الاثنين، 1 فبراير 2021

الجهاد الافغاني بين غلو التقديس و غلو التخوين

حقائق غائبة


الحلقة الثامنة 

أوضاع العالم الإسلامي في عقد الثمانينات

لقد كان العقدان الأخيران من القرن الماضي مليئين بالأحداث على جميع المستويات ففي بداية هذا العقد وصل إلى البيت الأبيض رونالد ريغن والذي أحدث إنقلابا في السياسة الخارجية الأمريكية كما أسلفنا والذي "أعاد للأمريكيين ثقتهم  بأنفسهم " حسب رأي الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون كما ذكر في كتابه أمريكا والفرصة السانحة

كما شهد العالم الإسلامي عدة أحداث جسيمة حيث اندلعت الحرب العراقية الإيرانية عام١٩٨٠ والتي انتهت بهزيمة إيران حيث اعترف الخميني بتجرعه السم عندما وافق مرغما على وقف الحرب كما شهدت بلاد الشام انتفاضة عارمة ضد النظام النصيري في دمشق انتهت بمجزرة حماة بداية عام ١٩٨٢ كما شهد صيف ذلك العام اجتياح لبنان من قبل الكيان اليهودي مما أدى لخروج الفصائل الفلسطينية من ساحة المواجهة مع العدو اليهودي ليحل مكانها فيما بعد "حزب الله" الرافضي ليكون فيما بعد المسيطر على دويلة الطوائف في لبنان.وفي الثلث الأخير من هذا العقد اندلعت الانتفاضة الأولى في الضفة الغربية وقطاع غزة ضد الكيان اليهودي كما اغتيل خليل الوزير(أبو جهاد) والذي كان يقود العمل العسكري في حركة فتح مما مهد الطريق لما سمي "باتفاقية أوسلو" فيما بعد كما أغتيل في نفس العام (١٩٨٨) رئيس باكستان ضياء الحق (رحمه الله) وكان من أشد المناصرين للجهاد الأفغاني وأغتيل في العام التالي الشيخ عبد الله عزام (رحمه الله) وهذا ماسنتطرق إليه لاحقا إن شاء الله.  كما شهدت نهاية العقد انسحاب القوات الروسية من أفغانستان وهذا ماسنتحدث عنه لاحقا إن شاء الله. وكذلك دخلت القوات العراقية الكويت مما أدى لحصار العراق ثم حرب الخليج الثانية وماتلاها من تداعيات على مختلف الأصعدة

هذه هي أهم الأحداث التي وقعت خلال عقد الثمانينات والآن سنتحدث بصورة مختصرة  عن آثار تلك الأحداث على الأمة الإسلامية بشكل عام وعلى الجهاد الأفغاني بشكل خاص

لقد أدى غزو الروس لأفغانستان واندلاع الحرب العراقية الإيرنية وكذلك أحداث بلاد الشام إلى انقسام (ظاهري ) بمواقف الدول العربية حيث وقفت بلدان الجزيرة العربية ومعها بقية الدول التي تسير في ركب السياسة الأمريكية بصورة علنية مع العراق في حربه ضد إيران وكذلك وقفت مع الجهاد الأفغاني (بايعاز من البيت الأبيض) وبذلك توافقت لأول مرة مواقف بعض الحكومات العربية مع توجهات الإسلاميين وهنا حصل اختراق كبير للفكر الإسلامي حيث أدى ذلك لترسيخ القناعات عند أصحاب الطروحات المهادنة والذين يرفضون بشكل قاطع التغيير الجذري للأوضاع القائمة في العالم الإسلامي ويرون أن مهمة الحركات الإسلامية هي اصلاح الأوضاع القائمة باللطف واللين مع رفض تكفير أنظمة الحكم القائمة (ماعدا بعض الاستثناءات كنظام القذافي والنظام النصيري في الشام ) وذهب بعض الإسلاميين لأبعد من ذلك في الحديث عن"تجسير العلاقة مع أنظمة الحكم" وأصبح سيد قطب  (رحمه الله) في قفص الاتهام بل ذهب بعضهم لوصف كتاب معالم في الطريق " بالزنزانة الفكرية"

وشهدت هذه الفترة أيضا لحظات قصيرة من الإنفراج بالعلاقة مع بعض الحكومات التي أتاحت للإسلاميين هامشا من حرية التعبير فطفت على السطح بعض الحوارات التي تتحدث عن "ترشيد الصحوة الإسلامية" والمتابع لما جرى طرحه في تلك الفترة يصل لقناعة بأن فصائل العمل الإسلامي لاتملك أية خطة واضحة للوصول إلى الهدف المنشود وهو قيام الحكم الإسلامي وهذا أمر قد اعترف به الكثيرون بل إن الدكتور النفيسي قد وصف العمل الإسلامي بالتجميع الكمي العشوائي

وهذا الأمر لايخص جماعة معينة بل إن طيفا واسعا من الإسلاميين أصبح يتبنى طروحات مهادنة لأنظمة الحكم القائمة وباتوا يستعملون نفس اللغة التي تستعملها أنظمة الحكم مثل الوحدة الوطنية واليوم الوطني وصارت ومازالت بعض الدوريات "الإسلامية"تزين صفحاتها بصور أعلام وشعارات تلك البلدان بل وصور الحكام مع كيل المديح لهم

كل ذلك كان يزيد من أزمة المفاهيم التي يعاني منها الشباب المسلم مما أدى لتبلور توجه جديد داخل الصف الإسلامي يرفض تلك الطروحات الجاهلية التي تحاول أن تلبس ثوب الإسلام ولعب الجهاد الأفغاني دورا بارزا في ظهور هذه الظاهرة كما سنرى لاحقا

وعلى الطرف الآخر أدت المهادنة المؤقتة بين الإسلاميين وبعض الأنظمة إلى اطمئنان بعض الإسلاميين للحكومات القائمة فطفت على السطح مشاركة الإسلاميين بالانتخابات البرلمانية والتحالف مع العلمانيين(كالتحالف الوطني لتحرير سورية)بل ذهب بعض الإسلاميين لأبعد من ذلك فوافقوا على الانخراط  في الانتخابات تحت راية الأحزاب العلمانية (الشيخ صلاح أبو إسماعيل في مصر)  وهكذا تسللت الديموقراطية إلى الفكر الإسلامي مما أدى لانحرافات  عقدية ومنهجية تركت آثارها المدمرة على الأمة الإسلامية فيما بعد وهذا موضوع آخر لايمكننا الإلمام بتفاصيله في هذه العجالة

أما كيف أثرت هذه الأوضاع على الجهاد الأفغاني فهذا ماسنتحدث عنه  في الفصل القادم إن شاء الله



2021-02-01

كاتب من بيت المقدس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق