الثلاثاء، 12 مارس 2019


العرب وعبادة الاصنام

الصنمية في الوجدان العربي

جوهر العقيدة في جميع الرسالات السماوية هي لا إله إلا الله، وهي الشهادة والاقرار بوحدانية الخالق سبحانه وتعالى وإفراده بالعبادة دون غيره قولاً وفعلاً. عندما بُعِث رسولنا  قال لمشركي العرب "قولوا لاإله إلا الله تُفلحوا، قولوا لا إله إلا الله تملكوا العرب والعجم
لم يطلب من المشركين في البدء صلاةً ولا زكاةً ولا صياماً ولاغيرها من العبادات مع انها أساس الدين ولكنه طلب منهم إفرادالعبودية لله تعالى قبل كل شئ لانها البوابة للولوج في بحر الايمان وتطبيق بقية العبادات التي فرضها الله تعالى. فلا معنى للصلاة او الزكاة ولا قيمة لهما اذا كان من يمارسهما مشرك بالله وهكذا بالنسبة لبقية العبادات والفروض دون لا إله إلا الله قولاَ وفعلاَ لا قيمة لها.

عندما طلب الرسول من مشركي العرب إفراد الربوبية لله تعالى جنّ جنونهم وحاربوه بكل ما أُتوا من قوة، ولكن لماذا يا ترى؟ وهنا هو صُلب الموضوع، فقد عُرف العرب بشغفهم و ولعهم المفرط بحب الاصنام وعبادتها وتقديسها حد الجنون حيث كان هناك حول الكعبة المشرفة 360  صنماً!! ولكم ان تتخيلوا كم هي مساحة الكعبة في ذلك الزمان لكي تستوعب هذا العدد الهائل من الاصنام، ناهيك عن وجود اصنام في كل بيت من بيوت العرب بل ولكل فرد من افراد العائلة اصنام مختلفة لحاجات مختلفة ولأوقات مختلفة لذلك كان طلب الرسول والموافقة عليه ضرب من الخيال للاغلبية الساحقة من مشركي العرب.

الجميع يعلم كمية الاذى والتنكيل والتعذيب والصد والمقاطعة التي تعرض لها الرسول والذين آمنوا معه وهو المؤيد من الله تعالى الى أن مكن الله له تنقية نفوس هؤلاء من الولع والشغف بعبادة الاصنام و استبدالها بعبادة الواحد الاحد حينها ارتقت الامة الى عنان السماء وصار العرب بعد ان كانوا قبائل متناحرة ومتقاتلة فيما بينها تخضع للسيد الفارسي او السيد الرومي حيث كانوا عمال وخدم عند هذا او ذاك، صاروا سادة الارض وتحقق وعد رسول الله وملكوا العرب والعجم بلا إله إلا الله

ما اريد قوله من هذه المقدمة هو سر وعظمة كلمة لا إله إلا الله قولاً وعملاً وبأنها هي الرافعة حين التمسك بها وهي الخافضة بعد الانصراف عنها والرجوع الى عبادة الاصنام.
من متابعة الاحداث ومجرياتها على مر السنين توصلت إلى قناعة بأن الصنمية والولع بعبادة الاصنام شئ متأصل في الوجدان العربي، بمعنى ان بذرة الصنمية موجودة في اغلب نفوس العرب حيث انها تضمحل وتتناهى كلما تمسك العربي  بلا إله الا الله وتنمو وتزداد كلما ابتعد عن التوحيد. ولكي لا نغوص في التاريخ وناتي بأمثلة ربما لا يعلم الكثيرون عنها شئ فانني سوف احاول حصر الامثلة من تاريخنا المعاصر للصنمية العربية التي تتميز عن غيرها من الصنميات العالمية و أُبين كيف أن نواتها موجودة اصلاً في الوجدان الجمعي العربي ولكنها تتفاوت من شخص الى آخر.

لا يختلف اثنان بان الجهل في العقيدة هو المفتاح للغوص في وحل الصنمية وهي الاسمدة التي تُنمي تلك البذرة الخبيثة في نفس الانسان. وعندما تنمو هذه البذرة يبدأ  الانسان بخلق آلهة يعبدها من دون الله بعلم او بغير علم وهذه الالهة او الاصنام تختلف من شخص الى آخر، كأن يكون مثلا شخصية ما، أو قائدا عسكريا، او جماعة ما أو حزبا سياسيا  أو شيخا.... إلخ.
وبنظرة سريعة الى اصنام القرن الماضي والحالي يمكننا كتابة قائمة طويلة باسماء تلك الاصنام، وهنا اتكلم عن العالم العربي فهو الموضوع الذي اكتب عنه. وللانصاف لا بد من الاشارة الى ان هذا لا يعني بان بقية الشعوب ليس لديها صنمية ولكننا نحن العرب نتميز عن غيرنا بصنمية فاحشة.

مع تطور الحياة فان الاصنام ايضاً  تتطور وتأخذ اشكالاً وهيئات مختلفة عن السابق فلم يعد هناك من  يصنع صنماً خشبياً او حجرياً ليعبده بل إن الاصنام البشرية  حلت  محلها واصبح في زماننا الكثير من الناس من يتخذ اصناماً بشرية وذلك عن طريق بناء هالة من القدسية حول بعض الشخصيات او الجماعات او الاحزاب التي حسب معتقدهم الفاسد لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفهاها ولا يمكن بحال الاعتراض على كلام او تصرف تلك الشخصيات الصنمية فهي منزهة عن الخطأ. لا أُبالغ حين اقول بأن العرب يتميزون عن غيرهم في شدة تعلقهم وانقيادهم الاعمى وراء تلك الاصنام التي خلقوها في مخيلاتهم  وهذا ما يفسر كثرة العبارات على الشاكلة التالية في الوطن العربي وانعدامها خارجه: بالروح بالدم نفديك يا .....عليك فقط تغيير اسم صنم البلد لتشمل جميع البلدان العربية. القائد الضرورة!،مليكنا المُفدى، الاسد او نحرق البلد،الحاكم  بأمر الله، العارف بالله (وعادة من  يوصفون بهذه الصفات الدينية يكونون زنادقة) وغيرها كثير جداً لا يتسع المجال لذكرها.لم نسمع ولم نقرأ قط عن شعب من شعوب الارض يتفنن بتأليه طاغيته كما تفعل الشعوب العربيةوالأدهى من ذلك أن كثيراً من العرب من يتخذ اصناماً غير عربية  مثل جيفارا ولينين وماركس وغيرهم حيث بلغ بالبعض منهم أن  يطلقوا على ابنائهم اسماء تلك الشخصيات.

في عالمنا العربي هناك نوعان من  الصنميين، صنميون علمانيون وصنميون دينيون هؤلاء الصنميون على حدٍ سواء عادةً  ما يكونون واسعي الخيال ولديهم قدرة هائلة في نسج القصص الخيالية والتأليف عن صنمهم الذي يعبدون، فمثلاً ترى العلمانيون   ينسجون القصص في وصف نزاهة وحنكة ودهاء معبودهم وبأن الامة لم تلد له مثيلا وأنه رغم  منصبه إلا أنه كان يعيش في شقة  بغرفة نوم واحدة وكان غذاءه الرئيسي الخبز والبصل وكان  ابناءه يلبسون الملابس البالية لان نزاهته وعفته لم تسمح له بان  يستغل المنصب لشراء حاجيات عائلته وأن ابناءه دخلوا الجامعة  لتفوقهم في الدراسة فهم ورثوا ذكاء ابيهم!! وغيرها من القصص التي لا يصدقها حتى اطفال دورالحضانة  ناهيك عن البالغين وما نحن ببعيدين  عن القصص التي نُسِجت مثلاً حول هُبل العصر  عبدالناصر من قبل عبيده وما زالوا حتى يومنا هذا لا يكلون ولا يملون من نسج الأساطير حوله التي لا نجدلها مثيلا  إلا في قصص الف ليلة وليلة، وفي
الحقيقة فان عبدالناصر لم يكن إلا  لصاً طاغوتياً كبقية اللصوص الذين  حكموا ويحكمون بلداننا.
 عبدالناصر بطل الهزائم الذي لم يشهد طوال حياته ولم يذق طعم النصر الا على شعبه طيلة فترة حكمه المشؤومة، عبدالناصر زعيم النكسة والوكسة والهزيمة والعار والخيبة الكبرى ومع ذلك استطاع عبيده الصنميون  تحويل هزائمه الى انتصارات في عقولهم المريضة و أن يضللوا  عشرات الملايين في عالمنا العربي و ما زالوا يتغنون به وينشدون الاشعار تخليدا لذكراه القذرة.
 عبدالناصر الذي استولى على كرسي الحكم بمساعدة اسياده الامريكان حينها كانت في مصر نهضة علمية كبيرة حتى ان كوريا الجنوبية كانت ترسل بعثاتها العلمية  لطلبتها المتفوقين للدراسة في مصر! وعليكم ان تقارنوا اليوم الى اين وصلت كوريا الجنوبية و الى اي درك انحدرت مصر. ما نراه  اليوم من خراب ودمار وقتل وتخلف في مصر هو نتاج تلك البذرة  الخبيثة التي زرعها ذلك الصنم المقبور وعصابته.

من المضحك ان تجد بعض الصنميين يتصنعون الورع محاولين لعب دور الحكيم فيقول لك احدهم لا يجوز لك ان تتكلم عن هذا او ذاك بسوء لانه افضى الى ماقدم  ويحاولون الاستشهاد بالحديث (الغير الصحيح اصلاً) اذكروا محاسن موتاكم!! وكأن الطغاة لهم محاسن!!
فضح هؤلاء الطغاة هو واجب شرعي واخلاقي ولنا في قول الله تعالى في فرعون وجنوده ومن هم على شاكلتهم خير دليل فقد وصف ربنا تعالى فرعون في اماكن  كثيرة في القران الكريم بكل الاوصاف السيئة التي يستحقها ولم  يقل لنا اذكروا محاسن فرعون.

هذا بالنسبة للصنميين العلمانيين ولكن هذا لا يعني بأن المتأسلمين ليس لهم اصنام فنحن العرب بارعين في صناعة الاصنام، فمن كان هواه علماني صنع لنفسه صنماً علمانياً  يعبده ويقدسه ومن كان "إسلاميا" أو هكذا يدعي فانه  يصنع صنمياً دينيا. وهنا يجب الاشارة الى أن الاصنام الدينية  أشد خطراً واكثر وقعاً من الاصنام العلمانية وذلك لأن الصنميين  الدينيين يسوقون اصنامهم علينا  ويتحدثون عن الكرامات التي حدثت على ايدي هؤلاءالشيوخ وعن الرؤى التي يرونها في منامهم وعن لقائهم  الدوري مع الرسول في المنام وبأنهم  مُؤيدون من الله تعالى وبما أن الناس في عالمنا العربي في غالبيتها تجهل  ابسط ابجديات الاسلام لذلك من السهولة بشكل تسويق تلك الاصنام  الدينية عليهم.

مثلاً (الاخوان) يستشهدون بكل ما قال حسن البنا غثه وسمينه وكأنه كلام مُنزّل من السماء  حيث لا يحق لأحد الاعتراض على كلامه ومن يقول غير ما قال البنا فانهم اي الاخوان يناصبونه العداء ويحاولون اسقاطه بكل الطرق وتسفيهه ويتحدثون عن الكرامات الخرافية التي حصلت مع البنا حتى بدأنا نظن أنه نبيٌ مُرسل. وكذلك بالنسبة لمرشدهم فانه بالنسبة لهم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وكلامه وحي يوحى. بل اكثر من ذلك فان اخوان اليوم مثلاً يقدسون  ويؤلهون اردوغان ويضعونه بمصاف الأولياء بل ان احدهم وهو من خريجي الازهر قال لي بانه درس  سيرة عمر بن عبدالعزيز  بكل تفاصيلها وهو متابع لكل ما يفعله اردوغان الذي  يراه هو عمر بن عبدالعزيز هذا العصر ولكم ان تتخيلوا مدى الصنمية والجحشنة عند ذلك "الشيخ" ومن هم على شاكلته من قطيع الاخوان.
 اردوغان الذي ما فتيء يصرح بانه رجل علماني ويدعو جهارا نهارا إلى تطبيق العلمانية في العالم الاسلامي وبأنها الحل الافضل على الاطلاق حسب رأيه الفاسد ولكن مع كل هذا فان صنميي الاخوان يعتبرونه خليفة المسلمين والحاكم  بأمر الله!!
الذي جعل من اردوغان صنماً يعبد من دون الله ليس الاتراك وانماالعرب!!!  هذا الرجل لا يتخذه الاتراك صنماً وانما في البلاد العربية فقط فهل  وصلت الفكرة؟ 

ولو تركنا الاخوان واصنامهم فسنرى  بان الامر ليس مقتصرا عليهم  من بين المتأسلمين وانما نفس الشئ يقال على أدعياء السلفية  أو من يسمون أنفسهم  بالسلفية العلمية وكذلك السلفية المدخلية والجامية فهؤلاء ايضا  صنعوا من بعض شيوخهم اصناماً ولهم منابر ومنصات إعلامية يسخرونها لتقديس تلك الاصنام وتسويقها على انها الحق وكل ما دون ذلك هو الباطل. هنا أود ان انوه بانني لا ادعي بان كل من انتمى الى الاخوان او السلفية هم من الصنميين فهناك بدون شك أناس من هذين  الفريقين ليسوا كذلك ولكن انا اتحدث عن السمة الغالبة لتلك  الجماعات. هناك بطبيعة الحال فرق اخرى كثيرة اكثر ضلالة وصنميةً من  هؤلاء كالصوفية بجميع انواعها والشيعة بجميع فرقها وغيرهم من الفرق الصنمية  التي تتفاخر بصنميتها وهؤلاء لسنا بحاجة ان نكتب عن صنميتهم  فهي أوضح من أن تُوضح
الغريب في الامر أن الاصنام العلمانية عادة ما تُسخر بعض الاصنام الدينية لاضفاء قدسية إلهية على هؤلاء ولكي يتلاعبوا بالآيات القرآنية والاحاديث النبوية ويُلبسوا الحق بالباطل كي يجمعوا اكبر عددٍ من العبيد لذلك الصنم، حيث ان  مهمة هؤلاء "الشيوخ" هي عملية شيطنة وتكفير كل من تسول له نفسه بان يعترض على الحاكم الطاغوتي الذي افسد البلاد والعباد وأن من يخرج عليه فانه كافر مخلدٌ في نار جهنم، لكن في  المقابل لم نسمع بأن صنماً دينياً جَيّرَ صنماَ علمانياً ومن هنا تاتي  خطورة الاصنام الدينية التي يسهل تسويقها على الناس البسطاء وهم  غالبية في بلادنا العربية.

نعم الصنمية هي موجودة في الوجدان العربي دون غيره وإلا مَن يستطيع أن يفسر لي ظاهرة ريال  مدريد وبرشلونة في الوطن العربي؟؟ 
الجميع يعلم بان ريال مدريد  وبرشلونة ناديان اسبانيان لكرة القدم فما لنا وما لهم؟ هذان الناديان لهما عشرات الملايين من المشجعين بجنون من العرب شيباً وشباباً. وصلت درجة الصنمية والتعلق بهذين الفريقين الى حد القتل بين  مشجعي الفريقين!!! بمعنى أنك قد تكون على كف عفريت اذا كنت  تشجع احد الفريقين وصادف ان تفوهت بكلمة تسيء الى الفريق الآخر امام مشجعيه!!! فالويل كل الويل لك وربما تدفع حياتك ثمناً لتلك الاساءة "الشنيعة" كيف لا وانت سولت لك نفسك ان تنال من آلهتهم!!

هذه الحالة ليس لها مثيل الا في  بلداننا ولن تجد مشجعين لهذين الفريقين خارج حدود بلديهما الا ما  ندر. ليس هناك ادنى شك بان الفريقين لهما مشجعون اسبان كثر، أي بمعنى من بني جلدتهم وهذا شئ طبيعي ولكن حتى هؤلاء المشجعين الاسبان لم يجعلوا من هذين الفريقين صنمين، فالصنمية هي  من اختصاص العرب.
ما اريد الوصول اليه من خلال هذه الاسطر أننا لن نتخلص من الذيلية والعبودية ولن نحيا حياةً  كريمةً وسوف نستمر في تجرع كؤوس الذل ولن يكون لنا مكان بين  الامم  ولن تقوم لنا قائمة دون وأد بذرة الصنمية في وجداننا والتخلص منها كما فعل اجدادنا في صدر الاسلام           
لن يُصلِحَ حال العرب إلا ما اصلح  اجدادهم في صدر الاسلام وهي وحدانية المعبود جلّ في علاه ولن  يُصلِح حال المسلمين إلا بصلاح العرب لانهم مادة الاسلام ولأنهم اكثر  الشعوب فهماً له لأن القرآن الكريم نزل بلغتهم و لذلك هم اول من حمل ونشر رسالته الى البشرية وذلك بعد أن نبذوا وكفروا  بجميع الاصنام وتركوا عبادتها الى عبادة رب الانام وحده لا شريك له ولن نصل الى تلك الحالة مادام بيننا صنميون لهم صوت عالٍ، كلما  سقط صنم صنعوا لنا غيره.

اشرف المعاضيدي
2019-03-23

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق