الجهاد الافغاني بين غلو التقديس وغلو التخوين
حقائق غائبة
الجزء الرابع والعشرون
تداعيات الغزو الصليبي لأفغانستان
كما ذكرنا في الفصل السابق فقد توالى سيطرة تحالف الشمال على المدن الأفغانية واستمر الصليبيون في قصفهم لجبال تورا بورا لمدة ١٢ يوما وانتهى القصف يوم ١٧ كانون الأول من عام ٢٠٠١ وفي تلك الفترة حوصر عدة مئات من المجاهدين في مدينة قندز شمال أفغانستان ليقعوا بعد ذلك أسرى فتم نقلهم بحاويات الى قلعة جانجي وقد توفي الكثيرون منهم في الطريق ومن نجا منهم فقد قاموا بالتمرد داخل السجن يوم ٢٥ تشرين ثان ولم يتمكن حراس السجن من السيطرة على التمرد فاستدعوا الطيران الصليبي الذي قصف القلعة فقتل الجميع أي السجناء مع الحراس
وقد ارتكب أولئك المجرمون الكثير من جرائم القتل والسلب والاغتصاب في المدن التي دخلوها ففي مدينة مزار شريف قتلت جماعة المجرم عبد الرشيد دوستم المئات ورموا جثث القتلى بأماكن متفرقة عثرت عليها الفرق التابعة للصليب الأحمر وتم دفنها دون أية ضجة أوأي تحقيق
وأما في مدينة كابل فقد ارتكب المجرمون عمليات اغتصاب وتم توثيق ٧٠٠ حالة مما جعل أحد زعماء البشتون القوميين بأن يدين تلك الجرائم كما أبدى استعداده للتعاون مع حركة طالبان ضد تحالف الشمال رغم أنه من المعارضين لحركة طالبان
كما تم في تلك الأثناء اعتقال عدد كبير من الشباب العربي العاملين في مجال الإغاثة والإعلام وتم تسليمهم للأمريكيين على أنهم من تنظيم القاعدة مقابل حفنة من الدولارات ليتم بعد ذلك نقلهم مع غيرهم إلى سجن غوانتانامو (سيء الصيت) بصورة مهينة لتثبت التحقيقات أن الغالبية العظمى منهم لا علاقة لهم بالقاعدة أو طالبان
لقد كانت تلك النازلة زلزالا شديدا ثبت الله به المؤمنين الصادقين وزلت به أقدام الآخرين الذين يتحدثون دائما عن الحكمة والوسطية والمصالح والمفاسد ومقاصد الشريعة
وأغرب ما بدر من هؤلاء الفتوى التي أحازت لجنود المسلمين في الجيش الأمريكي المشاركة في غزو أفغانستان وقد وقع على تلك” الفتوى" الشيخ يوسف القرضاوي والدكتور محمد هيثم الخياط ومحمد سليم العوا والصحفي محمد فهمي هويدي والمستشار طارق البشري وكانت حجة هؤلاء أن عدم مشاركة الجنود المسلمين في تلك الحملة سيؤدي للشك بولائهم لبلدهم الذي يعيشون فيه وقد وصف الدكتور طه جاسم علوان مدير معهد الفكر الإسلامي في أمريكا تلك "الفتوى” بالبيان السياسي رغم أنه هو من استفتى الشيخ يوسف القرضاوي في هذه المسألة
كما بادر أولئك المقاصديون للحديث عن تهور الشباب المسلم والمغامرات غير المحسوبة كما وصفوا ما جرى في أفغانستان بالمحرقة للشباب العربي كل ذلك كان واضحا في المقالات التي كتبها أولئك المرجفون في مواقع الانترنيت وخاصة موقع islam online
وعلى النقيض من ذلك فقد وصف آخرون تأثير تلك الأحداث بأنها قد حركت المياه الراكدة في ساحات العمل الإسلامي لما أحدثته من أفعال وما طرحته من أفكار جديدة تجاوزت ما كان قائما قبلها حيث أحيت عقيدة الولاء والبراء التي أراد أصحاب الطروحات المهادنة (داخل الصف الإسلامي) إماتتها بعد تمييعها بمسميات ما أنزل الله بها من سلطان كما رفعت الروح المعنوية لدى أبناء الأمة كما أشرنا سابقا
وظهرت في تلك الفترة أهمية الانترنيت التي أتاحت ظهور الكثير من الطروحات العميقة كما فضحت آخرين ممن يتصدرون المشهد منذ عقود لما أظهروه من سطحية وسذاجة في تعاملهم مع تلك النازلة وبات واضحا منذ ذلك الحين أن الواقع قد تجاوزهم وظهر فشلهم بصورة واضحة جلية بعد عقد من الزمن أي بعد أحداث ما سمي بالربيع العربي وهذا موضوع آخر لسنا بصدد الحديث عنه هنا انما سنتحدث عنه في الفصل القادم إن شاء الله
ومن التداعيات أيضا الانبطاح الشديد الذي أبدته حكومات العالم الإسلامي حيث بات خضوعها التام لسيدهم في "البيت الأبيض" واضحا جليا (إلا لأولئك الذين استمرؤوا العبودية لغير الله سبحانه وتعالى) فظهرت الوثنية السياسية والتي أطلت برأسها قبل عقد من تلك النازلة وبالتحديد منذ ما سمي بحرب الخليج الثانية حيث صارت طاعة "ولاة الأمر" القضية المحورية عند بعض أدعياء السلفية
وفي المقابل ظهر مصطلح الأنظمة الوظيفية حيث أصبحت الحكومات في العالم الإسلامي مجرد أدوات تنفيذ لمخططات أعداء الأمة في جميع المجالات العسكرية والأمنية والتعليمية والإعلامية وحتى الأعمال الخيرية والدعوية باتت خاضعة بصورة مباشرة لإملاءات الأمريكان بدعوى تجفيف منابع الارهاب وقد كشفت السنوات اللاحقة أن الأمريكيين قد أرسلوا بعض المعتقلين إلى دول عربية(سوريا مصر الأردن ليبيا المغرب)للتحقيق حيث أن الأمريكيين لم يستطيعوا انتزاع أية اعترافات منهم بطرقهم الخاصة فلجؤوا لعبيدهم ليؤدوا هذه المهمة بالطرق القذرة(التعذيب الجسدي) والتي يتجنبها الأمريكيون والأوروبيون وحتى اليهود لأسباب لسنا بصدد الحديث عنها
وقبل أن نختتم هذا الفصل لابد من الإشارة إلى المقابلة التي أجراها(عبر الأنترنيت) الإعلامي في قناة الجزيرة أحمد منصور مع عبد رب الرسول سياف يوم دخوله كابل والتي بدا فيها ذلك الرجل على حقيقته عندما تكلم بعنجهية كما راوغ بالإجابة على الأسئلة المطروحة فأنكر تحالفه مع عبد الرشيد دوستم كما أنكر الغزو الأمريكي ووصف حكم طالبان بالكابوس الذي انزاح عن بلده وهاجم الشباب العربي كما هاجم قناة الجزيرة لتغطيتها الأخبار في تلك الفترة حيث غطت الأحداث بموضوعية ونقلت الأخبار بمهنية من خلال مراسلها تيسير علوني مما أغضب جماعة تحالف الشمال وزاد من حقدهم على الشباب العربي
وبدا أحمد منصور بموضع المدافع الضعيف
وهنا لابد لنا من الإشارة إلى أن قطر دولة وظيفية شأنها بذلك شأن بقية الحكومات في دول العالم الإسلامي لكن المطلوب من قطر هو البقاء في المنطقة الرمادية مع أداء بعض الأدوار التي تخدع الكثيرين وبذلك تتمكن من أداء مهمتها الأساسية بتسميم العقول وتحقيق الاختراق الفكري في العمل الإسلامي وهذا موضوع آخر فيه تفصيل كثير لا يمكننا الالمام به في هذه العجالة وما قامت وما تقوم به قناة الجزيرة يندرج ضمن هذا الدور المناط بحكومة قطر
هذه هي أهم التداعيات الناشئة عن أحداث الحادي عشر من أيلول وما تلاها من الغزو الصليبي لأفغانستان أما الآثار البعيدة لتلك التداعيات فسنتاولها في الفصل القادم إن شاء الله
2022-09-16
كاتب من بيت المقدس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق