الجمعة، 12 فبراير 2021


الجهاد الافغاني بين غلو التقديس و غلو التخوين

حقائق غائبة

الحلقة الحادية عشرة الجزء الثاني

اوضاع الإتحاد السوفييتي
كما ذكرنا سابقا كان الشيوعيون يشعرون بالنشوة في النصف الثاني من عقد السبعينات للأسباب التي ذكرناها سابقا يضاف إلى ذلك وجود ليونيد بريجينيف في سدة الحكم وهو ينتمي للجيل القديم من الشيوعيين أومن يسمون في عالم السياسة بالحرس القديم وهؤلاء قد عاصروا الإتحاد السوفيتي من بداية تأسيسه فتكلست أفكارهم على المفاهيم القديمة التي عفا عليها الزمن وتجاوزها الواقع فكانوا لايرون ما يجري حولهم من تحولات بمعنى أنهم لم يكونوا يرون إلا الإنجازات التي استطاع الشيوعيون تحقيقها في العقود الماضية وزاد من العمه(عمى البصيرة)عندهم ما أشرنا إليه سابقا من نجاحات  خلال عقد السبعينات
لذلك ارتكب بريجينيف حماقته بغزو أفغانستان كما أسلفنا ولم يكترث لكل المعطيات التي كانت تدل على أن أفغانستان لن تكون لقمة سائغة يسهل ابتلاعها وهضمها فواصل حماقته بارسال الجيوش وارتكاب المجازر واتبع سياسة الأرض المحروقة ولكن الله أهلكه نهاية عام ١٩٨٢ ليحل مكانه يوري أندروبوف والذي عمل رئيسا للمخابرات الروسية فكان أكثر إجراما من سلفه لكن الله أهلكه بعد ١٥ شهرا من تسلمه الحكم ليحل مكانه قسطنطين تشيرينكو فواصل نهج أسلافه بل تفوق عليهم فأهلكه الله بعد ١٣ شهرا من تسلمه الحكم فكان آخر الزعماء من الحرس القديم وهنا وجد الروس أن عليهم أن يضخوا دماء جديدة في قيادة الحزب الشيوعي فاختاروا رئيسا جديدا لاينتمي لجيل الحرس القديم لعله يوقف عجلة الإنهيار التي بدت ملامحها تلوح في تلك الفترة فاختاروا ميخائيل كورباتشوف لعله يستطيع أن يوقف عجلة الانهيار الذي بات وشيكا ولكن قد فات الأوان
في شهر آذار من عام ١٩٨٥ وصل إلى سدة الحكم آخر رؤساء الإتحاد السوفييتي ميخائيل كورباتشوف وهو من مواليد ١٩٣١ ويحمل مؤهلا جامعيا في القانون أي أنه محامي وكان يتمتع بثقافة عالية بعكس سابقيه الذين كان مؤهلهم الوحيد أقدميتهم في الحزب الحاكم
وصل غوربشوف إلى الحكم والإتحاد السوفييتي في حالة مزرية على جميع الأصعدة ماعدا الصعيد العسكري وأفضل وصف للإتحاد السوفييتي في ذلك الوقت بأنه دولة من العالم الثالث تملك ترسانة نووية وآلة عسكرية ضخمة فقط
لقد كان على غورباتشوف مواجهة الكثير من المعضلات بعد أن  وضع  الباحثون الروس أمامه كما هائلا من الدراسات والتقارير عن الكثير من المشكلات والمعضلات التي يعاني منها الاتحاد السوفييتي ومنها على سبيل المثال استفحال مشكلة الادمان على الكحول التي كانت تبتلع مليون ضحية في العام ومنها تأكل البنية التحتية وخاصة السكك الحديدية والنقل الجوي حتى صار سجل شركة الطيران ايروفلوت الروسية الأسوأ عالميا من حيث عدد الحوادث اضافة للتخلف في المجال العلمي والتقني مع انتشار كل أنواع الفساد وتفشي الرشوة والاختلاس وانتشارعصابات الاجرام حيث تفوقت المافيا الروسية على نظيراتها في دول العالم الأخرى إضافة للحرب في أفغانستان التي كلفت الروس خسائر مادية وبشرية فادحة وبعد عام من توليه الحكم وقعت كارثة مفاعل شارنوبيل التي تكتم عليها الروس واضطروا للافصاح عنها مرغمين بعد أن تحدثت الدول المجاورة(السويد بشكل خاص) عن وجود نشاط إشعاعي غير طبيعي في البيئة ولم يتمكن الروس من السيطرة على تلك الكارثة فطلبوا العون من الدول الغربية. فكانت تلك الحادثة فضيحه كبيرة للروس قوت من مركز غورباتشوف للمضي في برنامجه الإصلاحي الذي كان يصطدم ببقايا الحرس القديم
وبالفعل بدأ غورباتشوف برنامجه الإصلاحي فألف كتابه الشهير البريسترويكا والذي يعني إعادة البناء ودعا لما سماه الغلاسنوست أي الانفناح والشفافية وفيما يخص أفغانستان فقد وصف الحرب هناك بأنها جرح نازف في ظهر الإتحاد السوفييتي واعترف لأول مرة بأن الخسائر البشرية بلغت ١٥ ألف قتيل و٣٥ ألف جريح(كان ذلك عام ٨٦)ووافق على التفاوض مع الأفغان لإنهاء الحرب وفي عهده انسحب الروس من أفغانستان وفي عهده أيضا انتهت الحرب الباردة مع العالم الغربي وسقطت الأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية وسقط معها جدار برلين وتوحدت ألمانيا وفي عام ١٩٩٠ وبعد اجتياح الكويت من قبل العراق  تلقى الإتحاد السوفييتي قرضا مقداره أربع مليارات دولار من احدى الدول العربية الغنية ماليا(الفقيرة والغبية فيما عدا ذلك)كرشوة حتى لايستخدم الروس حق الفيتو في مجلس الأمن عند التصويت على جميع القرارات التي اتخذها المجلس آنذاك ضد العراق والتي كانت نتيجتها فرض العقوبات على العراق ثم شن الحرب ضده بداية العام التالي ثم فرض الحصار  عليه واحتلاله عام ٢٠٠٣ وتقديمه بعد ذلك على طبق من ذهب لإيران التي تمددت في المشرق العربي فباتت تحاصر جزيرة العرب من جميع الجهات

وفي العام التالي أي ١٩٩١ تفكك الاتحاد السوفييتي وسقطت الشيوعية كما تنبأ بذلك الكثيرون ومنهم سيد قطب رحمه الله والشيخ عبدالله عزام رحمه الله والذي تنبأ بأن غزو أفغانستان سيكون سببا في سقوط الاتحاد السوفييتي كما كان سببا بسقوط الامبراطورية البريطانية
وهكذا دخل العالم مرحلة تاريخية جديدة وهذا موضوع آخر لسنا بصدد الحديث عنه



2021-02-11
كاتب من بيت المقدس

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق