الثلاثاء، 24 نوفمبر 2015


مفاهيم ينبغي أن تُصحح

عبيدة الدليمي

يتصور الكثير من الناس أن الدولة الاسلامية أو الحكم الاسلامي ينبغي أن يكون مثالياً وخالياً من الاخطاء وإلا فهو باطل ولا يمتُّ للإسلام بصلة، وهذا خطأ كبير ينم عن قصور في فهم هذا الدين وجهل عريض بالتأريخ الاسلامي، ولعل مردّ هذا الى الطرح الخاطئ للإسلام في القرن الاخير من قبل علماء السلاطين والأحزاب الذين طرحوا الاسلام للناس بالطريقة التي تخدم مصالح حكوماتهم وأحزابهم.

فنظرة سريعة إلى التأريخ الاسلامي من الأمويين والى سقوط الخلافة العثمانية سنة 1924 م مروراً بالعباسيين والمماليك والمرابطين والموحدين ودولة المسلمين في الاندلس وغيرها نجد أن هذه الدول كان فيها الكثير من المظالم بل إن بعضها لم يقم الا بعد سفك الدماء المعصومة، لكن هذا لم يمنع المسلمين من الفخر بتلك الدول ولم يمنع علماء الأمة من اعتبار هذه الدول دولاً اسلامية وخلافتها شرعية وبيعة خلفائها واجبة.

علماء الأمة وخيارها وسادتها بايعوا خلفاء تلك الدول على الرغم من وجود مظالم كثيرة عند كثير منهم لأن المظالم في الفقه الإسلامي لا تمنع من بيعة الخليفة ما دام يحكم بشرع الله ، ولم يقل أحد منهم أن هذه المظالم تبطل شرعية تلك الدول أو تبطل بيعة خلفائها ، فلم يقل أحد من علماء الأمة مثلا أن يزيد بن معاوية بطلت بيعته بقتله للإمام الحسين رضي الله عنه أو باستباحته لمدينة رسول الله {صلى الله عليه وسلم} لثلاثة أيام بعد وقعة "الحرّة" سنة 63 هــ أو برميه للكعبة بالمنجنيق ، وقد كان ممن بايع يزيد عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس – رضي الله عنهما - ، وكذا الحال مع الخليفة عبد الملك بن مروان - رحمه الله - الذي كان الحجاج الثقفي من أبرز ولاته حيث ولّاه على مدينة رسول الله وعلى مكة ففعل فيهما ما فعل من قبائح وجرائم كان على رأسها رميه الكعبة بالمنجنيق وقتله لابن حواري رسول الله عبد الله بن الزبير بن العوام وهو ابن ذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر الصديق وهو قبل ذلك وبعده خليفة المسلمين الذي بايعته كل الأمصار الاسلامية باستثناء الاردن وفلسطين قبل أن يغلب عليه عبد الملك بن مروان فيستبيح دمه بهذه الطريقة ، لم يقل أحد أن خلافة عبد الملك بن مروان – رحمه الله – غير شرعية رغم أنه كافأ الحجاج على جرائمه في الجزيرة بتوليته على العراقين ( الكوفة والبصرة ) وعلى المشرق كله .

والأمثلة كثيرة ولا مجال لحصرها ولا نبالغ اذا قلنا أن هذه هي القاعدة والاستثناء أن يكون الامر خلاف هذا كما كان مع الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز - رحمه الله – أو مع بعض امراء الأمة مثل نور الدين زنكي وصلاح الدين الايوبي ويوسف بن تاشفين وأمثالهم الذين كانت تقوى الله هي التي تحكم سلوكياتهم وتعاملهم مع رعيتهم .

واذن فمناط الحكم على شرعية الخليفة من عدمها هو حكمه بشرع الله سبحانه وتعالى ولذلك أوجب العلماء بيعة رجال عُرفوا بظلمهم وسفكهم للدماء لأن مصلحة الأمة تقتضي ذلك.

وتصبح البيعة أشد وجوباً عندما يتعرض المسلمون ووحدة الأمة إلى الخطر كما حدث حين ضعفت دولة الاسلام في الأندلس عن مواجهة الصليبيين فقدم القاضي الفقيه ابن العربي المالكي من الاندلس الى المغرب وبايع عبد المؤمن بن علي أمير دولة الموحدين الذي يقول عنه الامام الذهبي في كتابه "العبر" وابن العماد في "شذرات الذهب" أنه كان عادلاً عالي الهمة متين الديانة يقرأ كل يوم سُبعا من القران ويصوم الاثنين والخميس ولكنه كان " سفاكاً لدماء من خالفه" !! ومثل هذا الكلام عن عبد المؤمن ذكره الإمام ابن كثير في البداية والنهاية وأضاف " أنه كان يعيبه كثرة سفكه لدماء من عارضه من أتباعه أو غير أتباعه" !! .

وهكذا تبقى مصلحة الأمة في المحافظة على وحدتها وقوتها ضد أعدائها مصلحة ترجح بكثير على مفسدة ظلم أشخاص معينين أو فرقة معينة من الناس وهذا الذي أجمع عليه علماء الأمة، فمظالم الأمويين والعباسيين والمماليك والعثمانيين والمرابطين والموحدين وغيرهم التي طالت بعض الناس انما يحمل أوزارها أمراء تلك الدول وهم المسؤولون عنها أمام الله سبحانه وتعالى وتبقى أمجادهم وانتصاراتهم والعدل الذي عمّ أكثر الناس هي المعيار في الحكم عليهم.

ولا يقولن متفيقه أن كلامنا هذا فيه تشويه للتأريخ الاسلامي وانتقاص منه أو تبرير للظلم وتسويق للظالمين ، فتأريخنا الاسلامي عظيم ومشرف وما عرفت البشرية تأريخاً أنصع منه ، وما عرف العالم العدل إلا يوم حكمه المسلمون ، ولكنها طبيعة البشر ولا معصوم بعد محمد صلى الله عليه وسلم وهكذا هم الناس - ومنهم الخلفاء - تعرف منهم وتُنكر ،وقد قالت العرب : المُلك عقيم ، ويبقى الظلم ظلمات يوم القيامة " وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا" .

بهذا الفهم وبهذه النظرة الشاملة المتجردة يُنظر الى المسائل حتى لا نُزيف الحقائق ونُضلل الناس تدفعنا الى ذلك مصالحنا الشخصية والحزبية، فالكلمة أمانة نُسأل عنها أمام الله سبحانه وتعالى خاصة ً في هذا الظرف الحرج الذي يمر به المسلمون حيث أصبحوا بين قتيل ومعوق وسجين ومطارد ولاجئ ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق