة أوابواب جهنم لمن يشاؤون والحمدلله الذي لم يدع أمر الجنة والنار لاحد من عباده وإلا لدخلنا جميعنا في النار
ما يجري اليوم من انشغالنا بصغريات الامور وانشغالنا بمحاربة بعضنا البعض وترك عدونا الحقيقي يصول ويجول كيفما يشاء في بلادنا وتشبثنا في امور فرعية يُذكرني بما حدث لدولة المرابطين في اواخر سنين حكمها، تلك الدولةالعظيمة التي قامت في المغرب الاسلامي ويعود لها بعد الله الفضل في ادخال الاسلام إلى معظم دول افريقيا والتي لولاها لسقطت الدولة الاسلامية في الاندلس اربعة قرون قبل سقوطها في عام 1492.تلك الدولة انحدرت انحداراً عظيماً في آخر سنوات حكمها وانشغلت في حروب داخلية وانشغل علماؤها حينها بمعارك عظيمة فيما 
بينهم وكفّر بعضهم بعضاً لاسباب لا يمكن ان يتصورها عاقل كاختلافهم مثلا بكيفية تحريك السبابة في التشهد، فمنهم من كان يقول بحركة واحدة وآخر يقول بحركتين وآخر غير ذلك وكلٌ يحارب من اجل اثبات صحة ما ذهب إليه وغيرها كثير جداً من الامور الفرعية وهكذا انتهت دولتهم وذهب سلطانهم
هكذا هو حالنا الآن، حيث انشغلنا بصغريات الامور وجعلنا منها قضايا مصيرية وتركنا عُرى الدين يتلاعب بها كلُ من هبّ ودبّ كالمعارك المحتدمة بيننا مثلاً في موضوع سطحية او كروية الارض وكل فريق يكفر الفريق الاخر لانه يقول غير ما يقول وهل ابو حنيفة كافر أم أنه من أئمة المسلمين والان الترحم او عدم الترحم على مرسي وغيرها كثير
  كنت اعتقد واتمنى أن تكون وفاة مرسي عبرة ودرسا قاسيا يقنع الاخوان بان سلميتهم وانبطاحهم تحت أقدام العسكر لن يزيدهم الا ذلاً فوق ذلهم وان انحرافاتهم العقدية وعبادتهم لصنم الديموقراطية من دون الله لن يجرعليهم الا الويلات والقتل ولكنهم للأسف ازدادوا انحرافاً فوق انحرافاتهم فراح بعض شيوخهم في خطبة الجمعة الاخيرة يصفون الرجل بأنه شهيد الانسانية و شهيد الديموقراطية ويا له من ضلال وكلنا او اغلبنا يعلم بان المصطفى   قال: (من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو  شهيد ومن قتل دون دينه فهو شهيد) ولم  نقرأ أن نبينا قال من مات من اجل الديموقراطية او الانسانية او السلمية الذليلة فهو شهيد فمن اين اتى القوم بهذا الضلال؟والأدهى من ذلك  وقوف احد شيوخهم على منبر الجمعة الماضية ليستشهد بالآية الكريمة "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا" وذكر في سياق من يدخل في هذه الاية محمد مرسي ونيلسون مانديلا وغاندي واولف بالمه(رئيس وزراء السويد) وكذلك آنا ليند وزيرة خارجية السويد وما بقي الا ان يُدخل شمعون بيريز لكي تكتمل  الطبخة الضالة ولم يذكر أحدا من المسلمين في عصرنا ممن دفع حياته ثمنا لثباته على الحق كسيد قطب(رحمه الله) رغم أنهم يدعون أنه من رجالات الاخوان عندما يتماشى مع اهوائهم. وهكذا نرى القوم يستميتون باستبعاد المصطلحات الشرعية واستبعاد البعد العقدي لمايدور حولنا من مؤمرات تستهدف الإسلام وأهله ولا يدعون أية فرصة الا ويلبسون جماعتهم لباس العلمنة ويُبعدون عنها شبهة الصبغة الاسلامية تملقاً لأعداء أمتنا وتذللاً لهم عساهم يرضون عنهم أما رضى الله فهذا آخر مايفكرون به
 أما عن الطرف الاخر فكنت اتمنى لو أن هؤلاء يأبى عليهم دينهم الوقوف مع الظالم القاتل مهما كان بغضهم للمقتول لان القاتل مجرم سفاح وظالم، وأن يفقهوا بان المطلوب هو رأس الاسلام وليس رأس مرسي او الاخوان بل أي مسلم مهما كان توجهه وبذلك فقد اصطفوا مع المجرم القاتل ضد المقتول المظلوم بعلمٍ أو بجهل منهم لحقيقة الصراع القائم

أما بالنسبة لي فأقول رحم الله تعالى الدكتور محمد مرسي وغفر له وأسال الله تعالى أن يجعل فترة سجنه الرهيبة ومعاناته ومظلوميته وقتله كفارة له من الانحرافات العقدية التي ارتكبها في فترة رئاسته
لقد ذكرت في مقالٍ سابق باننا نحن المسلمين دائما ما نستعمل الآية الكريمة "تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتّى" لكي نصف اليهود والنصارى على انهم متفرقين ولكن في واقع الامر فان الاية تنطبق علينا نحن المسلمين قبل غيرنا. نحن أمة نبغض بعضنا ويكفر بعضنا بعضا لمجرد اختلاف الرأي في مسائل فرعية ونعين اعداءنا علينا ومعظمنا يفعل ذلك ليس انتصاراً 
لدين الله تعالى وانما انتصاراً للجماعة او الحزب الذي ينتمي اليه او انتصاراً لنفسه
أمة جلّ ابنائها يفكرون بهذه الطريقة ما زال التمكين عنها بعيد المنال والى الله المشتكى ولا حول ولا قوة إلا بالله


اشرف المعاضيدي
2019-06-25