الخميس، 29 سبتمبر 2022

الجهاد الافغاني بين غلو التقديس وغلو التخوين

حقائق غائبة


الجزء الخامس والعشرون

الآثار السلبية البعيدة للغزو الصليبي لأفغانستان

تحدثنا في الفصول الماضية عن التداعيات الآنية لغزو أفغانستان ومنها دخول الأمريكيين في مواجهة مباشرة مع المسلمين بل إن الإسلام صار مستهدفا على جميع الأصعدة بدعوى تجفيف منابع الإرهاب فحوربت كل المؤسسات والجمعيات الإسلامية وحتى النشاطات العلمية البحتة  قد حوربت فطردت الحكومات كل طلبة العلم الوافدين للدراسة في كليات الشريعة والمعاهد الشرعية في بعض البلدان العربية(كجامعة الأزهر) وهنا فتحت إيران  النفاق أبواب حوزاتها لاستقبال أولئك الطلبة وهكذا فتح  الباب أمام نشر التشيع في مختلف بلدان العالم الإسلامي

 كما خضعت حكومات العالم الإسلامي للإملاءات الأمريكية فصارت تتسابق لإرضاء العم سام فأوقفت الجمعيات الخيرية جميع نشاطاتها وحورب الإسلاميون على اختلاف توجهاتهم وظهرت عبودية حكومات العالم الإسلامي بصورة جلية فصار لزاما عليها إيجاد ما تستر به سوءاتها هنا جاء دور علماء السوء الذين بالغوا في تلمس الأعذار  والتخذيل عن ”ولاة الأمر" فظهرت فتاوى وآراء في غاية التناقض والإسفاف ليس لها أي سند شرعي  أو حتى سند وضعي وكلها تزكي أفعال "ولاة الأمر" مع اضفاء الشرعية على كل أقوالهم وأفعالهم مع المبالغة في الحديث عن طاعة ”ولاة الأمر ”والتشنيع على كل الدعاة والمصلحين  الذين لهم رؤية مخالفة

وقد جمع الأخ الدكتور أكرم حجازي (في نهاية العشرية الأولى من هذا القرن) مجموعة من تلك الآراء والفتاوى فوجد فيها تناقضات ما أنزل الله بها من سلطان وشبهها بطبيخ النور (مع تشديد النون المفتوحة) الذين يذهبون لتسول الطعام في وعاء كبير يخلطون فيه أنواع كثيرة من الأطعمة مع بعضها لتكون النتيجة الحصول على طعام غير مستساغ ولا يصلح للآدميين

وكمثال على ذلك، الفتوى التي جعلت من الحاكم الأمريكي للعراق بريمر وليا للأمر والذي تجرأ بعض أهل العلم بالرد عليه لأن بريمر غير مسلم

أما معمر القذافي فكان له شأن آخر حيث صدرت فتاوى بتكفيره في ثمانينات القرن الماضي لما صدر عنه من أقوال لم يعلن تراجعه عنها ومع ذلك فقد قام بدعوة عدد من الدعاة من مختلف البلدان (نهاية العشرية الأولى من هذا القرن) والذين زكوا أعماله وبالغوا في مدحه والثناء عليه رغم أن بعضهم من تلامذة العلماء الذين كفروه ولم يتراجعوا عن فتواهم بتكفيره.  لم يتجرأ أحد بالرد على الذين مدحوا القذافي لأنه من "ولاة الأمر" بل إن الأمر وصل بأحد الدعاة أن يسعى لمقابلة بشار الأسد ليبرأه من كل جرائم أبيه الهالك ويثنى عليه

 بل وصل الأمر بإحدهم أن يقول أن حاكم بلده من اكثر الناس ثقافة وأنه قرأ ١٢٠ الف كتاب

 هكذا تناسى حكام العرب خلافاتهم وتوحدوا لمحاربة” الإرهاب فلم يعد مسموحا لأي داعية انتقاد أي من "ولاة الأمر" الذين صار تقديسهم واجبا شرعيا عند أولئك بل وصل الإسفاف عند أحدهم عندما قال "إذا خرج ولي الأمر على التلفاز يزني ويشرب الخمر  نصف ساعة فلا تنكر عليه إلا إذا كنت أمامه!!! أما إذا كنت خلفه فلا 

 والمقطع موجود بالصوت والصورة في الانترنيت لمن أراد التحقق منه

 كما بالغ أولئك في الإنكار على من يكفر أيا من الناس حتى ولو صدر عنه ما يثبت كفره وهنا دخلت كلمة التكفيريين قاموس بعض الدعاة وكذلك كلمة الخوارج والتي باتت من أكثر الكلمات استعمالا وفي غاية الإسفاف والابتذال كما بالغ الكثيرون  بمجاملة الغرب وذلك بتقديم الطروحات الخالية من أي شكل من أشكال العنف والمبالغة في الحديث عن الحكمة واللين والوسطية "وقبول الآخر ”مع التشنيع على التيارات الجهادية ذات البعد العالمي مع وصمها بكل الأوصاف السيئة مثل التطرف والتشدد والإرهاب والغلو والتكفيريين والظلاميين والخوارج....وغيرها وذهب آخرون لأبعد من ذلك فأبدوا استعدادهم للتعاون مع أجهزة الأمن في بلادهم لمحاربة من يسموهم بالغلاة والخوارج وهذا ما حصل بالفعل بل إن بعضهم قد تعاون مع أعداء الأمة في محاربة "الإرهاب 

وبالطبع فلكل فعل لابد من ردة فعل في الاتجاه المعاكس

فقد أدت التصرفات السابقة من الحكومات ومن بعض الإسلاميين إلى ردود أفعال مختلفة بعضها كان منضبطا من الناحية الشرعية وأخرى على النقيض من ذلك

وهنا أصبح فقه " الحاكم المتغلب" وعدم الخروج على "ولاة الأمر” موضع تساؤل حول مدى شرعية تلك القاعدة وقد ناقشها البعض بصورة منضبطة وآخرون فعلوا عكس ذلك فراحوا ينقضون دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله حتى أن بعضهم وصف تلك الدعوة بأنها لا تصلح لهذا العصر وآخرون بالغوا في نقدها ووصفوها بالظلامية وكذلك نقدوا ابن تيمية رحمه الله وبصورة غير منضبطة فيها الكثير من المغالطات. وصلت حد الزندقة فوصل الأمر ببعض السفهاء حد التطاول على الصحابة الكرام حتى أن أحد المحسوبين على الإسلاميين وصف سيدنا معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه "بالخبيث والمنافق" (والعياذ بالله) وهنا لابد من التذكير بأن صورة العلماء قد اهتزت منذ حرب الخليج الثانية وجاءت نازلة عام ٢٠٠١ لتزيد الصورة قتامة لما أسلفنا

في هذه الفترة أصدرت مؤسسة راند الأمريكية العديد من الدراسات حول الأساليب التي يجب على صناع القرار اتباعها في محاربة دين الله ولعل أخطرها تلك التي تتحدث عن استغلال الخلافات الفكرية والمنهجية بين مختلف العاملين في ساحة العمل الإسلامي لضربهم ببعضهم وقد انساق البعض في هذا الإتجاه ووقعوا في هذا الفخ

كل ذلك وغيره كان من الآثار السلبية لتلك النازلة التي زلت بها أقدام الكثيرين وثبت الله سبحانه وتعالى أقدام الذين اختصهم من عباده

وأما النتائج الإيجابية فسنتحدث عنها في الفصل القادم إن شاء الله تبارك وتعالى



2022-09-29
كاتب من بيت المقدس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق