الثلاثاء، 23 فبراير 2021

الجهاد الافغاني بين غلو التقديس وغلو التخوين
حقائق غائبة 


الحلقة الثالثة عشر الجزء الثاني
الشيخ عبد الله عزام رحمه الله

لا يستطيع أي دارس للتجربة الأفغانية أن يتجاهل هذا الرجل لا لدوره المميز في القضية بل للأثر الذي تركه من بعده ونسأل الله أن يجعل ذلك في ميزان حسناته. وهنا لابد لنا من لمحة مختصرة عن خلفية الشيخ نبني عليها ما بعدها

ولد الشيخ في سيلة الحارثية التابعة لمدينة جنين في الضفة الغربية لنهر الأردن عام ١٩٤١ وأتم دراسته فيها ثم تخرج من كلية الشريعة في جامعة دمشق عام ١٩٦٦ وكان قد التحق بجماعة الإخوان المسلمين قبل ذلك وفي عام ٦٧  احتل الكيان اليهودي الضفة الغربية فانتقل الشيخ إلى شرق الأردن ليلتحق بمعسكر الشيوخ التابع لمنظمة فتح الذي تجمع فيه الشباب المسلم الراغب بالجهاد ضد الكيان اليهودي وبقي هناك حتى أيلول عام ١٩٧٠ عندما اندلعت الاشتباكات بين "فصائل المقاومة" والجيش ”الأردني" حيث وقف الإسلاميون على الحياد في تلك الحرب وأثناء هذه  الفترة حصل على درجة الماجستير من جامعة الأزهر ثم حصل على الدكتوراة بعد ذلك وعمل أستاذا في الجامعة الأردنية وصدر قرار بفصله من التدريس وتم تخييره بين العودة للعمل على ألا يتكلم في أمور السياسة ولكنه ترك العمل وانتقل للعمل في جامعة الملك عبد العزيز في جدة في بداية الثمانينات والتي عمل فيها ثلاثة فصول دراسية لينتقل

بعد ذلك إلى إسلام أباد ليعمل في الجامعة الإسلامية هنآك ومنها انتقل إلى مدينة بيشاور الباكستانية ليبدأ رحلته  التي ترك فيها أثرا تاريخيا له ما بعده

ب -التحاقه بالجهاد الأفغاني

نلاحظ مما سبق أن الشيخ قد جمع عدة مزايا تؤهله ليكون رجل المرحلة فهو يحمل مؤهلا في العلم الشرعي كما يحمل التفكير الحركي ذو البعد العالمي بسبب انضمامه للإخوان المسلمين كما أخذ السلفية من خلال احتكاكه بعلماء الجزيرة العربية يضاف إلى ذلك ممارسته الفعلية في ساحة الجهاد ضد العدو اليهودي فاذا أضفنا إلى ذلك شعوره الدائم بالظلم الذي يتعرض له المسلمون في شتى بقاع الأرض كيف لا وهو أحد ضحايا ذلك الظلم لأن بلده(بيت المقدس) بات مغتصبا من الكيان اليهودي كل ذلك أثر على تفكيره  مما جعله يقدم طرحا مميزا في الفكر الإسلامي المعاصر لذلك يعتبره الكثيرون الأب الروحي لظاهرة الجهاد العالمي التي فرضت نفسها فيما بعد لذلك وجد في الجهاد الأفغاني فرصته المناسبة لممارسة فريضة الجهاد التي كان تواقا لها بعد أن تعذر عليه ممارستها في بيت المقدس ولإيمانه بأن جراح المسلمين واحدة سواء أكانت في بيت المقدس أو أفغانستان أو غيرها لذلك لعب الشيخ دورا مهما بعد انتقاله إلى بيشاور حيث كان صلة الوصل بين الأفغان واخوانهم العرب إضافة للمشاريع الكثيرة التي أسسها وسنكتفي بذكر بعضها وأولها مكتب خدمات المجاهدين إضافة لمجلة الجهاد التي كان يبث من خلالها طروحاته وكذلك قام بتأسيس العديد من المدارس والمشاريع التعليمية في المنطقة الحدودية وداخل أفغانستان ومن أراد معرفة المزيد فيمكنه الرجوع لكتاب شيخي الذي عرفت وموسوعة الذخائر وهي موجودة الكترونيا ولعل أخطر الأعمال التي قام بها طروحاته المميزة التي كان يركز فيها على فرضية الجهاد في عصرنا الحاضر والذي سماه بالفريضة الغائبة وكذلك تأكيده على ضرورة استعادة الخلافة الإسلامية والتي سماها المنارة المفقودة وكان يؤكد دائما على أن تحقيق هذا الهدف لم ولن يتم إلا بالجهاد

والعمل الثاني الذي أداه والذي لا يقل خطورة عما سبق هو سعيه الدؤوب للتوفيق بين فصائل المجاهدين الأفغان وقد دفع حياته ومعه أثنين من أبنائه ثمنا لذلك

ج-اغتيال الشيخ عبد الله عزام

لقد حرص أعداء امتنا على تفرقة صفوف المجاهدين حتى لا يتحقق الهدف النهائي للجهاد وهو اقامة حكم الله في الأرض اضافة لتوهين عزيمة الأمة وابعادها عن طريق الجهاد وذلك بتشويه صورة المجاهدين الذين يتقاتلون فيما بينهم وهذا ما حصل بالفعل لذلك حرص الشيخ عبد الله عزام ومعه المخلصون من أبناء الأمة على وحدة الكلمة ونزع فتيل الصراع في كل مرة يحصل فيها الاقتتال بين الفصائل وهذا الأمر لم يرق لأعداء الأمة الذين كانوا يرصدون جميع تحركاته وآخر ما قام به في هذا المجال هو محاولته جمع غلب الدين حكمتيار(زعيم الحزب الإسلامي)وأحمد شاه مسعود(من الجمعية الإسلامية) وقد تكبد عناء السفر مع حكمتيار إلى وادي بنشير وأثناء تلك الرحلة قام أحد قادة الحزب الإسلامي بفتل عدد من قادة الجمعية الإسلامية فرجع حكمتيار من تلك الرحلة وتابع الشيخ السفر حيث التقى بأحمد شاه مسعود وأخذ منه تعهدا بأن يقتصر على القصاص من القاتل دون غيره وقال له أحمد مسعود بأنه على استعداد للموافقة على أية ترتيبات يقترحها الشيخ مع حكمتيار وهذا ما ذكره الشيخ في أكثر من مناسبة بعد ذلك وقد قرأت ذلك في نشرة صدى الجهاد التي صدرت في تلك الفترة

هناك اصيب الأمريكيون بالجنون حيث قالت مسؤولة الملف الأفغاني في القنصلية الأمريكية في بيشاور بأننا لن نسمح لأحد أن يتدخل بالوضع السياسي في أفغانستان أي بتعبير آخر لا يريدون أي محاولة لتوحيد الفصائل الأفغانية وخاصة الحزب الإسلامي والجمعية الإسلامية لأن ذلك يخرب خططهم المستقبلية

بعد ذلك أصبح اغتيال الشيخ رحمه الله أمرا ملحا وقد جرت المحاولة الأولى لاغتياله بوضع قنبلة تحت المنبر الذي كان يخطب فيه يوم الجمعة لكن الله سلمه من تلك المحاولة حيث اكتشفت القنبلة وتم تفكيكها وبعد اسبوعين كانت المحاولة الثانية حيث تم زرع قنبلة يتم التحكم بها عن بعد بأحد قنوات الصرف الصحي قرب المسجد الذي يؤدي فيه صلاة الجمعة وتم تفجيرها عند مرور سيارة الشيخ فقتل مع أثنين من أبنائه رحمهم الله جميعا

ورغم مرور أكثر من ثلاثة عقود على تلك الجريمة فإن السلطات الباكستانية لم تفصح عن هوية الجناة بل إن مدير شرطة بيشاور في تلك الفترة قد صرح في مقابلة له مع مجلة الجهاد بأن الافصاح عن هوية الجناة يخص القيادة السياسية وليس من اختصاص أجهزة الأمن وهكذا غاب الشيخ عبد الله عزام رحمه الله عن ساحة الجهاد الأفغاني وترك ثغرة لم يستطع أحد سدها



20201-02-20
كاتب من بيت المقدس


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق